العنزي والعازمي بدراسة خصا بها ((الآن))

أمن وقضايا

قراءة نقدية لحكم المحكمة الدستورية في الطعن رقم (6) و (30) لسنة 2012 والإشكالات القانونية التي يثيرها

7857 مشاهدات 0

عبدالكريم العنزي وأحمد العازمي

في دراسة لد. عبدالكريم العنزي وا. احمد العازمي خصا بها فيما يتعلق في حكم المحكمة الدستورية بإبطال انتخابات مجلس الأمة 2012، في ما يلي نصها:

مقدمة :

لقد أثار صدور حكم عن المحكمة الدستورية الكويتية نقاشاً واسعاً ومعمقاً حول الأساس القانوني الذي استندت إليه المحكمة فيما انتهت إليه من قضاء بإبطال انتخابات مجلس الأمة برمتها في الدوائر الخمس التي أجريت بتاريخ 2/2/2012، وبعدم صحة من أعلن فوزهم فيها لبطلان حل مجلس الأمة وبطلان دعوة الناخبين لانتخاب أعضاء مجلس الأمة التي تمت على أساسها هذه الانتخابات، مع ما يترتب على ذلك من آثار أخصها أن يستعيد المجلس المنحل (مجلس 2009) بقوة الدستور سلطاته الدستورية كأن الحل لم يكن، كما أثار هذا القضاء صدىً واسعاً حول ما تضمنه من أسباب وتقريرات واقعية .

ونحن من جانبنا نود أن نسهم في تبيان الرأي القانوني الذي نراه في هذا الحكم الأكثر شهرة في تاريخ القضاء الكويتي على الإطلاق وما تضمنه وانتهى إليه من نتيجة في منطوقه، وذلك من خلال إنزال حكم الدستور وقواعد القانون وما قررته الأحكام القضائية من مبادئ دستورية وما هو مقرر من المبادئ العامة للقانون على هذا الحكم، بغية إثراء النقاش برد المسائل القانونية التي تناولها الحكم إلى أصولها، إلا أننا مع ذلك لا نزعم بأننا قد حزنا قصب السبق في التعليق على هذا الحكم فقد سبقنا إلى ذلك الكثير من القانونيين ممن نقدر آراءهم ونثمن مساهماتهم في هذا الصدد، كما أننا لا نجزم بأن ما تضمنته هذه الدراسة هو عين الحقيقة وأن ما عداه من آراء قد جانبها الصواب، ولكننا نؤكد بأننا لم نأل جهداً في الإدلاء بدلونا في هذا الموضوع بما يمليه علينا ضميرنا ابتغاء الوصول إلى تطبيق صحيح لنصوص القانون إعمالاً لمبدأ المشروعية وإعلاءً لمبدأ سيادة القانون .

ولكل ما سبق وجدنا أن الحكم سالف الذكر جدير بالوقوف عنده وتناوله بالدراسة وبالبحث والتمحيص والتأصيل، فكانت هذه الدراسة، والتي نرى أن من المناسب أن نقسمها إلى عدة بنود تضمنت مسائل سبعة، نتناول في الأول منها مدى توافر شرط المصلحة في جانب الطاعنة على انتخابات 2012 في الدائرة الثالثة، ونعقب ذلك بتناول مدى اختصاص المحكمة الدستورية كمحكمة موضوع بالفصل في مدى دستورية مرسوم حل مجلس 2009 ومرسوم دعوة الناخبين لانتخاب أعضاء مجلس الأمة 2012 ، ثم نعرض لردود المحكمة الدستورية على دفاع إدارة الفتوى والتشريع والتعقيب على تلك الردود، ويلي ذلك تقويم مدى سلامة استناد المحكمة في قضائها على نص المادة (107) من الدستور حال كون واقعة النزاع تتعلق بحل لمجلس الأمة جاء نتيجة خلاف بين هذا المجلس والحكومة، كما نتعرض لأثر خروج المحكمة الدستورية في قضائها محل التعليق عن نطاق ولايتها القضائية المحددة لها في الدستور والقوانين ذات الصلة، الأمر الذي يحتم علينا اقتراح الوسيلة التي نراها ناجعة في حل الإشكاليات التي ترتبت على صدور هذا الحكم، لنختم هذه الدراسة بالتساؤل عن مدى إمكانية تعويض الضرر الذي حاق بمرشحي مجلس الأمة 2012 نتيجة صدور هذا الحكم سواء من فاز منهم في العضوية أو من لم يفز .   

