هدنة هشة تهدِّد توازن التجارة الدولية من جرّاء قصور الإصلاحات بقلم آلان بيتي وآليس

الاقتصاد الآن

536 مشاهدات 0


كان هناك وقت، بين عامي 1839 و1842، عندما كانت الإمبراطورية البريطانية قادرة على تسوية الخلل في توازنها التجاري عن طريق إرسال السفن الحربية البحرية الملكية إلى نهر بيرل وشنغهاي لكي تجبر الصين على قبول الواردات من الأفيون.

على النقيض من ذلك، تلاشت ''حروب العملة'' عام 2010 دون إراقة دماء. تلك الصراعات - التي كان المقاتلون الرئيسيون فيها هم الولايات المتحدة والصين، مع البرازيل وبعض الأسواق الناشئة النشطة الأخرى – كانت تنطوي على اتهامات شرسة بشأن تخفيض قيمة العملة التنافسية لزيادة الصادرات. وبعد عامين، تقلصت الاختلالات في الحساب الجاري وتبددت التوترات بشأن أسعار الصرف.

ومع ذلك، فمن الممكن أن يثبت الانتعاش المتعثر في الاقتصادات المتقدمة وتباطؤ النمو في الاقتصادات الناشئة، أن الانفراج ما هو إلا هدنة وليس سلاما دائما.

ويقول ستيفن دوناواي، وهو مستشار اقتصادي سابق ومسؤول كبير في صندوق النقد الدولي: ''لم تتقدم إعادة التوازن، كما أن الكثير من المكاسب تُعَد سطحية''. تحركات الحساب الجاري، وخاصة في الصين، غالبا لا تكون مصحوبة بهذا النوع من إعادة التوازن الداخلي المرجح لجعلها دائمة. ومع ''الاحتياطي الفيدرالي'' الذي شرع أخيرا في نوبة من السياسة النقدية الحرة بشكل فائق، ومع الجولة الثالثة من التيسير الكمي، فإن هناك اتهامات بأن الولايات المتحدة تضعف الدولار من أجل ميزة تنافسية لمعاودة الظهور.

ومن الظاهر، أن عملية إعادة التوازن تسير على خطى جيدة، ونمط العقد الطويل لتمويل البائع – المزمن- فائض الصين واقتصادات آسيا الأخرى التي تقرض الأموال من أجل العجز الذي تعانيه الولايات المتحدة لشراء الصادرات – ينكسر بسرعة شديدة. يتوقع صندوق النقد الدولي في شهر أيلول (سبتمبر) 2011 حدوث فائض في الحساب الجاري الصيني بنسبة 5.2 في المائة من الناتج الإجمالي المحلي لعام 2011، ولكنه جاء بنسبة 2.8 في المائة فقط.

أما الصندوق، الذي ينظر في اختلال التوازن بشكل عالي التدقيق بسبب دوره المركزي في محاولة الوساطة في حروب العملة، فقد خفض توقعاته هذا العام عن الفائض الصيني خلال خمسة أعوام من نسبة 7.8 في المائة إلى 4.3 في المائة من الناتج الإجمالي المحلي. وكما يحدث عادة، فهذا فقط يعلو فوق مستوى 4 في المائة التي حاولت الولايات المتحدة وفشلت في الفوز بالموافقة عليه كحد قياسي عالمي خلال اجتماع مرير في مجموعة العشرين في كوريا الجنوبية عام 2010.

في التقييم العالمي (المراقب بشدة) المنتظم الأخير، قال وليام كلاين وجون وليامسون من معهد بيترسون في واشنطن للأبحاث، أن العملات هي أقرب إلى القيمة العادلة من أي وقت مضى منذ أن بدأت التقديرات في عام 2008. وقد انخفض اختلال المتوسط العالمي، قياسا بحجم الاقتصاد، من 8.4 نقطة مئوية في عام 2009 إلى 2.6 نقطة مئوية فقط الآن.

