الإصلاحات الاقتصادية في الهند.. انفجار كبير أم طلقة وداع؟ بقلم فيكتور ماليت

الاقتصاد الآن

657 مشاهدات 0


 
قبل أسبوعين، فقد كبار رجال الأعمال والمستثمرين الأجانب المحبطين الأمل في إحراز أي تقدم اقتصادي كبير في الهند تحت ولاية مانموهان سينغ، الذي من المفترض أن يكون رئيس الوزراء الإصلاحي في السلطة على مدى السنوات الثماني الماضية.

فاجأ سينغ، الذي سيحتفل بعيد ميلاده الثمانين اليوم، الجميع. وبدعم ضمني من سونيا غاندي، الزعيمة القوية لحزب المؤتمر، أطلقت الحكومة الائتلافية منذ 14 أيلول (سبتمبر) سيلا من الإصلاحات الاقتصادية التي وصفها المعلقون الهنود بالانفجار الكبير.

أولا، تحدى الحكومة للغضب الشعبي بانخفاض حاد في دعم الديزل وغاز الطهي، مما أدى إلى ارتفاع تكاليف الديزل في محطات البنزين بنحو 14 في المائة للحد من عجز الميزانية المتزايد. وفي اليوم التالي، سمحت حكومة سينغ للمستثمرين الأجانب ببناء متاجر كبرى وشراء حصص في شركات الطيران المحلية، كما أعلنت عن بيع أسهم في الشركات المملوكة للدولة في برنامج الخصخصة الذي تم استئنافه.

لا يكاد يمر الآن يوم دون إطلاق مبادرة جديدة لتشجيع الاستثمار وتعزيز النمو الاقتصادي. وفي يوم الإثنين - أقل من شهرين بعد فشل شبكة الكهرباء والتي تركت 600 مليون مواطن هندي دون كهرباء في انقطاع للكهرباء في التاريخ - كشفت الحكومة عن خطة لإعادة هيكلة أكثر من دولار 35 مليار دولار في الديون المستحقة على شركات توزيع الكهرباء الحكومية المتعثرة. كل هذه الأمور الآن سيتم حشدها لاتخاذ خطوة لا تحظى بشعبية من الناحية السياسية وهي رفع الأسعار.

كان رد فعل الأسواق بسرعة، حيث استردت الروبية، بعد تراجع حاد هذا العام، بعض خسائرها. وقد رحب المستثمرون الأجانب بعودة حماس سينغ للإصلاح، في حين أبتهج كبار رجال الأعمال الهنود. ''من مجاعة في العمل السياسي انتقلنا إلى وليمة''، كما كتب أناند ماهيندرا، أحد رجال الصناعة، بعد اليومين الأولين من الإعلانات. وأضاف، ''لقد استعادت الحكومة ذكاءها! ونحن نهتف لكي تستمر في طريقها''.

الآن لا تخلو الإصلاحات من المخاطر لحكومة سينغ وللمستثمرين الذين سيستفيدون نظرياً. ولقد أدت موجة من التدابير لفرض النظام في المالية العامة وتحرير الاقتصاد إلى زعزعة الائتلاف الذي يقوده حزب المؤتمر، وبالتالي زيادة فرص إجراء انتخابات مبكرة في أكبر ديمقراطية في العالم - وزيادة إمكانية تشكيل حكومة أقل ملاءمة للأعمال التجارية في المستقبل.

لن يحل موعد الانتخابات العامة المقرر حتى النصف الأول من عام 2014، ولكن قامت ماماتا بانيرجي، كبيرة وزراء ولاية البنغال الغربية ذات الشعبية ورئيسة حزب المؤتمر ترينامول، بسحب وزرائها و19 عضوا في البرلمان من الائتلاف احتجاجا على إصلاحات ''ينغ ''المعادية للشعب''، تاركة له نقصا في الأغلبية المضمونة.

