بعد غياب استمر 10 سنوات

محليات وبرلمان

التجنيد الإلزامي يعود قريبا بشكل جديد

11121 مشاهدات 0

أرشيف (الوطن)

يمثل مشروع التجنيد الإلزامي الجديد أحد أهم المشاريع العسكرية الرائدة في وزارة الدفاع وسيأتي قريبا مغايراً للقانون القديم حيث تضمن تعديلات جوهرية تلبى طموحات المؤسسة العسكرية، وأكد مدير مركز اتجاهات للدراسات والبحوث طلال سعد الكشتي الذي أعد تقريرا حوله، أن هذا القانون يترجم نتاج فكر وخبرة عسكريين كويتيين فضلا عن الاستعانة بنماذج وتجارب ناجحة طبقت في دول مختلفة.

وقال الكشتي في تقريره عن قانون 'التجنيد الإلزامي' أن التوجه لدى النائب الأول لرئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع الشيخ جابر المبارك هو إعادة دراسة تجربة التجنيد الإلزامي وتطويرها وإعادة طرحها وفق منظور جديد، بحيث يأخذ في اعتباره الإطار الفكري وليس المفهوم العسكري للتجنيد فحسب، ويواكب التطورات التي تشهدها الكويت، على الصعيد الداخلي أو الخارجي، ليصبح هناك رسالة واضحة وأهداف محددة ومخرجات معينة تتحقق من سلامة تطبيق التجنيد الإلزامي في المرحلة المقبلة،وهو ما عبر عنه بمقولة شهيرة 'أتمنى أن نصل إلى مرحلة يحمل فيها المجند شنطة أغراضه ويتوجه إلى التجنيد تدفعه وطنيته وإحساسه بالواجب الوطني'.
وزاد الكشتي أن قانون 'التجنيد الإلزامي' سيدرج على رأس الأولويات الحكومية النيابية بداية دور الانعقاد المقبل متوقعا أن يشهد توافقا نيابيا وحكوميا مما سيساهم بإقراره فورا.

مفهوم التجنيد الإلزامي

'التجنيد الإلزامي' وفق المفهوم المستقر في كتابات العسكريين هو 'التحاق القوى الشبابية ومتوسطة العمر في المجتمع بعد إكمال سنوات الدراسة بالخدمة في المؤسسة العسكرية، لمدة زمنية تتراوح بين عام إلى ثلاثة أعوام، وتختلف من دولة إلى أخرى، وتستخدمه بعض الدول في حالات الاشتراك في الحروب والصراعات المسلحة وصد العدوان ضد الدولة، والبعض الأخر من الدول في حالتي السلم والحرب'. وقد يطلق عليه البعض التجنيد الإجباري أو الخدمة الوطنية. ولا يطبق هذا النظام وفق نهج واحد حيث استغنت عنه بعض الدول مثل الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا واستراليا ونيوزيلندا والهند وباكستان. كما أن دولا أخرى، وخصوصا في أوروبا، خفضت مدة الخدمة الخاصة بهذا النظام.

التجربة الكويتية

كان التطوع هو المصدر الوحيد بالنسبة لتجنيد الرجال في الجيش الكويتي منذ إنشائه عام 1949 حتى برز التجنيد الإلزامي في الكويت بصدور القانون رقم 13/1976 في 16 مارس 1976، المعدل بالقانونيين رقمي 12 لسنة 1979 و66 لسنة 1980 الذي ألغي بقانون 102 لسنة 1980. ومن أبرز ملامح القانون 102 لسنة 1980 هو اشتراطه تأدية الخدمة الإلزامية لكل كويتي يتم الثامنة عشرة من عمره، وحدد القانون مدة الخدمة الإلزامية بسنتين وتخفض هذه المدة إلى سنة للحاصلين على مؤهل جامعي ، وبين القانون الحالات الخاصة بتأجيل الخدمة الإلزامية لمدة سنة قابلة للتجديد أو إسقاطها عن بعض الفئات.
وقد أوقف النائب الأول لرئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع الشيخ جابر المبارك العمل بنظام التجنيد الإلزامي في عام 2001، حينما صدر القانون 56 بتاريخ 28 يوليو من نفس العام المذكور. وكانت هناك بعض التحفظات على قانون التجنيد السابق من حيث آلية استدعاء المجند وآلية التدريب المقرر له والمدة المقررة للتجنيد وآلية التطبيق في الوحدات العسكرية، وعدم الأخذ بعين الاعتبار عامل المسافة والسكن عند توزيع المجندين، فضلا عن بروز مظاهر المحسوبية والوساطة والتهرب من الخدمة العسكرية وعدم تطبيق مبدأ العدالة الاجتماعية بين المجندين ونقص جرعات التدريب التخصصي لوحدات المجندين وعدم تطبيق مبدأ التخصص الوظيفي للمجندين في الأماكن المناسبة لهم وغياب الحوافز المادية والتشجيعية للمجندين المتميزين، الأمر الذي أدى إلى عرقلة العمل به وعدم تطبيقه بالشكل الصحيح.