مع صادرات الولايات المتحدة التي نمت بشكل كبير خلال العامين الماضيين، متجاوزة بشكل مريح الاقتصاد ككل، حتى الحرارة السياسية في أمريكا بشأن هذه القضية انخفضت إلى حد ما. ووعد ميت رومني، المرشح الرئاسي الجمهوري، بتسمية الصين دولة تتلاعب في العملة وذلك في أول يوم له في منصبه، ولكن العمل سيكون رمزيا إلى حد كبير – وقد توقفت تشريعات معاقبة بكين على اختلالات أسعار الصرف في الكونجرس الأمريكي. وفي الوقت نفسه، قام الرئيس باراك أوباما بالترويج لإعادة التوازن الذي تحقق بالفعل - وخاصة ''في الداخل''، وبذلك قدم وظائف التصنيع إلى أمريكا - كجزء من حملته الانتخابية. وقال آيل برينارد، أكبر مسؤول اقتصاد دولي في وزارة المالية الأمريكية ، في شهر تموز (يوليو): ''إن ارتفاع سعر الصرف هو بداية لإحداث اختلاف للمصدرين لدينا وعمالنا''.

حتى الآن يحذر العديد من الاقتصاديين من كون جميع هذه المكاسب محفوفة بالمخاطر. جزئيا لأنها تعكس ببساطة حقيقة أن اختلال توازن الحساب الجاري يقع عادة عندما تكون الاقتصادات ضعيفة، وأن المستهلكين والشركات تقوم بتقليص السلع المستوردة والخدمات. الولايات المتحدة، على سبيل المثال، نمت نموا بمعدل ضعيف يزيد قليلا على 2 في المائة على مدى العامين الماضيين - بما يكفي لتحقيق الاستقرار في العمل ولكن من شبه المؤكد أن ذلك يترك فجوة كبيرة بين الناتج الإجمالي المحلي الفعلي والمحتمل.

توقعات صندوق النقد الدولي هي محاولة لتصحيح دورة الأعمال من أجل الدولة. ولكن بعد فترة طويلة من الضعف الاقتصادي العالمي وتراكم الديون الاستهلاكية في الولايات المتحدة، فإنه من الصعب محاولة معرفة ما الناتج الإجمالي المحلي المحتمل، ناهيك عن كم من الوقت سوف تستغرقه الولايات المتحدة لاستعادته. ويقول دوناواي: ''على غير العادة، فإن الطلب على السلع الاستهلاكية لم يخلص الاقتصاد من الركود، وهناك عنصر دوري ضخم في خفض العجز''.

لا تبدو التطورات في الاقتصادات الأخرى، وبخاصة الصين، وكأنها نمط جديد ومستدام. التوافق الواسع بين صانعي السياسات الدولية بشأن ما ينبغي أن تفعله الصين - والهدف المعلن لبكين في خطتها الخمسية الحالية - هو التحول من الاعتماد على الصادرات إلى الطلب على السلع الاستهلاكية. ولكن الانخفاض في فائض الحساب الجاري للصين يدين بالمزيد إلى تصاعد الاستثمار المحلي في أعقاب برنامج التحفيز من 2008- 2009 - على وجه الخصوص، تخزين المعادن المستوردة وشراء آلات وأدوات الإنتاج. ولا يزال الاستهلاك منخفضا للغاية، أقل من 40 في المائة من الناتج الإجمالي المحلي.

وقد قام صندوق النقد الدولي في شهر نيسان (أبريل) بتقدير أن ارتفاع الاستثمار لعب تقريبا دورا كبيراً في الحد من فائض الحساب الجاري للصين بين عامي 2007 و 2011 كما فعل التقدير الحقيقي لقيمة الرنمينبي خلال تلك الفترة. في الواقع، واحدة من السمات البارزة التي شهدها العام الماضي أو نحو ذلك هو أن العملات تبدو وكأنها نمت أقل بكثير وغير محاذية دون تحريك. تظهر تقديرات معهد بيترسون هذا العام انخفاض قيمة الرنمينبي بنسبة 7.7 في المائة أمام الدولار، مقارنة مع 28.5 في المائة العام الماضي. حتى الآن لم ترتفع قيمة الرنمينبي سوى 3 في المائة أمام العملة الأمريكية خلال تلك الفترة، وليس بواسطة الكثير في القيمة الحقيقية.

