إيران والغرب والحرب التي لن تقع
عربي و دوليسبتمبر 26, 2012, 12:07 ص 3470 مشاهدات 0
بين أقصرها وأطولها نجلس في الخليج على أرث من تناقضات الحروب، فقد كنا على طرف أقصرحرب في التاريخ حين قصفت بريطانيا في الساعة 09:00 من 27 أغسطس 1896م القصر السلطاني العماني في زنجباربعد أن أستيلاء خالد بن برغش على الحكم عنوة لتنتهي بإستسلام حاميته الساعة 09:38 من نفس الصباح. وكنا بقرب دبابات الجنرال عبدالجبار شنشل حين أنطلقت لايران في 22 سبتمبر 1980م،لتتوقف بعد ثمان سنوات بسقوط الايرباص الايرانية بصاروخ أمريكي في 3 يوليو 1988م منهية الحرب العراقية الايرانية أطول حروب القرن العشرين. ونسجل حاليا سبقا جديد بمدة إنتظار الحرب بين طهران والغرب التي لو حدثت لشغلت العالم جراء حجم انتظارها كما شغلتهم الحرب العالمية الثانية.لقد سهلت أهمية نفط الخليج العربي أستثارة مخاوف الغرب. أما خميرة مخاوفنا فهي مشروع طهران النووي ومايعنيه من نفوذ غير مقبول.لكن المعطيات الحقيقية تدفع بالحرب بعيدا.وهذه بعض الاسباب التي تهدم العمق في طروحات من يراهن على ضرب ايران عسكريا :-
1-لاشك أن الريبة من حكومة طهران مقيمة بيننا،وقد أستقر كوديعة منسية في اللاوعي الخليجي شعور يصل حد التشفي في أن نرى إيران تتعرض لهجوم عسكري غربي متجاوزين أن الهدف الأهم من كل حرب هو إعادة تنظيم الجغرافية السياسية،ولضعف إمكانية حدوث التنظيم المطلوب فإن المواجهة لن تحدث في المدى القريب . ولنا في مخرجات الربيع العربي والتردد الغربي في إسقاط الاسد خير دليل على عجزه في التأثير بالنتائج.
2-تبدو الجمهورية الاسلامية منذ قيامها كبلد يرتدي الكوارث إن لم ترتديه،ورغم ان الحرب لوحدثت ستحطم قرونا من التراكم الحضاري،إلا إن طهران تروج أكثر من غيرها للهجوم طمعا في إصفاف الشعب الإيراني حول النظام. مراهنة على أن ثقافة الشعب الايراني الفارسية والاسلامية ستجعل المعارضة تخجل من أن تركل نجاد الجريح وهو على الارض.وإن لم يكن الترويج للهجوم مبرمجا فما تبرير إصدار المرشد الأعلى أمر مباشر باطلاق الغواصة 'طارق 901' وإنزال المدمرة الجديدة 'سهند' من بندر عباس! وماتبرير إعلان قائد الحرس الثوري الإيراني 'أن إسرائيل ستشن الحرب على إيران في نهاية المطاف' فكيف يقول ذلك وهو على رأس هرم المؤسسة العسكرية المعنية بنشر الاطمئنان لا الخوف.
3-تمنى البعض بأن المناورة التي جرت في الخليج هذا الشهر ووصفت بأنها الاضخم في الشرق الاوسط هي جزء مما يسميه العسكريون 'إجراءات ماقبل المعركة' لحدوثها في وقت ذروة التوتر مع طهران.لكن الحقيقة ان المناورات والدول الـ30 المشاركة فيها موجودة في الخليج منذ عقد تحت مسمى قوات الواجب المشتركة'Combined Task Force ' ولم يزد على ماكانت تقوم به سنويا بمشاركة قواتنا الخليجية إلا تمرين كسح الالغام، فالنية لشن الحرب غير متوفرة حاليا لا في الولايات المتحدة ولا حتى في اسرائيل للاسباب التالية:
• أستقر الرأي في البنتاغون على ان الضربة يجب ان تجعل طهران غير قادرة على الرد،وأن ينهارنظام الحكم فورا.لكن واشنطن غير جاهزة لذلك لكون الفكر العسكري الاميركي قد ركز خلال عقد مضى على مكافحة الارهاب،والمعارك الصغيرة والصراعات الامتماثلة. مما سيجعل مخرجات الهجوم كمخرجات الحرب في العراق وأفغانستان بنتائجها الهزيلة وخطر تبعاتها على الجهد الانتخابي لمرشحي الرئاسة .
