هولاند على خطى الجنرال ديجول بقلم فيليب ستيفنز من لندن

الاقتصاد الآن

717 مشاهدات 0


تجري في نهاية هذا الأسبوع جولتان من الانتخابات في أوروبا. وبالطبع يريد الجميع أن يعلم ماذا سيكون قرار اليونانيين، لكنني أرى أن السؤال الأبرز ربما يكون: ماذا تعتقد فرنسا؟ من المعروف أن اليونان تشكل تهديداً مباشراً، لكن الوحدة النقدية عبارة عن مشروع فرنسي ألماني. ومن أجل ضمان مستقبله، يتعين على أنجيلا ميركل وفرانسوا هولاند إعادة صياغة الاتفاق المبرم في ماستريخت بين هيلموت كول وفرانسوا ميتران.

 

ومن المتوقع أن تصدق الجولة الثانية من الانتخابات التشريعية الفرنسية على فوز هولاند في الانتخابات الرئاسية، الأمر الذي من شأنه منع وقوع زلزال سياسي. وبالطبع ستسمح الأغلبية المسيطرة على البرلمان للاشتراكيين بتولي زمام الأمور بشكل تام فيما يتعلق بالسياسات الوطنية للمرة الأولى منذ عام 1993.

 

ومع تولي السلطة تأتي المسؤولية. وقد أعطت الحملة الانتخابية هولاند ذريعة للمراوغة، وهو يواجه الآن مجموعة من القرارات ذات التأثير العميق، على غرار القرارات التي واجهها رئيس الجمهورية الخامسة. وبالطبع لا يمكن أن تتحمل فرنسا، شأنها شأن القوى الأوروبية الكبرى، أن ترى اليورو ينهار، لكن إنقاذه يمثل تحدياً كبيراً لصورتها الذاتية كقوة مساوية لألمانيا وللولاء الديجولي للاتحاد الأوروبي الذي يضم دولا ذات سيادة.

 

واللافت للنظر أن ألمانيا، رغم كل الازدراء الذي لقيته ميركل لامتناعها عن اتخاذ إجراء حاسم، ظلت تفكر بعناية أكثر من شركائها في الوضع النهائي للوحدة النقدية. ومن المفهوم تماما، أن المخاوف في مدريد وروما تتركز على مشاكل التمويل الآني، لكن الألمان يتبنون وجهة نظر طويلة المدى.

 

وفي هذا تتفق ميركل مع ماريو دراجي، الرئيس (الإيطالي) للبنك المركزي الأوروبي. فقد أكد دراجي أن اليورو لن يكون آمنا إلا إذا حدد الساسة وجهتهم، وعليهم كذلك تضمين المُسكنات قصيرة الأجل في خريطة طريق حتى تنجح. ومن هذا المنظور، الحديث عن سندات خاصة بمنطقة اليورو لن يجدي نفعاً إلا إذا تم وضعه في إطار مؤسسي بهدف تنظيم عملية صنع القرار في منطقة اليورو طبقاً للقواعد الجماعية. وبالمثل، إذا كان من المتوقع أن يقوم دافعو الضرائب الألمان- أو الفرنسيون أو الإيطاليون بخصوص هذه المسألة- بدعم البنوك الإسبانية، فيجب أن يكون لديهم بكل تأكيد رأي منظم في كيفية إدارتها.

 

وأنا لست على يقين ما إذا كان لدى ميركل خطة لتقديمها في قمة بروكسل التي تضم زعماء أوروبا، المقرر عقدها في نهاية هذا الشهر. ويبدو أنها غير راغبة في التوصل إلى خطط كبيرة، لكن إشارتها المتكررة أكثر من أي وقت مضى إلى إقامة وحدة سياسية بجانب العملة الموحدة، ترتكز على الأقل على مبدأ تنظيمي واضح.

 

ويقول الألمان في حواراتهم الخاصة إنه يمكن تجميع ديون منطقة اليورو في نهاية المطاف والمساهمة فيها طالما أن هناك مشاركة في عملية صنع القرار. ويمكن بالفعل أن تُكلف هيئة تمتد صلاحيتها في كل أنحاء منطقة اليورو، بالإشراف على البنوك المهمة للنظام بأكمله وتتولى مسؤوليتها، لكن يجب دعم الوحدة النقدية والمالية عن طريق مؤسسات مشتركة يُعهد إليها بالسهر على مسألة الإدارة الاقتصادية الرشيدة لمنطقة اليورو. ومن خلال ذلك 'لا' برلين المبدئية لمشاركة الديون تصبح 'نعم' مشروطة.