أولاً : انتفاء مصلحة الطاعنة بحسب طلباتها – كما كيفتها المحكمة - ببطلان الانتخابات في الدائرة الثالثة :

بمطالعة الحكم محل التعليق يتضح بأن المحكمة الدستورية قررت توافر الشروط الشكلية في دعوى الطاعنة بما فيها شرط المصلحة فقررت قبولها شكلاً، على حين أن صحيح فهم القانون ووقائع النزاع وطلبات الطاعنة كل ذلك يؤدي إلى نتيجة حتمية مفادها انتفاء مصلحة الطاعنة بوصفها مرشحة لمجلس الأمة في طلب بطلان الانتخاب في دائرتها، ذلك أنه وبحسب ما انتهى إليه الحكم من بطلان الإجراءات السابقة على الانتخاب وهو ما استخلصته المحكمة في منطوق حكمها من أن يستعيد المجلس المنحل (مجلس 2009) سلطاته الدستورية كأن الحل لم يكن بقوة الدستور، وهو ما يعني أن إجابة الطاعنة إلى طلبها لا يعود عليها بثمة نفع أو مصلحة لكونها لم تكن عضواً في مجلس 2009 .

وحيث أنه من المقرر بنص المادة الثانية من قانون المرافعات المدنية والتجارية وما استقرت عليه أحكام القضاء ومنها أحكام القضاء الدستوري الكويتي (راجع الطعن رقم (1) لسنة 2002 لجنة فحص الطعون الصادر بتاريخ 17 مارس 2002) وكذلك القضاء الدستوري المقارن أنه يجب لقبول الطلب القضائي عموماً ضرورة توافر شرط المصلحة أياً كانت طبيعة ذلك الطلب، وهو من بعد شرط متطلب ابتداءً وبقاءً، الأمر الذي كان يتعين معه على المحكمة أن تقضي بعدم قبول طلبات الطاعنة لانتفاء المصلحة .

كما أنه وعلى فرض جدلي بأن الطاعنة قد أقامت دعواها بصفتها ناخبة في الدائرة الثالثة فإن ذلك لا يسعف المحكمة في ما انتهت إليه من قضاء بإبطال العملية الانتخابية برمتها في جميع الدوائر، إذ كان الأمر يقتضي التزام المحكمة بطلبات الطاعنة بهذا الوصف والقضاء بإبطال الانتخاب في الدائرة الثالثة فقط .
وبإزاء ما تقدم فإن لانتفاء مصلحة الطاعنة في طلباتها وجه آخر فيما لو كيفت طلباتها على أنها دفع بعدم دستورية مرسوم حل مجلس 2009 ومرسوم دعوة الناخبين لانتخابات 2012 – وهي حقيقة طلباتها كما نرى بل إن الطاعنة قد صرحت بذلك في صحيفة دعواها – ذلك أن الطاعنة لن يعود عليها أي نفع أو فائدة من وراء هذه الطلبات، إذ أن القضاء لها بطلباتها على نحو ما سلف يعني إبطال انتخابات 2012 واسترداد مجلس 2009 لسلطاته الدستورية إعمالاً لمبدأ اتصال الحياة النيابية، وهي – أي الطاعنة – لم تكن عضواً في هذا المجلس كما سبق القول، وهو ما يعني في المحصلة النهائية عدم استفادتها من دعواها بوصفها مرشحة لانتخابات 2012.

ويختلف الأمر فيما لو كانت الطاعنة قد أقامت طعنها بصفتها ناخبة في الدائرة الثالثة أو زاوجت بين هذه الصفة وصفتها كناخبة في ذات الدائرة، إذ كانت المصلحة ستستقيم لها على سند متين من الواقع ومن القانون، وهو ما كان سيترتب عليه تغير الرأي في هذا الوجه من الانتقادات الموجهة للحكم موضوع التعليق .

ثانياً : عدم اختصاص المحكمة الدستورية منعقدة كمحكمة موضوع بنظر طلبات عدم دستورية مرسوم حل مجلس الأمة 2009 ومرسوم دعوة الناخبين لانتخابات 2012:

طبقاً لما قررته المحكمة في حيثيات حكمها محل التعليق فإنها ما فتئت تؤكد أنها تمارس وظيفتها القضائية منعقدة كمحكمة موضوع استناداً إلى اختصاصها في نظر الطعون الانتخابية والفصل فيها المسند لها بالمادة الأولى من القانون رقم 14 لسنة 1973 بإنشاء المحكمة الدستورية، على حين أن الأساس القانوني الذي استندت إليه الطاعنة في طلباتها هو مخالفة مرسوم حل مجلس الأمة 2009 ومرسوم دعوة الناخبين لانتخابات 2012 لنصوص الدستور وفقاً لما استخلصته المحكمة ذاتها في أسباب حكمها، ولما كانت العبرة في فهم طلبات الخصوم وتكييفها بما يهدف إليه الخصم ويرمي إليه من وراء طلباته لا بما يسبغه هو عليها من أوصاف، فإن حقيقة طلبات الطاعنة وما ترمي إليه من دعواها هي الحكم بعدم دستورية مرسوم حل مجلس الأمة 2009 وما يترتب على من آثار أخصها انعدام المرسوم بدعوة الناخبين لانتخابات 2012 لوروده على غير محل، ومن ثم فقد كان يتعين على المحكمة أن تقضي بعدم اختصاصها بنظر الطعن بعدم دستورية مرسومي حل مجلس 2009 ودعوة الناخبين لانتخاب أعضاء مجلس 2012 لكونها منعقدة كمحكمة موضوع ومحاكم الموضوع لا تختص بنظر المنازعات الدستورية.