كل تلك المثالب التي أغرقت تجربة التجنيد الإلزامي  خلال تلك السنوات دفعت النائب الأول لرئيس مجلس الوزراء ووزير الدفاع الشيخ جابر المبارك إلى إلغاء هذا القانون ليشكل تاليا جوهر مشروع قانون جديد وتضمنيه نصوص لتلافي الكثير من سلبيات القانون القديم، حيث سيتم تخفيض المدة الزمنية في الخدمة من سنتين إلى سنة واحدة، وتطبيقه على جميع الشرائح الشبابية، وسيراعي مسألة التخصص بالنسبة للمجندين بحيث يتم تسكين كل مجند في موقع تخصصه العلمي، على أن تكون مدة خدمة حملة المؤهلات العليا (شهادات البكالوريوس والماجستير) لمدة تسعة أشهر فقط أو 6 أشهر، أما حاملو الشهادة الثانوية والدبلوم المعادل للثانوية وما أقل من ذلك فستكون مدة التحاقهم بالخدمة العسكرية الإلزامية سنة واحدة، وسوف يتقاضى المجند مكافأة مالية بالإضافة إلى راتبه الشهري واحتساب المدة من ضمن الخدمة الوظيفية، ويستثنى من هذا الوضع بعض الحالات مثل الابن الوحيد العائل لأسرته، ومن يكمل دراسته خارج البلاد، وأبناء البعثات الدبلوماسية خارج البلاد ، والعسكريون في كافة المجالات العسكرية سواء في الجيش أو الحرس الوطني، فضلا عن فئات أخرى كالمعاقين والمرضى.


مزايا تطبيق القانون

ويكشف تقرير الكشتي عن عوائد جمة من إعادة العمل بنظام التجنيد الإلزامي في الكويت، والتي يمكن تلخيص أهمها في النقاط التالي:
 
(*) تعزيز ولاء الشرائح الشابة في المجتمع الكويتي للوطن وتأكيد المفاهيم المرتبطة بالمواطنة الحقة، لاسيما وأن المؤسسة العسكرية بما تتميز به من الانضباط وتعلم النظام واحترام الوقت، تعد 'مصنعا للرجولة'، ومن هنا، فإن عودة العمل مرة أخرى بهذا النظام، يؤدي إلى خلق مواطن كويتي مرتبط بوطنه، مشغول بتحدياته ومهموم بمستقبله ومساهم في بنائه. بعبارة أخرى، إن الهدف من تطبيق النظام الجديد ليس 'عسكرة' المجتمع الكويتي بقدر ما هو يتعلق بنشر مفاهيم الوطن والإيثار وإنكار الذات وتحمل المسئولية.
(*) دعم القوة العسكرية بالصف الثاني والعمل على أن تكون التعبئة جاهزة في حال حدوث أي طارئ، إذ سيتم التعامل مع المجندين كخط احتياط لإكمال صفوف الجيش في الأزمات والكوارث والحروب، وردع التهديدات المحتملة والتحديات المتوقعة للأمن الوطني الكويتي.

(*) تعزيز الكوادر الوطنية وإيجاد نخبة من المجندين القادرين على التعامل مع المعطيات الدفاعية الحديثة والاستفادة من الكفاءات الكويتية الشابة من الحاصلين على مؤهلات جامعية.

(*) تعزيز علاقة التبادل بين المجتمعين المدني والعسكري. وقد عبر عن هذا المعنى النائب الأول لرئيس مجلس الوزراء ووزير الدفاع  الشيخ جابر المبارك حينما ذكر أن الهدف من إيقاف العمل بقانون التجنيد هو معالجة كافة الثغرات القانونية التي كانت تعترض تنفيذه، والعمل على إيجاد قانون جديد يحقق الأهداف والفلسفة التي نتوخاها من المجند في خدمة بلده.

مثالب وسلبيات سيتم تجاوزها في القانون الجديد

في المقابل فهناك ثمة مثالب وسلبيات ستعمل وزارة الدفاع على تجاوزها من خلال إعادة تطبيق قانون التجنيد الإلزامي ، والتي تتمثل في النقاط التالية:
(*)غياب فاعلية العمل الإجباري، وهو ما تشير إليه الخبرات والتجارب السابقة، والتي تأتي بنتائج سلبية على كافة المستويات وفي مختلف الأنشطة. وهنا يمكن القول أن العمل الإلزامي يختلف عن التكليف بعمل معين، لأنه يتعارض مع الإرادة الحرة للمواطن الكويتي. فالتجنيد الإجباري، وفقا لوجهة النظر هذه، يعد إلزاما، ولا ينتج عنه فائدة كون القائم أو الملزم به يؤديه وهو كاره له، ولولا ارتباط تلك الخدمة الإلزامية بمصلحة تالية أو حالة ذاتية لما التحق بها.
 (*) التأثير على المسار الوظيفي للمواطن الكويتي، فهناك فترات طويلة يتم الاستغناء فيها عن الموظفين للاستعانة بهم في معسكرات التدريب، الأمر الذي يؤثر على أعمالهم وإنتاجيتهم في مقابل أعمال هامشية غير إنتاجية قد يؤديها، وهو ما برز في حالات عملية مختلفة تتعلق بمهام المدرسين والمهندسين والأطباء، بل قد تتحول فترة التجنيد لدى بعض المجندين إلى 'إجازة خاصة'، لاسيما إذا كانت مواقع المجندين لا تتوافر بها وظائف محددة يمكن القيام بها. وفي أحيان أخرى، قد لا تتناسب مؤهلات المجندين مع المهام والأعمال التي يتم إسنادها لهم من قبل المؤسسة العسكرية..

