شهوة السلطة وحرية الفرد

ابا هندٍ فلا تعجل علينا..

الاستبداد صناعة تستوجب تحفيز الافراد لقبول واقع منافي للحرية وهي الفطرة التي يجبل الانسان عليها!

ان ما صدح به عمر بن الخطاب 'متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم احراراً'
يمتلك قيمة مهمة ليس لدلالته على عدل عمر او الدولة الاسلامية بل اهم من ذلك تحقيقه ان اصل الحرية هي الفطرة وكذلك ان ممارسات الاعتداء من قبل المستبد وأبنائه هي صورة
للرق والعبودية!

ان قيمة الحرية كمطلب متاصل في اعماق الفرد الحر تجعل تقييده بقيود العبودية تتطلب ان يتقبل تدريجياً اعتداء السلطة او المستبد عليه وفق ذرائع متعدده.

ان عمر بن كلثوم ذلك الجاهلي يتحدث بصورة واضحة كمقاوم لممارسة الإذلال بل يبدوا غضبة على المستبد بانكاره عليه انه توقع منهم القبول بالذل وانهم جاهزون  للعبودية !؟ فيقول

بِـأَيِّ مَـشِيئَةٍ عَمْرَو بنَ هِنْدٍ
نَـكُونُ  لِـقَيْلِكُمْ فِـيهَا قَطِينا
بِـأَيِّ مَـشِيئَةٍ عَمْرَو بنَ هِنْدٍ
تُـطِيعُ بِـنا الوُشَاةَ وتَزْدَرِينا

الأمثلة متعدده لمعنى المحافظة على حرية الافراد في مقابل شهوة السلطة لان تكون الجهه التي تقيد اعناق الافراد بقيد الرق ، والسؤال الذي يتبادر للذهن اذا كان الانسان مفطور على الحرية فكيف تم انتاج مجتمعات
العبيد بمفكرون ومثقفون ورجال دين يسخرون كل طاقاتهم لترويج العبودية وتقريبها للناس وكيف لا يثور الناس كما فعل عمر بن كلثوم؟!

في الواقع وان كنت ذكرت بتوسع في مقالي السابق اثر التضليل وصناعة الوهم من قبل السلطة لانتاج مجتمعات تقبل الواقع ولكن هنا
اود ان اشير لان البعد الوراثي كما في حديث الرسول صلى عليه وسلم عن 'ان أبواه يهودانه او ينصرانه' إشارة واضحه لاثر البيئة في عملية تقبل واقع الاستبداد لذلك تجد ان الرق المتوارث اسهل بكثير وان يردد الأبناء دعاء الاباء للمستبد امر مفهوف في ظل استعدادات النفس لتتبع البيئة على ان هذا في نفس الوقت مناقض لنزعة الحرية والكرامة.

ولان هذا المنحى يخالف وضوح المنطق المتعلق بكرامة البشر وشعورهم بالمساواة فان الفرد كي تقنعه بان افراد السلطة (أبناءهم وازواجهم بل حتى خدمهم) لهم حقوق تتجاوز حقوقك ومكانة تعلوا عن مكانتك فان النفس الحرة تانف ذلك وهنا تقدم التربية دور مهم في عملية قبول ذلك فالحديث عن العنصر المختار يمهد له في كل مكان مما يعيد تصورك لذاتك بانك اقل من هذا العنصر!

يجد الفرد الحر انه يعاني التصادم مع من يدعون لتميز السلطة وأبنائها لانه يدفع ذلك من كرامته وفي مقابل ما يصنعون من ثقافة واخلاق ومواقف دينيه تعزز العبودية وتحارب طبيعة الانسان وانه ولد حراً!
 
ويخلق الاحرار في كل مجتمع مجموعة من القيم التي تكافح الاستبداد ولعل هذا المشهد
في الحيرة بين ما يملكه المتسلط وما يملكه الفرد الحر من ادوات متجلي في كلمات شاعر اخر يعاني من المستبد. (ابن الذيب)

اذا ذكرت كليب عذرت جساس
لأنني عايشت ما كان صاير
هذا معه سلطة وهيبة ونوماس
وهذا معه شيمة أعيال العشاير

يجعل ابن الذيب الفرد متكي على الشيمة
القيمة الاجتماعية التي تمنع الفرد من قبول الذل.

وبقدر ما يملكون من هذه الشيمة والكرامة يواجة الاستبداد مشاكله وتستطيع الشعوب ان تردد مع عمر ابن كلثوم، وانظرنا نخبرك اليقينَا...

الدكتور عبدالهادي العجمي
استاذ التاريخ بجامعة الكويت