'التسامح' بكلية التربية الاسلامية بجامعة زنيتسا بالبوسنة

شباب و جامعات

913 مشاهدات 0

الدريع يتوسط عميد الكلية ومفتي زنيتسا

قال رئيس قسم الدراسات والبحوث في الموسوعة الفقهية الكويتية بوزارة الأوقاف والشؤون الاسلامية د. سليمان الدريع أننا نلمح في الأفق طلائع هجومٍ منظم على الإسلام ، وكيدٍ متينٍ لأمته، فجاؤا يناوشون القلاع الشم وإن الإسلام لم يقم على اضطهاد مخالفيه ، أو مصادرة حقوقهم ، أو تحوليهم بالكره عن عقائدهم.

جاء حديث الدريع في ندوة بعنوان التسامح ألقاها في كلية التربية الاساسية بجامعة زنيتسا بالبوسنه والهرسك بدعوة من عميد الكلية د. زهدي عادلوفتش بحضور مفتي مدينة زنيتسا د. أيوب داوتوفيتش ومشاركة مئات من طلاب الجامعة .

وأضاف الدريع أن أشد الأمور خطرا والتي تهدد المجتمعات بالتمزق والتعادي بل قد تفضي إلى إشتعال الحروب بين المجتمعات بعضها وبعض  بين أبناء المجتمع الواحد، والوطن الواحد والتعصب هو انغلاق المرء على عقيدته أو فكره واعتبار الآخرين جميعاً خصومه وأعداءه وتوجس الشر منهم، وإضمار السوء لهم، وإشاعة جو من العنف والكراهية لهم، مما يفقد الناس العيش في أمان واطمئنان. لا شك أن مبدأ التسامح عظيم، لأننا كلنا أهل خطأ.

لذا شرع لنا ربنا التسامح لقول الله تعالى: {وَلا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ}نزلت هذه الآية عندما حلف أبو بكر رضي الله عنه ألا ينفق على مِسْطَح لأنه من الذين اشتركوا في إشاعة خبر الإفك عن عائشة رضي الله عنها، وقد كان الحلف عقوبة من الصديق لمسْطَح، فأرشد الله إلى العفو بقوله: {وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا} ثم ألمح الله في آخر الآية إلى أن من يعفو عمَّن يسيء إليه فإن الله يعفو عنه { أَلا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ} وقال الدريع إذا كان الإسلام قد قرر حق المظلوم في معاقبة الظالم على السيئة بمثلها وفق مقتضى العدل، فإن العفو والمغفرة من غير تشجيع على الظلم والتمادي فيه أكرم وأرحم.

قال الله تعالى: {وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ * وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ } فقوله تعالى: {وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ * وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا} يبرز حق المؤمنين في الانتصار لأنفسهم إذا أصابهم البغي، ويضع لجامًا لهذا الانتصار للنفس وهو الحد الذي لا يجوز تجاوزه ثم يعرض الله مرتبة الإحسان مشجعًا عليها فيقول: { فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ} ثم يتبع ذلك بإعلان حرمان الظالمين من محبة الله {إِنَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ}.

وقال الإمام البخاري رحمه الله: باب الانتصار من الظالم لقوله تعالى: { وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ} قال إبراهيم النخعي: كانوا يكرهون أن يستذلوا فإذا قدروا عفوا فها هو أثناء عودته من الطائف، وبعد أن أدموه وأغروا به سفهاءهم وغلمانهم، وبعد أن طردوه من قريتهم، وأساؤوا معاملته، يأتيه ملك الجبال يقول: مُر يا محمد. فيقول رسول الله: لعلّ الله يخرج من أصلابهم من يعبده وينصر هذا الدين.