(*) عدم قدرة القطاعات العسكرية على استيعاب الأعداد الكبيرة من الشباب الذين ينطبق عليهم قانون التجنيد.
(*) التكلفة المالية الكبيرة للمكلف أو المجند إلزاميا وفقا لمدة التكليف.
 (*) الطعن في عدم دستورية القانون في حال اقتصاره على الرجال دون النساء، لأنه لم يساو في الخدمة بين الرجل والمرآة، الأمر الذي يسلط الضوء على مدى إمكانية مشاركة العنصر النسائي في التجنيد الإلزامي بعد دخولها السلك الأمني في وزارة الداخلية، وتدريبهن للمساندة في الخطوط الخلفية كالإسعافات الأولية والاتصالات الحديثة والأعمال الإدارية والتدرب على الإنقاذ، بحيث تصبح المرآة شريكة في الدفاع عن الوطن.
 إن الاتجاه لإشراك النساء في التجنيد الإلزامي يأتي بعد نجاح الكثير منهن في الأعمال التطوعية من خلال عملهن في مراكز الدفاع المدني بمختلف محافظات الكويت، لكن ثمة خلاف شرعي سوف يتم إثارته من جانب القوى الإسلامية المحافظة تحت قبة البرلمان أو في وسائل الإعلام بشأن تدريب الفتيات الكويتيات.


التطور التاريخي

بالنسبة للتطور التاريخي للتجنيد الإجباري على مستوى العالم، فقد طبقته الدول الأوروبية لأكثر من ألفي عام، حيث دعمت اليونان القديمة وروما الجيوش العاملة بالمجندين من الرجال في أوقات الحروب. وفي العصور الوسطى، وضعت كثير من المدن في انجلترا وفرنسا فرقا مدربة لحماية هذه المدن. وقد بدأ أول تدريب عسكري إلزامي، بشكل موسع، في سويسرا في القرن السادس عشر. وجند ملك السويد جوستافوس الرجال في القرن السابع عشر. كما بدأت فرنسا نظام التجنيد في القرن الثامن عشر، وتوسعت فيه مع اندلاع الحرب العالمية الأولى. وفي خمسينات القرن التاسع أدخلت روسيا مشروع التجنيد المحدود. ووفقا له، يتم اختيار نخبة قليلة من المجندين لتعلم مبادئ الخدمة العسكرية لمدة عام، وبعد ذلك تنقل إلى قوات الاحتياط.
وقد بدأت بريطانيا نظام التجنيد الإجباري في عام 1916. ومع قيام الحرب العالمية الثانية (1939-1945)، استخدمت كل الدول المتحاربة نظام التجنيد الإجباري بشكل موسع، وبصفة خاصة ألمانيا النازية. وفي عام 1957، كانت بريطانيا أول دولة أوروبية تتخلى عن هذا النظام، وسرعان ما قامت الدول الأعضاء في حلف شمال الأطلسي (الناتو) من أعداد ومدة خدمة التجنيد الإجباري. أما بالنسبة للتجنيد الإجباري في الولايات المتحدة فيعود بدء العمل به خلال الثورة الأمريكية وكان يتم سحب رجال الميلشيا (جند الطوارئ) بمعرفة كل ولاية على حدة من أجل محاربة البريطانيين، ثم أصبح النظام الانتقائي لإلحاق المواطن في الخدمة العسكرية أمرا غير شائع وتحديدا أثناء حرب فيتنام ثم في عقدي الستينات والسبعينات من القرن العشرين، حتى ألغي التجنيد الإجباري في عام 1973. وفي عام 1981، وضعت قائمة احتياطية يمكن الاستعانة بها، إذا ما قررت الحكومة أن تعيد نظام التجنيد الإجباري في أوقات الحرب. أما بالنسبة للدول العربية فقد استخدمت نظام التجنيد الإجباري، في مرحلة ما بعد العهد الاستعماري، لاسيما خلال المواجهات العسكرية مع إسرائيل، واستمرت في العمل به حتى الأخر، في حين أن دولا أخرى لم تعد تأخذ به.

الآن - تقرير مركز اتجاهات

تعليقات

اكتب تعليقك