تداعيات مريرة لزواج اليورو المتسرع بقلم مارتن وولف

الاقتصاد الآن

882 مشاهدات 0


''من تزوج على عجلة من أمره ندم وقت راحته''. أغرى شركاء ألمانيا، وهم على قدر كبير من الحماس المتهور، أقوى اقتصاد في القارة - ويقول بعضهم إنهم ابتزوه - للتضحية بالاستقلال النقدي منذ عقدين من الزمن، لكن كما قال الأمير في رواية ليوبارد، التي كتبها جيوسيبي دي لامبيدوسا عن وحدته الدائمة ''النيران واللهب لمدة عام، والرماد لمدة ثلاثين عاماً''. والآن هو وقت الرماد في منطقة اليورو.

 

ويجب أن يلعب رؤساء حكومات دول مجموعة العشرين الكبرى، الذين لا ينتمون إلى منطقة اليورو، دور مستشار الزواج لمحاولة التوفيق بين الشركاء الذين يتمتعون بشخصيات وقيم مختلفة تماماً، وذلك بهدف جعلهم يعيشون معاً في سعادة. لقد أدى الإقراض المهمل الذي حدث قبل عام 2007 إلى تفاقم الخطر. وأدى الإهمال الذي تفاقم نتيجة الفكرة القائلة إن الزواج يجعل الجميع على قدم المساواة، إلى ازدياد الأزمة سوءاً. فهؤلاء الذين وفر لهم الاقتراض مستوى معيشيا يفوق ما يمكنهم تحمله، مجبرون الآن على قبول الانزلاق في الفقر، وليس من المستغرب أنهم يرفضون التغيير.

 

وقد اختار اليونانيون، الأتعس من بين جميع الدول الأخرى، على ما يبدو حكومة تتألف من أحزاب أقل فتوراً بصورة طفيفة حيال البرنامج المتفق عليه من الحكومات الأخرى. فقد كان أنطونيو ساماراس معارضاً انتهازياً لسياسة التقشف في صفوف المعارضة، رغم أن الحزب الذي ينتمي إليه، حزب الديمقراطية الجديدة، يتحمل كامل المسؤولية عن سوء الإدارة في مرحلة ما قبل الأزمة. ولا يزال هناك كثير من المشاكل تنتظر في المستقبل: فقد حصل بالفعل أليكسيس تسيبراس من حزب سيريزا اليساري المتطرف على 27 في المائة من الأصوات، ولن يسعده سوى استغلال الغضب الشعبي المتزايد.

 

وتأمل إسبانيا في التوصل إلى خطة إنقاذ لبنوكها بقيمة 100 مليار يورو، لكن هذه الخطة للأسف تصب في صالح دائني البنوك على حساب الجدارة الائتمانية للحكومة. وبأسعار الفائدة الحالية، لا يعد احتياج إسبانيا إلى إنقاذ مالي سوى مسألة وقت فقط، الأمر الذي من شأنه أن يستنفد الموارد المتاحة في منطقة اليورو، كما أنه يهدد بتحويل دولة كبيرة إلى التبعية والاعتماد على الغير، فضلاً عن النتائج المخيفة بشأن الاستقرار.

 

ومن المعروف أن العجز المالي في إيطاليا يقل كثيراً عن نظيره في إسبانيا، لكن مشكلة إيطاليا المتغيرة تعد أكبر. وأوضح تقرير الراصد المالي الذي أعده صندوق النقد الدولي، أن إيطاليا بحاجة إلى تمويل جديد تصل قيمته إلى 28.7 في المائة من إجمالي الناتج المحلي لهذا العام، وهو ما يتجاوز التمويل الذي تحتاجه إسبانيا، والذي يقدر بـ20.9 في المائة. وعلاوة على ذلك، يمكن القول إن ما يحدث في أعقاب تولي حكومة ماريو مونتي، والمقرر أن ترحل العام المقبل، يعد لغزاً.

 

ولهذا يجب أن نوضح الاختلاف في وجهات النظر بين فرنسا وألمانيا فيما يتعلق بالسياسة الاقتصادية. وما لا شك فيه أن فوز حزب فرانسوا هولاند في الانتخابات البرلمانية سيضيف إلى حدة التوتر، وقد يصبح النقاش المقبل حول ما تعنيه استراتيجية النمو ساخناً للغاية.

 

إذن، لماذا يتصور الجميع أن هذا الزواج الصعب قد يستمر؟ تكمن إحدى الإجابات عن هذا السؤال في أن معظم المواطنين في منطقة اليورو يتمنون ذلك، لكن الإجابة الأقوى هي أنهم ينتابهم الفزع من تداعيات تفكيك المنطقة، وهم محقون في ذلك. وبمرور الوقت تصبح الأمور المالية شأنا وطنيا بصورة أكبر، لكن تبقى الاقتصادات متكاملة للغاية. وليس أخيرا، يتمركز الاتحاد الأوروبي اليوم حول اليورو. ولا يمكننا افتراض أن التكامل سيحول دون عملية التفكيك، وهو سيمثل بالطبع انتهاكاً للالتزامات المنصوص عليها في المعاهدة.

