النخبة تخضع للغوغاء.. هكذا يعتقد د. عبد الرحمن العوضي
زاوية الكتابكتب يونيو 6, 2012, 12:36 ص 789 مشاهدات 0
الأنباء
من غير إحراج / خيبتنا فى نخبتنا
د. عبد الرحمن العوضي
سمعتها وأنا أشاهد الجلسة الأخيرة من محاكمة الرئيس السابق حسني مبارك، وكان ذلك ردا على سؤال، لماذا وصل الحال بمصر الى هذا الوضع؟ وكيف ان هذا النظام الفوضوي يحاكم رئيس نظام كان قد أوجد لمصر الاستقرار والأمن والازدهار الاقتصادي؟ وكان الرد منبثقا من ان النخبة التي تقود الأمور حاليا قد خضعت للغوغاء وحكم الشارع، وأصبح الطريق الى ميدان التحرير كالطريق الى الباستيل، ذلك السجن الذي فتحت أبوابه الثورة الفرنسية، واندفع المسجونون الى الشارع وبالتالي سيطرت الفوضى على جميع مرافق البلاد، وقد تقلد عدد من الأشخاص عتاة المسجونين سدة الحكم وبطشوا بالناس، وأعدموا الملك لويس السادس عشر وماري لويس انطوانيت وصنعوا قالبا من ثدييها كأكواب للشمبانيا يشربون منها احتفالا بنجاح ثورتهم. وبطبيعة الحال مثل هذا العمل لن يتكرر مع جماعتنا.
لقد أخذت حالة الفوضى هذه مدة طويلة وسال الدم في فرنسا مع ان الاضطرابات وعدم استقرار الحكم وتقلب الأوضاع استمر حتى الحرب العالمية الثانية وبعد الحرب ازداد الوضع سوءا، ولم يستطع احد ان يعيد الأمور الى نصابها إلا الجنرال شارل ديجول الذي جاء بدستور منع فيه ديكتاتورية البرلمان.
مر كل هذا في خاطري وأنا أرى النخبة التي وصلت الى مجلس الأمة هذه الأيام، وكيف انها خيبت آمال الناس لأنهم يستعملون الأغلبية النيابية للاستبداد وإصدار القوانين الارتجالية وتحدي الكون حتى وصل بهم الأمر الى إقصاء سلطات الحكم رغم مخالفة ذلك مخالفة صريحة لمواد الدستور وقانون توارث الإمارة فطالبوا بالحكم حتى يتحول النظام الى امير يملك ولا يحكم.
عجيب أمر هذه التحولات في الثورات بصورة عامة، وكيف ان الشعب المشتاق الى الحرية سيطرت عليه الفوضى، والسؤال هنا كيف يصبح الحال بنا إذا لم يكبح جماح هذه الفوضى دون وجود قيد او قانون أو دستور؟ هل ننتظر حتى ينهار البيت على رأس الجميع من هنا يجب ان نتحرك ولكن في هذه الظروف هل يجرؤ الحكماء والعقلاء على رفع أصواتهم منذرين بالخطر الداهم؟ أم أنهم سيختبئون خوفا من التعسف وخوفا على حياتهم؟ وقد وصل الأمر بنا الى ان نقبل اي كلمة تخالف مفاهيمنا وتعتبر خارجة على القانون، وقد لاحظنا ذلك بالفعل عندما سمعنا ان النائب الوعلان وهو في الخارج قد استمع الى أغنية وطنية يذكر فيها الشاعر والمغني كويت الماضي، ولكنه لم يرض لأنه لم يتطرق لأمجاد فئة معينة، وطلب لتقديم سؤال لوزير الإعلام حتى استجوابه بسبب السماح لمثل هذه الأغاني في حين انهم يتشدقون بتوفير الحرية للناس ولكن يقصدون حريتهم فقط.
هذه بادرة خطيرة، والظاهر ان هذا المسلك يتجه دائما نحو هذا الطريق وذلك حتى يفيق ضمير المجتمع ويقتنع بأن هناك «رأي والرأي الآخر» والحرية الشخصية التي تنتهي عندما تبدأ حرية الآخرين.
كل هذه بديهيات، ولكن في خضم الثورات على الأعراف والمفاهيم تغيب عن الأمة هذه الحقيقة، كما يغيب عن الأمة ان اتخاذ مفاهيم وأعراف جديدة يحتاج الى الكثير من الوقت حتى تقتنع الأمة بفكرها الجديد، الأمر يحتاج الى جيل او إلى أجيال مستقبلية.
فقليل من التهدئة، وقليل من المغالاة، مع احترام من سبقوكم من الأجيال، فالدنيا لم يخلقها الله في يوم واحد بل في 7 أيام، فالتأني دائما فيه السلامة.. والعجلة تجلب الندامة.
أيها النخبة عليكم ان تكونوا على مستوى المسؤولية وإلا، فالخراب والدمار على الجميع! وكان الله في عون هذه الأمة.
تعليقات