إذن لماذا تحمل سينغ، بعد سنوات من الجمود، مثل هذه المخاطر في وقت متأخر جدا في فترة ولايته الثانية كرئيس للوزراء؟ الجواب، وفقا لمسؤولين هنود رفيعي المستوى، هو أنه يشعر بأنه ليس لديه خيار آخر، حيث اعتقد أن تركته الخاصة للهند - حيث ورث التحديث والتوسع الاقتصادي عندما كان في منصب وزير المالية في التسعينيات وقام بالتخلص من ''ترخيص راج'' الفاسد- كانت معرضة لخطر الضياع.

أشار سينغ، الاقتصادي الذي يتحدث بهدوء حتى إنه قد يكون من الصعب سماعة، مرارا وتكرارا إلى هذه التركة على شاشة التلفزيون مساء الجمعة الماضي فيما كان، بالنسبة إليه، خطابا عاطفيا للأمة، حيث دافع عن المنطق الاقتصادي للقرارين الأكثر إثارة للجدل - رفع أسعار الوقود والسماح لتجار التجزئة الأجانب مثل ''وول مارت'' بامتلاك حصص أغلبية في المتاجر الكبيرة- وقال إنه كانت هناك حاجة لاتخاذ إجراءات عاجلة حتى لا تمنع المستثمرين وتزيد البطالة.

قال سينغ: ''المرة الأخيرة التي واجهنا فيها هذه المشكلة كانت في عام 1991. لا أحد كان على استعداد لإقراضنا حتى كميات صغيرة من المال. وأضاف: ''لقد خرجنا من هذه الأزمة من خلال اتخاذ خطوات حازمة وقوية. يمكنك أن ترى النتائج الإيجابية لتلك الخطوات. فنحن اليوم لسنا في هذا الوضع، ولكن يجب علينا أن نتخذ خطوة قبل أن تفقد الناس الثقة باقتصادنا''.

من بين الدلائل المبكرة أن سينغ وغاندي كانا يستعدان لاتخاذ إجراءات حيث صدرت قرارات الشهر الماضي بنقل بالانيابان تشيدامبارام، النشط مرة أخرى إلى وزارة المالية، وتعيين راغورام راجان، كبير الاقتصاديين السابق في صندوق النقد الدولي والناقد الصريح للفساد والبيروقراطية في الهند، كمستشار اقتصادي رفيع المستوى في الحكومة.

كان المستثمرون الأجانب، ومجموعات رجال الأعمال في الهند والاقتصاديون والمحللون الدوليون قد عبروا عن قلقهم بشأن اتجاه الاقتصاد نحو التراجع. في القطاع الخاص، شعر كبار أعضاء الحكومة والبيروقراطية على سواء بالقلق. وصرحوا بأن الائتلاف وحتى حزب المؤتمر نفسه، مقسم بين اليساريين القدامى وهؤلاء الذين اختار التحرر الاقتصادي والمنافسة من النوع الذي قد حقق النجاح لخدمات الهاتف الجوال والطيران الداخلي في الهند.

وقد لاحظ مسؤول مالي بارز في شهر آب (أغسطس) أن الأمر كان ''مريحاً سياسياً'' فيما يتعلق بإلقاء اللوم على تباطؤ الاقتصاد العالمي بالنسبة للإضرابات التي مرت بها الهند، ولكن المشكلات الحقيقية تكمن في الافتقار إلى الإصلاح، وعدم الاستثمار في الطاقة والبنية التحتية للنقل، وعمليات الاحتيال والفيدرالية الهشة للنظام السياسي الهندي والحكومة المنقسمة - وباختصار، في مزيج ''من الإخفاقات الاقتصادية وإخفاقات الإدارة، إلى حد كبير المحلية والذاتية''.

وكان الشيء الذي يثير قلق الحكومة بشكل خاص هو التباطؤ الحاد في النمو الاقتصادي – حيث انخفضت الزيادة على أساس سنوي في الناتج المحلي الإجمالي إلى 5.3 في المائة في الأشهر الثلاثة الأولى من هذا العام، مقارنة بـ 9.2 في المائة في العام السابق ومنذ ذلك الحين تعافت بـ 5.5 في المائة.