ثالثاً : التعقيب على ردود المحكمة على دفاع الفتوى والتشريع في الدعوى :

ساقت المحكمة تأييداً لما انتهت إليه من قضاء ورداً على دفاع الفتوى والتشريع جملة من المبررات والأسباب نرى أن نتناولها بالتفصيل إيراداً وتحقيقاً ومن ثم الرد عليها على النحو التالي:

1-  أن ما أسمته المحكمة بـ ' الإجراءات التي سبقت حل مجلس الأمة 2009 ومهدت لانتخابات 2012 ' هي بدعة قانونية أقرب ما تكون إلى الحيلة القانونية التي هدفت من ورائها المحكمة إلى بسط رقابتها على مرسوم حل مجلس 2009 ومرسوم دعوة الناخبين لانتخابات 2012، ذلك أن اقتصار المحكمة على رقابة هذه الإجراءات أياً كان وجه الرأي في مدى اتفاقها أو مخالفتها للدستور بل وعلى فرض وصولها إلى نتيجة مؤداها أن هذه الإجراءات مشوبة بعيب مخالفة الدستور، فإن هذا التقرير ما كان ليسعفها في ما انتهت إليه من قضاء، إذ أن حقيقة الأمر أن صدور هذه الإجراءات ليس مقصوداً لذاته وإنما هي مرتبطة ارتباطاً وثيق الصلة بما أعقبها من أعمال تمثلت في صدور مرسومي الحل ودعوة الناخبين لانتخابات 2012، بما مؤداه أن وقوف المحكمة في فصلها في الدعوى عند هذه الإجراءات واعتبارها مناط النزاع ومداره لا يكفي للوصول إلى إبطال انتخابات 2012 وعودة مجلس 2009 المنحل.

بل إن هذه الإجراءات في حقيقة الواقع اندمجت كأعمال إجرائية في مرسوم حل مجلس الأمة وما تبعه من صدور مرسوم بدعوة الناخبين لانتخابات 2012، ومن ثم فلا يتصور أن تتمكن المحكمة من بسط رقابتها على تلك الإجراءات دون أن تمتد هذه الرقابة إلى مرسومي الحل ودعوة الناخبين بالفحص لبيان مدى اتفاقها أو مخالفتها للدستور .

2-  أن الحكم محل التعليق تضمن تناقضاً بيناً بين أسبابه ومنطوقه، فالمحكمة قررت في أسباب الحكم بأنها تراقب الإجراءات الممهدة لعملية الانتخاب وانتهت من فحصها إلى مخالفتها للإجراءات التي رسمها الدستور، على حين أنها وصلت في منطوق حكمها إلى نتيجة مؤداها إبطال العملية الانتخابية برمتها، وحيث أنه من المسلم به أن الانتخابات البرلمانية عملية قانونية مركبة تتضمن مجموعة من الإجراءات الدستورية تبدأ من إجراءات القيد في الجداول الانتخابية وتنتهي بإعلان النتائج وفوز المرشحين العشرة الأول الحائزين على أصوات صحيحة في كل دائرة من الدوائر الانتخابية الخمس، فبطلان الإجراءات الممهدة للانتخابات –  بحسب استخلاص المحكمة - ترتب عليه إبطال عملية الانتخاب برمتها، ولكن المحكمة فاتها أن هذا البطلان – بفرض وقوعه – لابد أن يتسرب إلى مرسوم حل مجلس 2009 ومرسوم دعوة الناخبين لانتخابات 2012 وهما إجراءان جوهريان يتوسطان الإجراءات الممهدة للانتخابات وهي إجراءات سابقة عليهما وإجراء الانتخابات ومن ثم إعلان النتائج لانتخابات  2012 وهو إجراء لاحق لهما، ويتصلان بهذه الإجراءات اتصالاً وثيقاً لا انفصام له بحال من الأحوال، وتبعاً لذلك فإن هذا التحليل يفرض على المحكمة لإمكانية الوصول إلى إبطال العملية الانتخابية برمتها أن تتعرض حتماً لمرسوم حل مجلس 2009 ومن ثم مرسوم دعوة الناخبين لانتخابات 2012 الأمر الذي تنحسر عنه سلطة المحكمة الدستورية في الرقابة الدستورية باعتبارهما من أعمال السيادة بنص المادة الثانية من قانون تنظيم القضاء، وهو ما دفعها في اعتقادنا إلى عدم التصريح بأنها تراقب المرسومين آنفي الذكر فضلاً عن القضاء بعدم دستوريتهما .