وأضاف الدريع لقد كان ملك الجبال ينتظر منه إشارة ليطبق عليهم الأخشبين ويغرقهم في ظلمات الأرض فلا ينجو منهم أحد، ولكن الرحمة في قلبه وخُلُق التسامح الذي تربّى عليه دفعه إلى الاعتذار من ملك الجبال، وقال قولته الشهيرة التي تنمّ عن مسؤولية عظيمة وخُلُق فاضل ولم يكن الأمر أقل أهمية مع أهل مكة الذين ناصبوه العداء، وأخرجوه من أحب أرض الله إلى قلبه – مكة – وخاضوا حروباً ضده في بدر وأُحد والخندق، فقتلوا من المسلمين وقُتل منهم، وأسروا من المسلمين و أُسر منهم، وردّوه عام الحديبية وقد جاء إلى مكة حاجّاً معتمراً، وأساؤوا إلى أصحابه فعذبوهم وطردوهم وأخرجوهم، ومع كل ذلك فإنه يوم الفتح، وبعد أن منّ الله على المسلمين بنصر ميمون، وسقط الشرك والباطل في عاصمة الجزيرة العربية، يومها قال لجموع أهل مكة وقد احتشدوا واصطفوا للقائه، ينتظرون ماذا هو فاعل بهم.

قال: ماذا تظنون أني فاعل بكم؟ قالوا أخ كريم وابن أخ كريم. قال: اذهبوا فأنتم الطلقاء. فما أعظم هذا الخُلُق، وما أروع هذه الخصال. نماذج من تسامح أصحابه قال رجل لأبي بكر الصديق: والله لأسبنك سبًّا يدخل معك قبرك.

فقال أبو بكر: بل يدخل معك لا معي. وقال الدريع لا شك أن مبدأ التسامح عظيم لأننا كلنا أهل خطأ، ونحتاج كثيراً إلى من يصفح عنًا ويحلم علينا وكلنا نخطئ ، كلنا نذنب ، كلنا يحتاج إلى مغفرة ، وكم قسونا وكما تجاوزنا الحدود ، والذي يبقى في النهاية بكل تأكيد هو التسامح والحقيقة أن التسامح متى ما كان أقوالاً لا تدعمها السلوكيات، ومواعظ وكلمات لا تبرهن عليها الأفعال، كان التسامح ضرباً من ضروب التدجيل والزيف لترويج البضائع اللفظية، إنه من السهل أن ننمق الكلمات والعبارات ونرصف بها شوارع الأوراق، ونزيف بها رسومات فنية جميلة، لكنها في النهاية تبقى حبيسة الإطار، ومسجونة في حدود الألفاظ الزائفة، إن القانون الحقيقي لكلمة التسامح هي : الثمرة السلوكية العملية في الحياة، نعم .. من ثمارهم تعرفهم، هل تجني من الشوك عنباً،أم من العوسج تيناً.

وقال للأسف أن كثيرا من أبناء المسلمين إذا أراد أن يضرب أروع الأمثلة في التسامح يمم وجهه شطر الغرب وإذا أراد أن يضرب أسوء الأمثلة ألتفت إلى المسلمين، سبحان الله  هذا الدين العظيم الذي أكرمنا الله به وأعزنا فيه وهداناه إليه ونأخذ نموذجا من هؤلاء الذي يغتر بهم أبناء المسلمين ، فمنهم على سبيل المثال الفيلسوف فوليتر الذي عرف التسامح فقال : إنه نتيجة ملازمة لكينونتنا البشرية ، إننا جميعاً من نتاج الضعف ، كلنا هشّون وميالون للخطأ ، ولذا دعونا نسامح بعضنا البعض ونتسامح مع جنون بعضنا البعض بشكل متبادل.

يالها من كلمات جميلة عذبه لكن ثمارهم ستكشفن لنا صدقهم وحقيقتهم وأكد الدريع إن قضية التسامح ليست بالهينة ولذلك لا نستغرب إن استعصت على كبار الفلاسفة. فهي أمر عظيم ولمعرفة عظمته نريد أن نتعرف على مكانته في حياة وسلوك كما وضع ابن تيمية قاعدة للتسامح في حياته السلوكية والعملية ، هذه القاعدة هي مقولته المشهورة : ' أحللت كل مسلم عن إيذائه لي' ولأن ابن تيمية رجل يقول الخير ويفعله، ويؤسس التسامح ويمارسه، لذلك وجدنا حياته كلها صورة صادقة وتعبير دقيق لهذا القاعدة.

الآن- المحرر الطلابي

تعليقات

اكتب تعليقك