وحيث تم تمويل ارتفاع الاستثمار في الصين عن طريق المزيد من الاقتراض من جانب الحكومات المحلية المدينة بالفعل والشركات المملوكة للدولة، فقد أعطى ذلك العون لهؤلاء الذين يحذرون من أن مسار بكين ليس مستداما. ويقول مايكل بيتيس، وهو أستاذ في جامعة بكين '' قد أنهى كل بلد مع أنموذج مدفوع بالنمو مع مشكلة الديون''.

يعتقد الكثير من الاقتصاديين - والإدارة الأمريكية – أن الصين تحتاج إلى تقدير الرنمينبي بشكل أكبر، جنبا إلى جنب مع الإصلاح المالي، لمساعدة المستهلكين على شراء السلع المستوردة. لكن في الوقت الراهن، تشعر بكين بقلق حيال النمو على المدى القصير أكبر من نظيره حيال التوازن على المدى الطويل، وإذا كان أي شيء يمثل الضغط في اتجاه نزولي على اليوان. وقد انتقلت العملة بالكاد أمام الدولار هذا العام لكن، ومنذ توقف ارتفاع احتياطيات الصين من النقد الأجنبي أيضا، بدا ذلك كأنه يعكس تدفقات السوق الرأسمالية المدفوعة بدلا من التلاعب الرسمي.

تدفقات رأس المال من الصين قد تعكس عدم اليقين السياسي قبيل تغيير قيادة بكين مرة واحدة في كل عقد، المقرر أن تتم الشهر المقبل. الأدهى من ذلك، أنها قد تشير إلى الشركات المحلية على أنها تأخذ المال في أي مكان آخر لأن لديهم وجهة نظر مباشرة لإضعاف الاقتصاد. يقول جرانت الدوناس، العضو المنتدب لشركة الاستشارات الدولية روك سبليت ومستشار حملة رومني: ''المفارقة هي أننا نقوم بالتركيز على العملة الصينية في حين أن فقاعة الاقتصاد الصيني تنهار''.

في الواقع، إن أسوأ نتيجة هي تخفيض العجز والفوائض من خلال ركود عالمي طاحن، هذا يشبه قطع أنف شخص لإعادة توازن وجهه. وعلى الرغم من قصر ذلك، فإن أي إضعاف آخر في الاقتصادات الكبيرة من المرجح أن يثير التوتر بشأن عدم التوازن والعملات؛ واحدة من أكبر المخاطر هي أن ضعف الطلب الأوروبي سوف يبدد الصادرات الآسيوية.

وقد حفزت خطوة ''الاحتياطي الفيدرالي'' الأخيرة الشكاوى من بعض المشتبه بهم المعتادين. وأثار جويدو مانتيجا، وزير المالية البرازيلي الذي كان أول صانع للسياسة البارزة لاستخدام تعبير ''حرب العملات'' عام 2010، شبح تخفيض القيمة التنافسية مرة أخرى. لم يصل التوتر حول أسعار الصرف إلى أعلى مستوياته بعد منذ عامين ولكن يتم سحب بعض الاقتصادات المتقدمة، ولا سيما تلك التي ظهرت كملاذات، داخل الصراع.

إضافة إلى العمل المحدد من جانب سويسرا باستمرار الضغط على الفرنك، فقد استجاب بنك اليابان إلى إجراء ''الاحتياطي الفيدرالي'' من خلال الإضافة إلى برنامج التيسير الكمي بعد تراجع الدولار أمام الين. والمستثمرون في حالة تأهب لمزيد من الإجراءات من طوكيو، بما في ذلك التدخل في العملة على نطاق واسع إذا واصل الين التعزيز.