3-  أما التبرير الثاني فتقرر فيه المحكمة أن الطعون المتعلقة بانتخاب مجلس الأمة أو بصحة عضويتهم لها طبيعتها الخاصة، على حين أن التبرير الثالث تستند فيه المحكمة إلى أن اختصاصها بالفصل في هذه الطعون هو اختصاص شامل بما يمنحها سلطة بسط رقابتها على عملية الانتخاب برمتها للتأكد من صحتها أو فسادها، ومما يلاحظ على هذين التبريرين أنهما ليسا محل خلاف ولا ينازع فيهما أحد، ومن ثم فإن استدلال المحكمة بهما استشهاد في غير موضعه، إذ أن مدار النزاع في الحكم لا يتعلق بهما، كما أن إيرادهما في أسباب الحكم غير ذي جدوى وتزيد يستقيم الحكم بدونه .

4-  أما التبرير الرابع الذي ساقته المحكمة رداً على دفاع الفتوى والتشريع والذي جاء نصه كالتالي : ' ليس من المقبول أن يسمح النظام الدستوري بالرقابة القضائية على دستورية القوانين والمراسيم بقوانين واللوائح توصلاً إلى الحكم بعدم دستورية التشريعات المخالفة للدستور سواء صدرت هذه التشريعات من السلطة التشريعية أو من السلطة التنفيذية وأن يعهد بهذا الاختصاص إلى المحكمة الدستورية وهي جهة قضائية نص عليها الدستور في صلبه كافلاً بها للشرعية الدستورية أسسها مقيماً منها مرجعاً نهائياً لتفسير أحكام الدستور ورقيبة على الالتزام بقواعده إعلاءً لنصوص الدستور وحفظاً لكيانه، في حين تستعصى بعض الإجراءات الممهدة لعملية الانتخاب والصادر بشأنها قرارات من السلطة التنفيذية على الفحص والتدقيق من قبل هذه المحكمة لدى مباشرة اختصاصها بنظر الطعون الانتخابية للاستيثاق من اتفاق أو تعارض هذه الإجراءات مع الدستور، وإلا جاز التذرع بوجود مناطق من الدستور لا يجوز لهذه المحكمة أن تمد بصرها إليها، فتغدو هذه القرارات وهي أدنى مرتبة من القانون أكثر قوةً وامتيازاً من القانون نفسه' .

فبمطالعة التبرير السابق وأساسه الذي انبنى عليه يتضح بأن المحكمة الدستورية تأسس اختصاصها أو تبرر توافر هذا الاختصاص استناداً إلى قاعدة القياس من باب أولى، بالقول أنها – أي المحكمة الدستورية – ينعقد الاختصاص لها بالرقابة الدستورية على التشريعات المخالفة للدستور ومنها القوانين أيا كانت السلطة التي أصدرتها، فإنها – أي المحكمة الدستورية – وهي تملك الأكثر فإن الاختصاص بالرقابة الدستورية ينعقد لها لما هو أدني مرتبة من القوانين وهي الإجراءات الممهدة والسابقة على إجراء الانتخابات، وقد فات المحكمة أمرين هامين هما :

الأول : أن المحكمة في التبرير السابق تقرر سلطتها في الرقابة الدستورية على دستورية القوانين واللوائح – وهو ما لا ننازعها فيه – إلا أنها على الرغم من ذلك قد مهدت لقضائها بأنها تفصل في نزاع يتعلق بطعن انتخابي كمحكمة موضوع، وهو ما ينفي عنها صفة المحكمة الدستورية عند فصلها في هذا النزاع، ومن ثم فإن استنادها إلى سلطتها كمحكمة دستورية في الاختصاص بالفصل في النزاع واتخاذ هذه الحجة كتبرير رداً على دفاع الفتوى والتشريع هو استشهاد في غير موضعه .

الثاني : أنه من المسلم قانوناً بأن مسألة اختصاص المحاكم على اختلاف أنواعها تتحدد بنصوص قانونية صريحة في مضامينها، لا تملك المحكمة الخروج عليها بالتنازل عن اختصاص منحها إياه القانون أو التغول على اختصاص يخرج عما أسنده المشرع لها، وبالرجوع إلى التبرير السابق الذي اتخذته المحكمة ذريعة للتدليل على اختصاصها بنظر الإجراءات الممهدة للانتخابات يتبين بجلاء أن المحكمة استعانت بقاعدة القياس من باب أولى للوصول إلى تلك النتيجة، وهو ما لا يسعفها في هذا المقام، إذ كما أسلفنا فإن ثبوت الاختصاص للمحاكم لا يكون إلا بنص قانوني واضح وصريح يقضي باختصاصها، وهو ما لم تقدم المحكمة دليلاً عليه.