• الصهاينة غيرمؤهلين لشنها لوحدهم. فنزهة مفاعل أوزاريك العراقي1981م كانت ضد مفاعل واحد وليس 11 موقعا إيرانيا.كما أتسعت حلقة القادة العسكريين الصهاينة الرافضين لتوجيه الضربة.بل إن نتنياهو إنسحب محتجا من جلسةً للحكومة المصّغرة 'لخلافاتٍ حول إيران في الأجهزة الأمنية' وزاد الطين بله رد أمريكا على لسان الجنرال ديمبسي بأنها لن تشارك ولا تبارك. بل والتشكيك بأن لتل أبيب القدرة وحدها لتنفيذ الضربة.
4- ستكون الكلفة السياسية للحرب عالية بدرجة تمنع نشوبها. فقد يشمل الرد الايراني فتح جبهات عدة في زمن واحد كإغلاق هرمز،ومهاجمة المنشآت النفطية والقواعد الاميركية في الخليج،وتأجيج الاضطرابات في العراق وخلق إنتفاضة في افغانستان وشن موجة هجمات بخلايا حزب الله النائمة.وقد يتعاطف المسلمون مع إيران رفضا للترويض الفكري الذي يمارسه الغرب لتعليمنا السكوت حين التطاول على النبي(ص).مع امكانية إلغاء اتفاقيات السلام بين إسرائيل ومصر والاردن. أما في الخليج فسيكون من تبعات الضربة إهتزاز الوحدة الوطنية في بعض الدول لكون شارع الربيع العربي هو المسيطر على قادته هذه الايام فقد يقوم معسكر بتحريض الحكومات على كتل إجتماعية خليجية تتعاطف مع طهران.وفي الوقت نفسه ترتفع فكرة المظلومية وتبعاتها في المعسكر الاخر لعدم وجود إطار وغطاء قانوني يعطي المبرر الأخلاقي للهجوم على دولة مسلمة.
5-ستكون تداعيات الحرب على الاقتصاد الخليجي والدولي ضخمة،فقد ترتفع أسعار النفط فوق 250 دولارا للبرميل ثم أسعاركل شيئ لتنهار معها ثقة المستثمرين، بخلاف الآثار النفسية السلبية المتوقعة على الأسواق المالية ليعود ارتفاع البطالة في عالم لا زال يلعق جراحه من أزمة اقتصادية مرعبة، كما ان الأضرارو عبء تمويل المواجهة العسكرية ستفوق مكاسب العملية أضعاف المرات.
6-لم تقم الثورة الايرانية في الاصل لاسقاط الشاه ونظامه العلماني الموال للغرب إلا لتطبيق فكر الامام الخميني بإقامة 'نظام إسلامي'.وبعد تحقيق ذلك تم تحصين فكر الامام بجعل حماية هذا النظام قضية الامن القومي الاولى؛فإذا كان الشعب قد مات في الموجات البشرية دفاعا عن ذلك،فإن صانع القرار السياسي ملزم بالتراجع عن مواقفه حين الاقتراب من الخط الاحمر الذي قد يقوض 'مركز الثقل الايراني' وهو نظام الملالي الاسلامي .
في السنوات الماضية غذت غرف التحريرالصحفية لا غرف العمليات الحربية أطول مدة والناس تنتظر حرب،ونقل الصحفيون والكتاب لا ضباط الاركان وصناع القرار السياسي توجيه الضربة ضد إيران من مربع الجدوى لمربع الضرورة ،ثم لمربع الشرعية ،مع أن مايلوح في الافق يظهر ان الردع النووي الصارم كما طبق ضد السوفيت والصينيين يمكن ان يجعل الضربة الاستباقية غير ضرورية. بالإضافة إلى أن إسقاط نظام الملالي بالعقوبات أو الخصوم السياسيين أوالمعارضة أوالربيع الفارسي أكثر قابلية للتطبيق ، كما ان الدخول مع طهران لوقف طموحها النووي عبر مفاوضات تسوية لا مفاوضات ضغط قد يحقق ما تحققه الحرب.
تعليقات