'مجلس الأمة صار مثل سوق عكاظ!'.. المقاطع مستنكراً

زاوية الكتاب

كتب 577 مشاهدات 0


القبس

الديوانية  /  سليمان وسيرة النواب والوزراء

د. محمد عبد المحسن المقاطع

 

سليمان شخصية عادية من أبناء الكويت، يعمل في وظيفة مرموقة، ولديه شهادة جامعية، ويحتفظ بعلاقات محدودة بالناس، وليس له اهتمام واضح بالشأن العام، بل إن أداءه الوظيفي لا يتجاوز إنهاء العمل المطلوب منه بالكاد، وليس له طموح للترقي وظيفيا أكثر من الاستمرار في الوظيفة وأخذ المرتب آخر الشهر. استيقظ سليمان صبيحة يوم الأربعاء ليقرأ خبرا في الصحف أن ناصر ويعقوب زميليه في الدراسة، والأقل منه مستوى علميا ووظيفيا، قد أصبح أحدهما عضوا في مجلس الأمة والآخر وزيراً، وتمتم سليمان بعبارات متلاحقة منها « ناصر عضو مجلس أمة ويعقوب وزير معقولة».. « لابد أن أصير مثل أحدهما»، وهكذا بدأت رحلة الطموح السياسي لدى سليمان، فلنتابع أين انتهى به المطاف.

أعلن سليمان ترشيحه لانتخابات مجلس الأمة بمجرد فتح باب الترشيح، ودخل ديوانه الأول فوجد منافسا له يتكلم عن مهنته الطبية التي تخلى عنها - رغم تخصصه النادر!!- ليخدم بلده بالمجلس ومستطردا في الرد على أسئلة اقتصادية وأمنية وسياسية، ثم خرج فلحقه سليمان قائلا كيف أجبت عن كل تلك الأسئلة؟ فرد عليه: ومن قال ان ما قلته صحيح؟ وذهب سليمان الى ديوان آخر فالتقى منافسا ثانيا يعد مستمعيه بأنه سيوفر وظائف لأبنائهم وسيطلب زيادة المرتبات %100، وسيوفر السكن خلال 3 سنوات للجميع، ثم خرج فتبعه سليمان وسأله: كيف ستفي بوعودك؟ فرد عليه إن الوعود هي فن السياسة! فصمت سليمان، وذهب الى ديوانية ثالثة فيها مرشح آخر يقول لروادها: هذا مندوبي لكل أنواع معاملاتكم «وماكو» شي صعب. وقد اندهش سليمان بما سمعه وخرج دون أن يتفوه بكلمة. وإذا باتصال هاتفي يأتيه: أخ سليمان؟ أجاب: نعم معاك، سمعت أنك إنسان نزيه وغيور عالبلد ولي رغبة بالمساهمة ماليا في حملتك الانتخابية، سليمان: لكن أنت لا تعرفني وما الغاية من التبرع؟ المتصل: «بس نبي منك تكون مرنا وتعينّا في بعض المشاريع». فرد سليمان: أمما أفكر وراح أرد عليك، عاد سليمان بعد يوم من تجربة الترشيح وهو يفكر بالموضوع.

وفي يومه الثاني اتصل بسليمان أحد أصدقائه، وعرض عليه أخذه الى بعض الديوانيات، فذهبا سويا، وفي أول زيارة قال له صديقه هذه ديوانية شباب، واقترح أن تتبرع لهم لإقامة دورة رياضية، وفي هذه اللحظة سمع حديثاً هامسا بين شباب الديوانية بأنهم سيصوتون لدكتورهم المرشح لأنه وعدهم بدرجات عالية إذا عملوا بحملته الانتخابية. ثم خرج برفقة صديقه ودخلا ديوانية ثانية فرأى مرشحا كان قد التقاه يوم أمس، وإذا به يقول كلاما مخالفا تماما لما قاله في الديوانية السابقة، فصعق ولحق به متسائلا لماذا تفعل ذلك. وأنت عضو ووزير سابق؟ فقال له لازم تتعلم سياسة إذا رغبت في الوصول. عاد سليمان في نهاية يومه الثاني وظل مستيقظا حتى صلى الفجر، ثم كتب الرسالة الآتية: أدركت الآن لماذا صار مجلس الأمة مثل سوق عكاظ خطبه رنانة وتهديداته مجلجلة، ونسمع بفساد رموزه ولم يحاكم واحد منهم، ونسمع حوارا هابطا دفاعا عن لاعبين خلف الكواليس، ونرى إصرارا على تمرير مشروعات تدغدغ مشاعر الناس رغم ضررها البالغ على البلد، وأخيرا نرى اقتراحات ومساءلات مدفوعة، لأن هذا النائب ليس هو مالك المقعد البرلماني بل المالك هو من باع له هذا المقعد بثمن بخس، ان عضوية المجلس وكرسي الوزارة صارا لدى معظم النواب غاية لبلوغ مجد مزعوم او تحقيق ثروة محرمة، او لنفوذ ترهيبي او لصراع سياسي مأجور، فتعسا لهكذا انتخابات وهكذا عضوية، لأنني لا أقبل أن تكون سيرتي مثل هذا النائب أو ذاك الوزير، ولذا أعلن انسحابي، وهنيئا لناصر ويعقوب بمنصبيهما وبالوجاهة، لكن البلد بريء من أفعالهما.

القبس

تعليقات

اكتب تعليقك