رابعاً : عدم صحة استناد المحكمة إلى نص المادة (107) من الدستور :

شيد الحكم محل التعليق قضاءه على سند من نص المادة (107) من الدستور وهو نص ينظم حالة الحل الرئاسي، والذي يختلف عن الحل البرلماني الذي يأتي نتيجة خلاف بين الحكومة ومجلس الأمة فيحتكم الطرفان إلى سمو الأمير ليقرر إما حل المجلس أو إقالة الحكومة، بينما الوضع يختلف تماماً في الحل الرئاسي والذي لم يتطلب المشرع الدستوري لممارسته أية إجراءات سابقة عليه – كما يبين من عبارات النص ذاته - ، وعلى الأخص لم يشترط الدستور لممارسته أن يأتي على إثر خلاف بين الحكومة ومجلس الأمة، فالحل الرئاسي سلطة خالصة لرئيس الدولة يمارسها دونما قيود، فيما عدا القيد الوحيد المقرر في ذات نص المادة (107) وهو عدم جواز حل المجلس لذات السبب مرتين، وهو الأمر الذي من مؤداه انهيار الأسباب القانونية التي شيدت عليها المحكمة قضاءها وبما ينهار معه ركن مهم من أركان الحكم القضائي التي لا يقوم بدونها وهو الأسباب القانونية، ويضحى الحكم مفتقراً إلى أسبابه مما يصمه بالبطلان .

خامساً : انعدام الحكم محل التعليق لتناوله موضوعات تخرج عن الولاية العامة للقضاء:

كما أسلفنا فإن الحكم موضوع التعليق بسط رقابته الدستورية على مرسوم حل مجلس الأمة 2009 ومرسوم دعوة الناخبين لانتخاب أعضاء مجلس الأمة 2012 وهي بلا شك تعد من أعمال السيادة التي يحظر على القضاء عموماً التعرض لها إذ تقرر المادة الثانية من قانون تنظيم القضاء رقم 23 لسنة 1990 أنه:' ليس للمحاكم أن تنظر في أعمال السيادة ' .

ونص المادة آنف الذكر الذي كرس نظرية السيادة وقننها ليس بدعاً من الأمر، فقد سبق للمشرع المصري أن اعتنق هذه النظرية في نص المادة (17) من قانون السلطة القضائية التي جرى نصها على أنه : ' ليس للمحاكم أن تنظر بطريقة مباشرة أو غير مباشرة في أعمال السيادة '. وذات الحكم انتظمته المادة (11) من قانون مجلس الدولة المصري .

ولما كان من المستقر عليه فقهاً وقضاءً - لاسيما أحكام المحكمة الدستورية نفسها مصدرة الحكم محل التعليق - بأن الأعمال الصادرة من الحكومة في علاقتها بالبرلمان هي من قبيل أعمال السيادة، وهي أعمال سياسية تتخذها الحكومة بوصفها سلطة حكم لا سلطة إدارة، ومن ثم فإنها تكون بمنأى عن أية رقابة قضائية من أية محكمة وبأي شكل من الأشكال حيث تقرر المحكمة الدستورية في حكم لها بأن :

' أعمال السيادة – كما عرفها القضاء – هي تلك الأعمال التي تصدر من الحكومة باعتبارها سلطة حكم لا سلطة إدارة، فتباشرها بمقتضى هذه السلطة العليا لتنظيم علاقتها بالسلطات العامة الأخرى، داخلية كانت أم خارجية، أو تجريها اضطراراً للمحافظة على كيان الدولة في الداخل أو الذود عن سيادتها في الخارج، وهذه الأعمال وإن كانت لا تقبل الحصر والتحديد... ويندرج ضمن أعمال السيادة المنظمة لعلاقة الحكومة بالسلطة التشريعية ' .

( الطعن رقم 2 لسنة 1999 دستوري – جلسة 27/4/1999، المجموعة ، المجلد الثاني، ص 98 .

وهدياً بما سلف وحيث أنه من المقرر فقهاً أن الانتفاء المطلق لولاية القضاء يتحقق : ' إذا كانت الدعوى تخرج عن حدود الولاية العامة للقضاء، كما لو صدر الحكم في عمل من أعمال السيادة فإنه لا يعد حكماً قضائياً صادراً من قاض لأن القاضي يفقد صفته القضائية خارج حدود الولاية العامة للقضاء، ولذا يعتبر هذا الحكم منعدماً ولا يحوز حجية الأمر المقضي '. (يراجع : د.وجدي راغب فهمي، مبادئ القضاء المدني ' قانون المرافعات ' دار الفكر العربي، الطبعة الأولى، 1986-1987، ص219-220 ) .