ثم إن هناك عجزا ماليا، فمع انخفاض الروبية وارتفاع أسعار النفط العالمية، تم وضع مشروع قانون لدعم الوقود في الحكومة تتجاوز تكاليفه 35 مليارا في السنة المالية الحالية، مما يسهم في عجز القطاع العام الإجمالي بأكثر من 8 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي. حتى بعد زيادات الأسعار الأخيرة، ذكَّر سينغ المواطنين الهنود في خطابه بأن الحكومة كانت تنفق أكثر على دعم الوقود من الصحة والتعليم مجتمعين.

ربما كانت الفرصة الأخيرة لسينغ هي التهديد بأن وكالات التصنيف الائتماني ستخفض الديون السيادية في الهند إلى مرتبة ''فقيرة''، أو غير استثمارية، بسبب عجز البلاد عن معالجة المشكلات الاقتصادية.

ويمكننا الولوج، إذا لم نكن حذرين، إلى شيء أكثر مأساوية، لذلك هناك شعور ''بالإلحاح''، كما صرح مسؤول كبير آخر في نيودلهي الذي يؤيد الإصلاح، واستطرد قائلاً: ''السبب وراء خلق مساحة لفعل هذه الأشياء هو الشعور المتنامي للأزمة''.

عزم الحكومة على اتخاذ قرارات لا تحظى بشعبية في أقل من عامين قبل الانتخابات العامة يشير إلى أن الثروات الاقتصادية في الهند يمكن أن تكون في الواقع عند نقطة تحول كبيرة مثلما كان في إصلاحات عام 1991. ولكن هناك اثنين من المحاذير المهمة التي عبر عنها قادة الأعمال والمحللون.

الأول، أن الإصلاحات التي كشف عنها النقاب حتى الآن يجب أن ترسخ قبل أن يدعي سينغ النصر. حيث إنه في العام الماضي أتاح الفرصة بشكل سريع لتحول تجارة التجزئة الشاملة إلى استثمار أجنبي مباشر وذلك في أعقاب احتجاجات من السياسيين وأصحاب المحال التجارية. وعلاوة على ذلك يتباطأ البيروقراطيون الهنود بشكل استثنائي في توفير التراخيص البيئية وغيرها اللازمة لمثل هذه الاستثمارات.

إعلان فقط ''دعونا يكن لدينا استثمار أجنبي مباشر، دعونا نستثمر'' لن يكون كافياً''، بحسب قول سيدهارث بيرلا، رئيس مجلس إدارة ''إكس برو إنديا''، وهو منتج البلاستيك، ونائب رئيس اتحاد الغرف الهندية للتجارة والصناعة. وأضاف: ''ما لم نحصل على إجراءات جيدة، فلن تتدفق الاستثمارات ولن تحقق النتائج المرجوة''.

والمسألة الثانية، هي أن حجم الإصلاحات الأخيرة ما هو إلا جزء فقط مما يصر المستثمرون المحليون والأجانب على أنهم في حاجة إليه لضمان النمو الاقتصادي القوي. ويقولون إن التنازلات الجزئية لرؤوس الأموال الأجنبية تكتنفها شروط شاقة - على توريد السلع من موردين هنود صغار على سبيل المثال - ويجب أن تتبعها إصلاحات أعم وذلك لتسهيل شراء الأراضي وتحسين البنية التحتية وتبسيط النظام الضريبي.

ويقول بيلا: ''لقد قمت بخطوة البداية بهذه الإعلانات، فهي إشارة، ولكنها ليست كافية. إذا كنت قد بدأت في دوران العجلة، فالرجاء المضي قدماً في تقديم أشياء أخرى كثيرة مطلوبة''.