وبالمثل، أعرب مسؤولو البنوك المركزية في أستراليا والسويد عن القلق إزاء التقدير. وقال جلين ستيفنز، رئيس البنك المركزي الأسترالي، الشهر الماضي، أن الدولار الأسترالي يجري النظر إليه بشكل متزايد من قِبَل المستثمرين العالميين على أنه ملاذ. في ما ينظر إليه البعض على أنه تعليق ثقيل، وأعرب أيضاً عن دهشته من أن ''مؤسسة المحافظين'' مثل البنك الوطني السويسري سوف يضيف الدولار الأسترالي إلى احتياطياته. وقد حذر البنك المركزي السويدي في شهر أيلول (سبتمبر) أن الكرونا قد قدرت ''السرعة غير المتوقعة'' في الأشهر القليلة السابقة.

وفي الوقت نفسه، إذا ما تم جر الأسواق الناشئة بأعداد ضخمة، فإنها يمكن أن تكون أكثر مقاومة للضغوط عن عام 2010 من الاقتصادات المتقدمة إلى السماح بقيمة سعر الصرف والمزيد من العجز التجاري. ويقول ديفيد لوبين، من ''سيتي جروب''، إن أكبر 24 اقتصادا من الأسواق الناشئة باستثناء الصين كانت تدير صافي عجز تجاري يبلغ 134 مليار دولار أمريكي في الأشهر الستة الأولى من عام 2012، مقابل 38 مليار دولار أمريكي فقط في النصف الأول من عام 2010.

ويقول: ''في المرة الأخيرة، كانت بعض الأسواق الناشئة حساسة نسبياً لرؤية عملاتها تتعزز لمساعدتهم على التعامل مع الضغوط التضخمية ولأن الصادرات كانت صحية''. ويضيف: ''الآن، لدى العديد مشكلة خارجية ويشعرون بالقلق من تفاقم ذلك عن طريق السماح بزيادة نمو الائتمان الخاص. وهذا يحد من قدرة الاقتصادات المتقدمة على تصدير طريقتهم إلى دولة أكثر توازنا من خلال البيع إلى الأسواق الناشئة''.

المشكلة الأساسية التي لا تزال قائمة هي أن هناك العديد من البلدان تحرص على التصدير بشكل أكبر من التركيز على الاستهلاك، وعدم ترحيل الكثير من طلبات التصدير. الولايات المتحدة ليس لديها الرغبة في العودة إلى كونها مستهلك الملاذ الأخير. في منطقة اليورو، وعلى الرغم من أن الوضع الخارجي ككل كان متوازنا إلى حد كبير، فإن الاقتصادات المتعثرة في آيرلندا وإسبانيا واليونان والبرتغال في حاجة ماسة إلى زيادة الصادرات.

وفي الوقت نفسه، فإن حجم التجارة العالمية، بعد أن تعافى من انهياره بذكاء في أعقاب سقوط بنك ليمان براذرز في عام 2008، قد تباطأ بشكل حاد. حيث خفضت منظمة التجارة العالمية أخيرا توقعاتها عن تجارة السلع العالمية بنسبة 2.5 في المائة من الزيادة هذا العام، مقابل 5 في المائة في العام الماضي و 13.9 في المائة عام 2010. تتحرك التجارة عموما مع - على الرغم من كونها أكثر تقلبا - الناتج المحلي الإجمالي العالمي، لذلك هذه ليست إشارة جيدة للنمو على المدى القصير وليست مفيدة لإعادة التوازن على المدى المتوسط. هذا وقد جاء التخفيض في فوائض الحساب الجاري العالمي والعجز في السنوات القليلة الماضية مدهشاً، و فترة الهدوء التي تسلمتها الدبلوماسية الاقتصادية كانت موضع ترحيب. ولكن سوف يكون من السابق لأوانه الاستنتاج بأنه قد تم حل المشكلات الأساسية وأن فترة السلام والرخاء المستدامة قد بدأت.

 

 

الآن:الاقتصادية

تعليقات

اكتب تعليقك