هذا وتجدر الإشارة إلى ضرورة التمييز بين خروج المحاكم في جهة القضاء العادي عن اختصاصها المقرر لها قانوناً وبين خروج أي محكمة أو قضاء خاص عن حدود اختصاصه الوظيفي، إذ أن الحكم في الحالة الأولى يوصم بالبطلان وسبيل مخاصمته يكون بولوج طريق الطعن المقرر قانوناً، ذلك أن المحكمة مصدرة الحكم تتمتع بالولاية القضائية العامة التي تجد أساسها في القانون الكويتي في نص المادة الأولى من قانون تنظيم القضاء التي جرى نصها على أن : ' تختص المحاكم بالفصل في جميع المنازعات والجرائم إلا ما استثني بنص خاص، ويبين القانون قواعد اختصاص المحاكم ' .

أما الحكم الصادر في الحال الثانية فإنه هو المقصود بالرأي الفقهي المشار إليه سلفاً والذي يقرر انعدام الحكم الذي يصدر خارج حدود الولاية العامة للمحكمة مصدرة الحكم، إذ أن المحكمة مصدرة الحكم في هذه الحالة لا تتمتع بالولاية القضائية وهي ركن هام من أركان الحكم القضائي لا يقوم بدونه الحكم على أساس قانوني فيكون حكماً منعدماً.

كما أنه من المقرر فقهاً : ' أن الحكم المعدوم هو والعدم سواء، ولا يرتب أي أثر قانوني، ولا يلزم الطعن فيه للتمسك بانعدامه، وإنما يكفي إنكاره عند التمسك بما اشتمل عليه من قضاء، ويجوز رفع دعوى مبتدأة بطلب انعدامه، ولا تزول حالة انعدام الحكم بالرد عليه بما يدل على اعتباره صحيحاً أو بالقيام بعمل أو إجراء باعتباره كذلك ' . ( أنظر: د.أحمد أبو الوفا، نظرية الأحكام في قانون المرافعات، منشأة المعارف، الطبعة الخامسة، 1985، ص 316-317 ).

وحيث أنه من المقرر في قضاء محكمة التمييز الكويتية أن : ' الأصل أن الحكم القضائي متى صدر صحيحاً منتجاً آثاره، فيمتنع بحث أسباب العوار التي تلحقه إلا عن طريق الطعن عليه بطرق الطعن المناسبة، ولا سبيل لإهدار هذه الأحكام بدعوى بطلان أصلية أو الدفع ببطلانه في دعوى أخرى، واستثناء من هذا الأصل العام يمكن القول – في بعض الصور – بإمكان رفع دعوى بطلان أصلية أو الدفع بذلك إذا تجرد الحكم من أركانه الأساسية كصدوره من محكمة غير مشكلة تشكيلاً صحيحاً أو من قاض لا ولاية له أو على خصم لم يعلن أصلاً بصحيفة الدعوى أو كان قد ثبتت وفاته قبل رفعها ' . ( الحكم في الطعن رقم 233/1996 تجاري- جلسة 19/5/1997، مجموعة القواعد القانونية التي قررتها محكمة التمييز، القسم الرابع، المجلد الرابع، مايو 2004، ص 162 ) .

وبالبناء على ما تقدم وحيث أنه لا ولاية قضائية للمحاكم بكافة أنواعها بما فيها المحكمة الدستورية بالنظر في أعمال السيادة، ومن ثم فإن الحكم محل التعليق بتعرضه للفصل في دستورية مرسومي حل مجلس الأمة 2009 ودعوة الناخبين لانتخاب أعضاء مجلس الأمة 2012 – وإن لم يصرح بذلك - يكون قد ولج منطقة محظور على المحاكم قاطبة – وليس فقط المحكمة الدستورية - ممارسة ولايتها القضائية في نطاقها، بما ينحدر به إلى درجة الانعدام، وتبعاً لذلك يغدو الحكم الصادر من المحكمة الدستورية بإبطال انتخابات مجلس الأمة 2012 حكماً منعدماً من الناحية القانونية، ليس له وجود قانوني فلا يرتب أية آثار قانونية، وبالتالي فإن مرسوم حل مجلس الأمة 2009 يظل سارياً منتجاً لكافة آثاره، كما أن مجلس الأمة المنتخب بتاريخ 2/2/2012 يظل قائماً يتمتع بجميع سلطاته الدستورية المقررة له في الدستور والقوانين النافذة في البلاد كما لو أن الحكم محل التعليق لم يصدر بالكلية .

