هل التضخم الحالي محلي أم مستورد؟ بقلم سعود بن هاشم جليدان
الاقتصاد الآنأكتوبر 6, 2012, 12:47 م 610 مشاهدات 0
يخادع كثير من الأفراد والمختصين أنفسهم محملين أطرافاً خارجية مسؤولية المعضلات التي يواجهونها أو يتسببون في إحداثها، وذلك للتملص من تبعات أي عمل أو نتائجه السلبية. ونظراً لتداخل العوامل الخارجية والداخلية المؤثرة في التضخم، يلجأ بعض المسؤولين إلى إلقاء تبعة التضخم على العوامل الخارجية ويركزون عليها لإظهار براءتهم من التسبب في التضخم. ويتصور هؤلاء أن إلقاء المسؤولية على العوامل الخارجية يعفيهم من تحمل وزرها أو على الأقل يخفف منها. وشهدت معدلات التضخم في المملكة ارتفاعا واضحاً خلال السنوات القليلة الماضية. ووصل معدل التضخم حسب البيانات الرسمية إلى نحو 10 في المائة عام 2008، وجاء هذا الارتفاع الكبير نتيجةً لتعاضد العوامل المحلية والخارجية الدافعة للتضخم.
وتأتي العوامل الخارجية المسببة للتضخم في الغالب نتيجةً لارتفاع أسعار صرف العملات الأجنبية، أو نتيجةً لارتفاع معدلات التضخم في الدول الرئيسة المصدرة، أو بسبب هزات الطلب على السلع والمواد الأولية أو تراجع إمداداتها. وكانت معدلات التضخم مرتفعة بعض الشيء في العديد من البلدان الرئيسة المصدرة للمملكة قبل الأزمة المالية العالمية. وأدى التضخم الخارجي لرفع أسعار صادرات العديد من الدول الرئيسة المصدرة للمملكة. وارتفعت كذلك معدلات صرف العملات غير المرتبطة بالدولار قبل الأزمة المالية العالمية، ما قاد إلى ارتفاع فواتير وأسعار الواردات نظراً لارتباط الريال السعودي بالدولار الأمريكي. وشهدت أسواق السلع الغذائية والمواد الأولية قبل الأزمة المالية العالمية ضغوطاً على أسعارها بسبب النمو القوي في آسيا.
أما بعد الأزمة المالية العالمية فقد تلاشى تأثير العوامل الخارجية الرئيسة في التضخم في المملكة، فمعدلات صرف الريال مقابل العملات الرئيسة خلال السنوات الأربع الماضية أفضل من مستوياتها قبل الأزمة، لهذا يمكن القول إن تأثير معدلات صرف الريال اختفى خلال السنوات الأربع الماضية. كما تراجعت أسعار السلع والمواد الغذائية الأساسية من مستوياتها القياسية عام 2008م، ولهذا فإن تأثير ارتفاع أسعار السلع العالمية في معدلات التضخم المحلية ضئيل جداً، بل قد يكون تأثيره إيجابياً في معدلات التضخم خلال عامي 2009 و2010. وسجلت معدلات التضخم في الدول الرئيسة المصدرة للمملكة ما عدا الصين مستويات منخفضة جداً خلال السنوات الأربع الماضية، ولهذا فإن تأثير هذا العامل متدن في التضخم المحلي. وأدى نشوب الأزمة المالية العالمية إلى تراجع كبير في نمو الطلب العالمي على السلع والخدمات، ما قاد إلى تراجع في أسعار السلع الأساسية، كما خفت الضغوط التضخمية كثيراً على باقي المنتجات والخدمات. وشهدت العديد من الدول الصناعية جموداً في مستويات الأسعار، بل تخوفت بعضها من حدوث انكماش في الأسعار. ونتيجةً لتلك التطورات توقف تأثير العوامل الخارجية في التضخم في المملكة منذ الأزمة المالية العالمية، إلا أن بعض المسؤولين ما زال يضع اللائمة على المؤثرات الخارجية. وعلى الرغم من اضمحلال تأثير العوامل الخارجية في التضخم في المملكة، إلا أن بيانات التضخم الرسمية في المملكة تشير إلى وجود ضغوط تضخمية متوسطة وفي حدود 5 في المائة خلال السنوات الأربع الماضية، كما تشير التوقعات إلى احتمال استمرارها في الأمد المتوسط.
وشهد الاقتصاد المحلي ضغوطاً على الأسعار بسبب السياسات المالية والنقدية التوسعية خلال السنوات الماضية. فقد تصاعد الإنفاق الحكومي بشقيه الجاري والاستثماري، ما دفع الطلب المحلي الكلي بقوة وقاد إلى ضغوط قوية على الأسعار. ودعمت السياسة النقدية التوسعية التوسع المالي، حيث أدت هذه السياسة إلى انخفاض تكاليف الإقراض، ما قاد إلى نمو قوي في الائتمان المحلي وعزز الطلب المحلي الكلي وساهم في زيادة الضغط على الأسعار. وأدت زيادة الطلب الكلي إلى نمو قوي في قيم الواردات، واختناقات في بعض السلع والخدمات المحلية كالسكن. وجاءت هذه الاختناقات بسبب عجز المنتجين المحليين عن تلبية الطلب المحلي، ما قاد إلى زيادات قوية في أسعار هذه السلع والخدمات.
ولا تعتبر معدلات التضخم الرسمية سيئة كما يتصور البعض، إلا أن هناك شكوكاً لدى كثير من الناس حول دقتها في قياس التضخم الفعلي. ولا تبرر هذه الشكوك التهويل من معدلات التضخم من دون الاستناد إلى بيانات فعليه سليمة. وعلى الرغم من أن بيانات التضخم الرسمية متوسطة المستوى خلال الفترة الماضية إلا أنها تعكس وجود ضغوط تضخمية محلية حقيقية في الاقتصاد. وكخطوة أولى للتعامل مع هذه الضغوط ينبغي الاعتراف بأنها جاءت نتيجةً لعوامل محلية حتى يمكن التعامل معها والتصدي لها. ويتطلب التغلب على العوامل الداخلية التخفيف من آثارها من خلال خفض معدلات نمو الإنفاق الحكومي وإظهار بعض التشدد في السياسة النقدية. وستحد هذه السياسات من معدلات النمو القوي في الطلب المحلي الكلي واحتمال تسببه في رفع معدلات التضخم عن المستويات الموجودة في الوقت الحالي
تعليقات