سامي خليفة يحذر من عودة غيوم الثمانينات السوداء ، ويرى أن صرخوه وجمال وعدنان هم ضحايا بذاءة القذف والاحتقان الفئوي والعرقي والطائفي من جديد !

زاوية الكتاب

كتب 791 مشاهدات 0


 

 

غيوم «الثمانينات» السوداء... ألا من متعظ!


أسوأ مرحلة مرّت على الكويت كانت حقبة الثمانينات التي تعج سنواتها بالكثير من الأزمات والكوارث الداخلية على الصعيد الإعلامي والأمني والسياسي وحتى الاقتصادي. ومازلنا نتذكر أزمة انهيار «سوق المناخ» وكيف سقط الكثيرون من الناس في وحل الإفلاس والملاحقة القضائية كسقوط الأوراق من أغصانها في فصل الخريف، وكيف ارتمت الكويت بعدها في أحضان نظام الديكتاتور صدام حسين آنذاك إسناداً سياسياً وأمنياً ومؤازرة إعلامية واقتصادية ليأخذنا القدر إلى المجهول، فتصب حكومتنا عليه المليارات من الدنانير دعماً لحربه المجنونة وتشجيعاً لأطماعه التوسعية وسط اعتراض ثلاثة أعضاء في البرلمان فقط هم الدكتور ناصر صرخوه والدكتور عبدالمحسن جمال وعدنان عبدالصمد!
ومازلنا نتذكر كيف جرّ هذا الارتماء الكويت إلى أن تكون ساحة لتصفية الحسابات التي كم كنّا في غنى عنها لولا سياسة الارتماء تلك، فانجر الشارع الكويتي وراء بعض صحافتنا التي استسلمت ورضخت إلى آلة الإعلام العراقي، ردحاً وتطبيلاً لتصبح جزءاً منه، ولم تكتفِ بذلك، بل وجهت سهامها نحو القلة المعارضة لدعم النظام العراقي في حربه ضد إيران لتتّهمهم بالطائفية، مستفيدة من جو الاصطفاف العاطفي الذي كان غالباً على العقل، للأسف الشديد، فكان من الطبيعي أن يبرز الموتورون من الأقلام «الطفيلية» ليصبوا الزيت على الاحتقان القائم، وليمارسوا تحقيراً للأقلية ونعتاً سيئاً للأصول والانتماء العرقي، بل وصلت الحال إلى درجة الاتهام بأن الفئة المعارضة لنظام صدام حسين هي «طابور خامس»، وماذا كانت النتيجة إلا ترويع الآمنين وتخويفهم ووضع البلاد على شفا انهيار اجتماعي شبه كامل!
ومازلنا نتذكر الاحتقان الأمني والعصا الغليظة التي استخدمتها الدولة ضد أبنائها لا لشيء سوى لموقفهم من رفض دعم نظام صدام الذي تدنست يداه بقتل مئات الآلاف من الشعبين الإيراني والعراقي، رافق ذلك حملة أمنية للإذلال والتنكيل بهم إلى درجة باتت البلاد كلها على كف عفريت، وبعد تحرك المعارضة الوطنية المتمثلة بنواب مجلس الأمة المنحل، وبقيادة رئيسها آنذاك أحمد السعدون، بدأت الحكومة تمارس السياسة المتخبطة نفسها ضدهم لتأتي بوليد غير شرعي، هو ما سمي بالـ «المجلس الوطني»، ووسط هذا الوضع المزري جاء صدام ليغزو الكويت غدراً وليطعن من سانده ودعمه وآزره من الخلف.
ومازلنا نتذكر كم كانت هذه الطعنة قاسية حين تأتي من نظام راهنت عليه الحكومة، ليكون درساً حقيقياً جعل كل الكويت تتمترس في خندق صرخوه وجمال وعبدالصمد الذين عارضوا النظام الدموي في العراق منذ اليوم الأول من عقد الثمانينات الأسود.
ومازلنا نتذكر كيف طوى الأمير الراحل الشيخ جابر الأحمد صفحة الثمانينات السوداء بمنطق «عفا الله عما سلف»، ليكسب القلوب ولينهي الاحتقان إلى غير رجعة، وليدير دفة السفينة من القدر المجهول إلى المستقبل المشرق الذي كم كان يتمناه أهل الكويت، فأعلن الراحل عن إلغاء المجلس الوطني، غير مأسوف عليه، وأعاد العمل بدستور البلاد ورفع التجميد عن قوانينه، بل أعاد الهيبة والكرامة والعزة للمواطن، وأسس لمنهج جديد فيه مشاركة مؤسسات المجتمع المدني في رسم القرار السياسي في البلاد إلى درجة بات الكويتي يفتخر بأنه يعيش في بلد حر ديموقراطي يحتكم فيه الناس إلى القانون.
وأمام تذكرنا لتلك الحقبة السوداء من تاريخ الكويت نقول يا سبحان الله، كيف يعيد اليوم التاريخ نفسه! فيخرج علينا من يدفع بغيوم الثمانينات السوداء من جديد، لتبدأ الحكاية من البداية، وليعود الإعلام مطبلاً لحليف جديد لا يقل عن النظام العراقي سوءاً، أي الإدارة الأميركية، وليعود الاصطفاف الطائفي والتشكيك بالولاءات وغيرها من بذاءة القذف والاحتقان الفئوي والعرقي والطائفي من جديد، ويا لصدف القدر أن يكون صرخوه وجمال وسيد عدنان هم ضحايا اللعبة القذرة من جديد! إنه بلاء الفتنة النائمة لعن الله من أيقظها.

د. سامي ناصر خليفة

الراى

تعليقات

اكتب تعليقك