وينبني على القول السابق أن أي عمل يصدر عن مجلس 2009 أو قيامه بممارسة أية سلطة من السلطات المقررة لمجلس الأمة، تعتبر تصرفات معدومة لا قيمة قانونية لها لصدورها من أشخاص لا يعتبرون أعضاءً بمجلس الأمة، ومن ثم لا تعتبر أعمالاً صادرة عن مجلس الأمة كل ذلك كأثر مترتب على حله وزوال سلطاته بل زوال وجوده الدستوري أساساً بذلك الحل .

سادساً : حل إشكالية الحكم يكون برفع دعوى انعدام حكم أمام ذات المحكمة مصدرة الحكم:

بعد أن انتهينا من بيان مدى القوة القانونية لحكم المحكمة الدستورية بإبطال انتخابات مجلس الأمة 2012 وتوصلنا إلى أن تجاوز المحكمة لحدود ولايتها القضائية بالتعرض لمراسيم الحل ودعوة الناخبين وهي من قبيل أعمال السيادة يفقد الحكم أحد الأركان الأساسية المتطلبة في الأحكام القضائية وهي صدوره من محكمة ذات ولاية قضائية في الفصل بالطلب المعروض عليها، وهذا العيب الذي يعزى للحكم يهوي ويتردى به إلى درجة العمل المادي الذي لا ينتج أي أثر قانوني مطلقاً، ولا يصلح البتة لأن يكون سنداً وأساساً لأية حقوق أو سلطات أو مراكز قانونية تنبني عليه .

ويثور التساؤل عن الجهة المختصة في التقرير بانعدام الحكم القضائي، إذ لا يقبل في صحيح القانون بل ولا حتى في شرعة العقل والمنطق أن يترك أمر تقدير انعدام الأحكام القضائية لأي شخص أو جهة أو سلطة محكوم عليها بقضاء صادر عن جهة قضائية، لأن ذلك سوف يفضي بلا ريب إلى الفوضى والاضطراب في المراكز القانونية فلا تستقر على حال بما يهدد سلامة النظام القانوني وكيان الدولة في مجموعه، وأنه من المسلم به قضاءً أن الدفع بانعدام الحكم يجوز تقديم دليله والتمسك به في أية مرحلة من مراحل التقاضي ( نقض مصري رقم 5963 لسنة 70ق جلسة 28/5/2002 ) .

يجيب الفقه على السؤال السابق بالقول بأن : ' سلامة التنظيم القضائي تتطلب أن تفصل في الدعوى بانعدام الحكم ذات المحكمة التي أصدرته، حتى لا تمكن محكمة من الإشراف على قضاء صادر عن محكمة أعلى درجة منها، إذ قد يصدر الحكم المعدوم من محكمة الاستئناف فكيف يسمح لمحكمة ابتدائية أن تنظر في طلب انعدامه ؟ أو قد يصدر الحكم المعدوم من محكمة ابتدائية في استئناف حكم صدر من محكمة جزئية، فكيف يسمح لمحكمة جزئية أن تنظر في طلب انعدامه، وإذا كانت القاعدة أن القضاء لا يسلط على قضاء آخر إلا إذا كان الأول أعلى درجة من الثاني، فكيف السبيل إلى تبرير إقامة دعوى أمام محكمة ابتدائية بطلب انعدام حكم صدر من محكمة الاستئناف...وإذن فإن الدعوى بانعدام الحكم ترفع إلى ذات المحكمة التي أصدرته ووفق الإجراءات المعتادة لرفع الدعاوى ' .( راجع: د.أحمد أبوالوفا، نظرية الأحكام في قانون المرافعات، ص 331-332).

وترتيباً على ما تقدم فإن دعوى انعدام حكم الدستورية ترفع بصحيفة إلى قلم كتاب المحكمة الدستورية وفق الإجراءات وبالأوضاع المقررة بقانون إنشاء تلك المحكمة ولائحتها، والحكم الصادر في هذه الدعوى بثبوت انعدام الحكم يعتبر حكماً تقريراً كاشفاً لحلة الانعدام من تاريخ صدوره لا منشئاً لها .

سابعاً : التساؤل عن مدى إمكانية تعويض الأضرار التي نجمت عن صدور الحكم:

وأخيراً يثور تساؤل يتعلق بمدى أحقية من ترشح في انتخابات مجلس الأمة 2012 وهو المجلس المبطل بحكم المحكمة الدستورية محل التعليق، سواء من حالفه الحظ في الفوز في عضوية مجلس الأمة في تلك الانتخابات ومن لم يحالفه الحظ  في مقاضاة السلطة التنفيذية وطلب التعويض عما ألحقه بهم صدور حكم المحكمة الدستورية بإبطال الانتخابات من أضرار ؟

توطئةً للإجابة على هذا التساؤل نشير إلى مسألة هامة وهي أن انعدام الحكم محل التعليق وأن كان يعني ببساطة استمرار الوجود الدستوري لمجلس الأمة 2012 وبقاءه وتمتعه بكامل صلاحياته الدستورية، وهو ما كان يفترض معه انهدام الأساس القانوني لطلب التعويض، على اعتبار أن سند التعويض هو الأضرار الناتجة عن إبطال انتخابات 2012 ، إلا أنه – أي الحكم – وهو عمل مادي يشكل عقبة مادية ترتب آثاراً واقعية تحول دون ممارسة مجلس 2012 لصلاحياته الدستورية، ومن ثم فإن ركن الضرر يعتبر متوافراً على الرغم من انعدام الحكم كعمل قانوني، الأمر الذي يجعل من مناقشة مدى توافر أركان المسئولية الأخرى أمراً ذي جدوى من الناحية العلمية.