 

بعبارة أخرى، يمكن القول إن رد ألمانيا يتعلق بأوروبا بأسرها. وكان كول يريد تحقيق وحدة سياسية في مستهل هذا المشروع، وهو ما رفضه ميتران. ولم تقلل حماسة فرنسا لبناء أوروبا من تصميمها - الموازي - على أن الحكومات الوطنية هي المنوطة بالقرارات الكبرى. وجاءت لحظات كان يمكن فيها الاتفاق على تسوية والتوصل إلى حل وسط - مثلما حدث عندما ترأس جاك ديلور المفوضية الأوروبية - لكن شعار ديجولI’Europe des patries ظل مهيمناً على السياسة الفرنسية. وتطالب ميركل حالياً بإجراء بعض التغييرات على المعاهدة سبق أن تم رفضها عندما طالب بها كول.

 

ولم يُظهر هولاند حتى الآن استعداداً كبيراً للتفاوض. فالرئيس الجديد يرغب أن تستبدل منطقة اليورو شعار التقشف بسياسات تهدف إلى تحقيق النمو. وتؤيد فرنسا المطالبات بضخ مزيد من التمويل لبنك الاستثمار الأوروبي وصرف الأموال الهيكلية بصورة أسرع. وقال مسؤولون هذا الأسبوع إن هولاند يرغب في حزمة استقرار مالي من شأنها أن تجعل آلية الاستقرار الأوروبي تقدم دعما مباشرا للبنوك، وأن يتولى البنك المركزي الأوروبي الرقابة على القطاع المالي في منطقة اليورو.

 

وتعد هذه الاقتراحات تكراراً للمطالب التي قدمها رئيس الوزراء الإيطالي، ماريو مونتي، ونظيره الإسباني، ماريانو روجوي، والمتمثلة في ضرورة اتخاذ إجراءات قوية قصيرة المدى لتعزيز صدقية اليورو. وتتوقع روما ومدريد أن تقدم فرنسا الدعم لإنشاء صندوق استهلاك في منطقة اليورو من شأنه المشاركة في بعض الديون المتراكمة على الدول المعرضة للخطر في المنطقة.

 

لكن المعنى الضمني حتى الآن هو أن هولاند على استعداد أن يتخذ موقفاً متشدداً في المفاوضات مع ميركل، خلافا للرئيس الفرنسي السابق، نيكولا ساركوزي، الذي كان يؤيد ميركل، ويحرص على دخول القاعة معها في اجتماعات الاتحاد الأوروبي، بينما حضر هولاند أول قمة له في بروكسل بصحبة مونتي.

 

ولا يوجد حتى الآن من يمكنه المضي في هذا الطريق سوى الرئيس الفرنسي. فقد تحولت حقائق القوة في أوروبا ضد فرنسا. كان ميتران يمتلك ورقة مساومة كبرى تتمثل في تأييد إعادة توحيد ألمانيا، وكان هناك وقت تعني فيه زيادة' قوة أوروبا' زيادة' قوة فرنسا'. لكن كل ما حدث منذ إبرام معاهدة ماستريخت قد تلاشي نتيجة الادعاء بأن المحور الذي يضم باريس وبرلين يتكون من قوتين متكافئتين.

 

ولدى هولاند مشاكله على الصعيد الداخلي. فقد وعد بتحقيق النمو الاقتصادي، لكنه منهمك في كبح جماح العجز المالي الذي تعانيه فرنسا. ورغم أن المشاكل المتعلقة بالقدرة التنافسية لا ترتقي، في حدتها، إلى مستوى نظيرتها في كل من إسبانيا وإيطاليا، إلا أنها على درجة كافية من الخطورة.

 

ومما لا شك فيه أن الانفصال عن ألمانيا ووضع فرنسا على رأس نادي البحر المتوسط في أوروبا سيكون بمثابة إهدار للجهود التي بذلتها فرنسا لمدة نصف قرن على صعيد السياسة الأوروبية. وقد أخبرني زملائي في باريس أن هذا التحول سيكون بمثابة إهانة وطنية. ورغم ذلك، يكمن البديل في الخروج من ظلال ديجول والاشتراك في القفز نحو التكامل الذي تطالب به ميركل. وعلى نحو غير مريح، يبدو هذا مثل خيار موجع تكسب فيه ألمانيا التي هي الرأس وتخسر فرنسا الذنب.

الآن:الاقتصادية

تعليقات

اكتب تعليقك