 

وربما كانت فكرة الزواج غبية، لكن الطلاق سيكون مثيراً للفزع. ومن هذا المنطلق يجب علينا تقييم وجهة نظر الشريك المهيمن، وهو ألمانيا. ووفقاً لما جاء في ترجمة تلقيتها من السفارة الألمانية، قالت المستشارة أنجيلا ميركل الأسبوع الماضي أمام البرلمان الألماني (بوندستاج) إنها تتمنى أن تقول ''لكل العازمين على إقناع ألمانيا إننا بحاجة إلى سندات اليورو وصناديق الاستقرار وبرنامج أوروبي لضمان الودائع والمزيد من المليارات وغير ذلك بكثير: نعم، ألمانيا قوية''. وعلاوة على ذلك ''نحن على قناعة تامة بأن أوروبا هي مصيرنا ومستقبلنا، لكننا ندرك أيضاً أن قوة ألمانيا ليست بلا حدود. وبغض النظر عن الحقيقة القائلة إن هذه المقترحات التي تبدو بسيطة، غير عملية من الناحية الدستورية، فإنها تؤدي إلى نتائج عكسية تماماً، فهذه المقترحات ستجعل المقياس في أوروبا هو الجودة والقدرة المتوسطة وبذلك سنضطر إلى التخلي عن هدفنا المتمثل في الحفاظ على الازدهار في مواجهة المنافسة الدولية''.

 

وأضافت: ''تعد الاتفاقية المالية خطوة أولى على طريق الجمع بين قدر أكبر من الوحدة ومزيد من السيطرة على الصعيد الأوروبي، وسيكون من المهم عدم التخلي عن القوى الوطنية إلا عندما يتضح أن ذلك ينطوي على إشراف مستقل على المؤسسات الأوروبية''. وخلاصة القول، طرحت ميركل ثلاث نقاط جوهرية: الأولى، أن ألمانيا ليست على وشك ضخ مزيد من الأموال. والثانية، يتعين على جميع الدول في منطقة اليورو أن تصبح مثل ألمانيا. والأخيرة، أن ألمانيا قد تقبل خسائر إضافية بشأن سيادتها الوطنية، ولكن هذا لن يحدث إلا في حالة وجود قواعد قوية وضوابط ذات صدقية على الصعيد الأوروبي.

 

وبالطبع، تثير هذه المواقف تساؤلات كبرى: هل هناك وقت لفرض هذه القواعد والإجراءات الجديدة في ظل الاضطرابات الداخلية الكبرى والتباين الشديد في القدرة على المنافسة والضغوط المالية الحادة؟ وعلاوة على ذلك، هل تتمتع ألمانيا بالمرونة بشأن المواقف التي ترجع بشكل جزئي إلى الحذر، وبشكل جزئي أيضاً إلى الناحيتين الدستورية والأخلاقية؟ أعتقد أن الإجابة عن السؤالين هي: لا.

 

لكن أياً كانت الإجابة، فمن الواضح أن النهج الذي تتبعه ألمانيا يضمن حالة من التقشف القوي والمستمر في الدول الضعيفة وتحقيق نمو متوسط في منطقة اليورو في جميع الاحتمالات، الأمر الذي يضمن بدوره تكرار الأزمات الاقتصادية والسياسية حتى إذا لم تتفكك منطقة اليورو. وإذا تساءل مستشارو الزواج: لماذا يجب تحمل كل ذلك، فإن الإجابة واضحة: تعتزم ألمانيا هذه المرة ضمان السلوك الذي تريده من حلفائها.

 

وهكذا يمكنني أن أتصور خمس نتائج: أولاً، زواج سعيد، بشروط ألمانية، وإن جاء ذلك بعد فترة مؤلمة من التسوية. ثانياً، زواج تعيس، وهذا الزواج سيستمر لأن التفكيك مكلف للغاية. ثالثاً، درجة من التفاهم المتبادل يصطبغ خلالها الشمال بصورة أكبر بصبغة الجنوب والعكس. رابعاً، تفكك جزئي مع تحول الأعضاء الباقين إلى واحد من الخيارات الثلاثة السابقة. أما التصور الأخير فيتمثل في التفكيك الكلي. ومن المؤكد أن ألمانيا لن تعطي منطقة اليورو ما تريده بسهولة أو بسرعة. وإذا تمكنت هذه الدول من تجنب التفكيك، فإن فترة الصعوبات ستكون طويلة ومؤلمة. ومن المرجح أن تصبح أزمة منطقة اليورو دراما تستمر لفترة طويلة - إن لم تنته بمأساة.

 

 

الآن:الاقتصادية

تعليقات

اكتب تعليقك