هناك معركة أو سلسلة من المعارك السياسية الشرسة تنتظر سينغ. ففي خطابه للأمة، حاول جذب رؤوس الساسة المتنازعين في الهند البالغ عدد سكانها 1.2 مليار نسمة، ولكن من الصعب على رئيس الوزراء المواظب التنافس مع المنافسين ذوي الشخصية الجاذبة ''الذين يتهمهم'' ببث الخوف ونشر معلومات مغلوطة.

وتعد الإعانات وتجارة التجزئة الأجنبية هما أكثر ساحة معارك يحتدم فيها النزاع. اليسار التقليدي الهندي، داخل حزب الكونجرس وخارجه، يدعم كرد فعل منعكس الإنفاق الحكومي ويعارض الرأسمالية. في حين أن حزب القومية الهندوسية، بهاراتيا جاناتا، حزب المعارضة الرئيسي، يدين بالفضل لبضعة وخمسين مليون فرد من أصحاب المتاجر الصغيرة وبالتالي وجد نفسه في تحالف انتهازي ومؤقت مع اليسار العلماني ضد سينغ - على الرغم من أن زعماء حزب بهاراتيا جاناتا تعرضوا للضغط بسبب الإصلاحات الخاصة بهم عندما تولوا زمام السلطة قبل عشر سنوات.

السياسيون أصحاب التأثير في نحو متزايد من الولايات الإقليمية مثل أوتار براديش وغرب البنغال هم بالفعل في وضع ما قبل الانتخابات، حيث يفكرون في خياراتهم في الانضمام إلى الائتلاف الذي يقوده الكونجرس أو حزب بهاراتيا جاناتا، أو الانضمام إلى ''جبهة ثالثة'' وهي الحكومة ذات الميول اليسارية.

اللغة المستخدمة لجذب معظم الناخبين ذوي الدرجة العلمية الضعيفة بعيدة عن كونها خفية. بينما يصرح كل سياسي أن يعمل لمصلحة الأجندة الرئيسية ''آم آدمي'' – والتي تعني الرجل العادي – وحديث سينغ عن الفوائد التي تعود على المزارعين والمستهلكين من كفاءة المحال التجارية وسلاسل التوريد والسياسات المالية السليمة، يلجأ معارضوه في بعض الأحيان إلى كراهية الأجانب والخطابات المبالغ فيها.

اتهم سيتارام يتشوري، زعيم الحزب الشيوعي الهندي (الماركسي)، سينغ بعبادة الولايات المتحدة. وقال في اجتماع احتجاج صغار التجار الأسبوع الماضي: إن الكونجرس يريد أن يكون الهنود عبيداً وأن يكون الأجانب سادتنا.

ومثل السياسيين هناك مستثمرون من الهند والخارج - بما في ذلك ''وول مارت''، التي تريد تحديد مواقع لمنافذ البيع بالتجزئة في غضون 18 شهراً - يستعدون الآن بأنفسهم لمواجهة أشهر من المساومات والتخبط. قد تمر سنوات قبل أن يتمكنوا من النظر إلى الوراء والقول بكل بتأكيد ما إذا كان عام 2012 ذا أهمية بالنسبة للاقتصاد الهندي مثلما كان عام 1991.

''هذه الإجراءات لا تحل بالكامل عدم يقين السياسة أو عدم اليقين السياسي، على قول تعليق إسوار براساد، أستاذ الاقتصاد في جامعة كورنيل، تعليقاً على الإصلاحات التي تم الإعلان عنها خلال الأسبوعين الماضيين. وأضاف: ''لكنها خطوة مهمة في إعادة توجيه سياسات الهند إلى الاتجاه الصحيح.

وخلص براساد إلى القول إن حكومة مانموهان سينغ رسمت خطاً على الرمال. وقد ينتهي الأمر إلى فقدان الحكومة للسلطة والدعوة لإجراء انتخابات في الأشهر القليلة المقبلة.

وأضاف معلقاً: ''لكن على الأقل ما كان واضحاً هو وجود حكومة تخوض المعركة. فهذا على الأقل يدل على أن هناك احتمالا للإصلاح''.

 

 

الآن:الاقتصادية

تعليقات

اكتب تعليقك