هالاستقالة 'غير'

محليات وبرلمان

رسالة الحكم للحكم: خروج محمد الصباح احتجاجا على الفساد

13913 مشاهدات 0


رأينا

 لم تكن استقالة عادية تلك التي تقدم بها الدكتور الشيخ محمد صباح السالم الصباح-نائب رئيس الوزراء ووزير الخارجية- بالأمس من منصبه، صحيح أن شيوخا سبقوه باستقالتهم مثل الشيخ علي الجراح والشيخ جابر الخالد والشيخ أحمد الفهد ولكل أسبابه: الأول تحاشيا للتصويت بطرح الثقة بعد استجوابه، والثاني تحملا للمسئولية بعد موت المواطن الميموني تحت التعذيب، والثالث احتجاجا على تكتيكات نيران حكومية صديقة سبقت استجوابه.
 لكن استقالة الدكتور محمد الصباح 'غير'، فهي استقالة نائب لرئيس الوزراء وابن حاكم الكويت الأسبق –المرحوم صباح السالم-، وخالاه أمير الكويت الراحل جابر الأحمد-طيب الله ثراه-، وسمو الأمير الحالي الشيخ صباح الأحمد- أطال الله في عمره، وخريج هارفارد، وأستاذ الاقتصاد السابق، وسفير الكويت في أهم العواصم العالمية-واشنطن، ومن أفضل رجالات أسرة آل صباح الكرام تعليما ومن أنقاهم سيرة وسريرة، وبالتالي فاستقالته بعد مواقفه المعلنة حول الفساد وفضيحة 'القبيضة' تعتبر استقالة 'غير'.
 جاءت استقالة محمد الصباح بعدما لام الحكومة التي هو عضو بارز فيها على تراخيها في التعامل مع الفساد، وجاءت بعدما عجز عن تقديم إجابات برلمانية لأسئلة تقدم بها عضو مجلس الأمة السيد مسلم البراك حول تحويلات مالية فلكية الأرقام عبر وزارة الخارجية التي يرأسها الدكتور محمد الصباح، ويبدو أنه لم يتمكن من الحصول على إجابات عن تلك التحويلات، بل لعله اصطدم بحجمها وعدم معرفته بها وكيفية تحويلها وصرفها، وبالتالي فلم يجد الرجل أمامه سوى سبيل الاستقالة حفاظا على سيرته، ومحافظة على سمعته المالية والمهنية.
 لقد جاءت استقالة الدكتور محمد الصباح 'غير'، فهو صاحب نصيب كبير بين شخصيات الأسرة الحاكمة كمشروع حكم واعد قادم لا غبار عليه، وهو سليل مبارك الكبير، وهو المتعلم الذي حافظ على ذمته المالية نظيفة دون شوائب، وهو الذي- وإن لم يكن ذو شعبية عارمة بسبب طبيعة عمله الأكاديمي والدبلوماسي- إلا أنه شخصية محبوبة لا أعداء أو خصوم سياسيين له.
 تتزامن استقالة الدكتور محمد الصباح مع غرق البلاد في وحول فساد مالي وإداري وحكومي وبرلماني غير مسبوق في تاريخ الكويت، وهو فساد تتحمل مسئوليته الأولى الأكبر الحكومة التي كان الدكتور محمد عضوا بها، وتتزامن مع اختلالات وظيفية وفشل إداري فاضح للحكومة، وإضرابات واعتصامات وتجمعات شعبية متصاعدة ضد الحكومة والفساد في كافة أنحاء البلاد.
وبالتالي فإن الرجل آثر- بذكاء وحنكة- أن ينأى بنفسه عن هذه الممارسات، وضحى بمنصبه حفاظا على سمعته داخل الأسرة الحاكمة الكريمة وأمام الشعب الكويتي وأمام التاريخ.
 لعل الأهم من الاستقالة أن يصر الدكتور محمد عليها، فالتراجع عنها سوف يمحو رسالتها، ويعيد مكانة الدكتور محمد لمصاف الشبهات ببقائه بحكومة تتلقى الاتهامات المباشرة وغير المباشرة بغرقها بالفساد وبإغراق البلاد معها في دولاب الفساد والإفساد، وتظهره كشخصية 'ضعيفة' لا يدري بما يجري داخل وزارته، فكيف به رئيسا للوزراء يوما أو مشروع حكم في المستقبل؟ ولا جدال بأن استقالته رفعت أسهمه وشعبيته وفرص عودته أقوى مما كان، ولكن الأكيد أن خضوعه لضغوط العدول عنها، ستحرقه شعبيا وتعيده للكرسي بصورة الضعيف المهزوز الذي لا قوة له ولا حول.
 جاءت استقالة الدكتور محمد 'غير' لأنها ناقوس خطر للحكم من داخل مؤسسة الحكم نفسه، وأعلنت الاستقالة بما لا مجال للجدال حوله بأن الوضع جد خطير، وأن الأمر الآن بيد صاحب الأمر لإنقاذ ما يمكن إنقاذه قبل فوات الأوان.
فهل وصلت رسالة استقالة محمد الصباح؟ نتمنى ذلك وننتظر!

رأينا

 

رأينا

تعليقات

اكتب تعليقك