ففيما يتعلق بالركن الأول من أركان المسئولية التقصيرية وهو الخطأ فهو متوافر بشكل واضح وجلي، ويمكن استخلاص هذا الخطأ بيسر وسهولة من أسباب حكم المحكمة الدستورية عينه، والذي أشار إلى اتخاذ السلطة التنفيذية لإجراءات غير صحيحة قانوناً بقوله : ' وإذ كان الأمر كذلك وكان الحاصل أن هذا الحل قد جاء استناداً إلى المادة (107) من الدستور، وبناءً على طلب وزارة قد زايلتها هذه الصفة بقبول الأمير استقالتها بكاملها، وذلك بعد أن تم تعيين رئيس جديد لمجلس الوزراء بأمر أميري، وتكليفه بترشيح أعضاء الوزارة الجديدة، حيث استبق رئيس مجلس الوزراء – بصفته هذه – قبل تكليف هذه الوزارة الجديدة وصدور مرسوم بتشكيلها، باستعارة أعضاء من الوزارة المستقيلة التي زالت صفتها ونظمهم في اجتماع لمجلس الوزراء لأخذ موافقتهم على هذا الحل، فإن هذا الإجراء يكون غير صحيح من الوجهة الشكلية، مخالفاً لروح المبادئ الدستورية والغرض الذي من أجله شرعت سنته، إذ لا يجوز أن يتخذ الحل الذي رخص به الدستور للحكومة استعماله، وحدد طبيعته وإجراءاته والغرض منه، ذريعة إلى إهدار أحكام الدستور ومخالفتها فللدستور حرمة ونصوصه يجب أن تصان وأحكامه لا بد أن تحترم'.

فالثابت مما سلف أن الحكم قطع بلا أدنى شك بارتكاب رئيس مجلس الوزراء لخطأ دستوري بدعوته لأعضاء الوزارة المستقيلة للاجتماع بغرض الحصول على موافقتهم على إجراء الحل ورفع كتاب بذلك لصاحب السمو، والذي على إثره صدر مرسوم الحل وما أعقبه من صدور مرسوم دعوة الناخبين لانتخاب أعضاء مجلس الأمة 2012، وهو ما يتوافر به على سبيل الحتم واليقين ركن الخطأ.

وبالنسبة لركن الضرر فباعتقادنا أنه يلزم التفرقة بين من المركز القانوني لمن حالفه الحظ بالفوز في العضوية من المرشحين ومن لم يفز من المرشحين، إذ من وجهة نظرنا أن المرشحين الذين لم يفوزوا بالعضوية لا يستحقون تعويضاً عما تكبدوه من نفقات وما بذلوه من مصروفات، ذلك أننا لو افترضنا جدلاً صحة مرسوم الحل فإنهم كانوا سيتكبدون تلك المصاريف والنفقات مع ثبات النتيجة والمتمثلة بعدم فوزهم بالعضوية، والأمر ليس كذلك بالنسبة لأعضاء مجلس 2012 ، إذ أنهم فازوا بالعضوية وقد تمتعوا بمراكز قانونية تكسبهم امتيازات ترتب على خطأ الحكومة أن فقدوها، ولا مندوحة أنها أضرار يكفل لهم القانون جبرها عن طريق التعويض.

أما فيما يتعلق بركن علاقة السببية فهو متوافر بدوره إذ أن الأضرار التي حاقت بمن أبطلت عضويته – ولو بحكم منعدم ولكنه يرتب آثار واقعية – ناشئة بالضرورة وبحكم اللزوم العقلي من خطأ الحكومة في الإجراءات المخالفة للدستور التي اتخذتها بغية حل مجلس الأمة 2009.

وفي الختام لا يسعنا إلا أن نقول : ' ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأ ' فإن كان ما قلناه صواباً فمن الله، وإن كان غير ذلك فمن أنفسنا ومن الشيطان، وعزاؤنا أن المجتهد مأجور في اجتهاده على كل حال، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

بقلم: د.عبدالكريم العنزي - أ. أحمد العازمي

الآن - المحرر القانوني

تعليقات

اكتب تعليقك