وطأة العقوبات الاقتصادية القاسية تخنق إيران بقلم خافيير بلاس

الاقتصاد الآن

هل تدفعها إلى إغلاق «هرمز»؟

739 مشاهدات 0



أظهر الرسم البياني المياه العميقة تحت العارضة الرئيسة في الوقت الذي تتجه فيه ناقلة النفط إم ستار بسلاسة للخروج من الخليج. ولكن بعد منتصف الليل بدقائق، وفي 26.27 درجة شمال، و56.14 درجة شرق، في المياه العمانية، ترنحت السفينة فجأة.

وذكر القبطان وبعض من طاقمه المكون من 30 هنديا وفلبينيا أنه كان هناك وميض تبعه ما يشبه الانفجار في الصوت والشكل.

صمد الهيكل المزدوج، الذي يحمل نحو مليوني برميل من النفط الخام، أمام الانفجار ولكن كان الضرر واضحاً بالداخل. وأمر القبطان بتغيير فوري في المسار إلى أقرب ميناء، الفجيرة، الإمارات العربية المتحدة. أمّا عندما ألقت الناقلة المرساة، عثر الطاقم على تأثير بعرض 11 مترا وعمق متر واحد في الهيكل الأيمن فقط فوق سطح الماء الذي عاني من علامات الانفجار.

وما زال الغموض يحيط بهذا الحادث. وفقاً لشركة خطوط ميتسوي أو أس كي، وأصحاب السفينة، يبدو أن هناك 'هجوم من مصادر خارجية'. ولكن مهما حدث في تلك الليلة من شهر تموز (يوليو) 2010، فإن الانفجار الذي ضرب ناقلة بطول 330 مترا هو بمثابة تذكير للمخاطر التي تقع في مضيق هرمز، والذي يُعتبَر أهم رابط للطاقة في العالم. وهناك نحو 35 في المائة من النفط الخام الذي يمر بطرق الناقلات من خلال نقطة الاختناق بين إيران وعمان بطول 21 ميل بحري.

وفي حالة إم ستار، أبعدت طهران نفسها بسرعة عن الانفجار، قائلة إنه يجب أن يكون هذا حادثاً عرضيا. وبعد عامين في وقت لاحق، زادت المخاوف بشأن إيران.

لقد أصبحت العقوبات المفروضة على إيران أكثر صرامة وازداد الشعور بآثارها عبر البلاد حيث تتزايد المخاوف من أن القيادة الإيرانية، التي تواجه زيادة الاضطرابات الداخلية بشأن التضخم المتصاعد، تستمر في الخسارة شيئاً فشيئا من خلال الاقتراب من حافة الهاوية الآن حيث يعاني دخل النفط التقلص بنسبة كبيرة. لعدة سنوات أعتاد تجار النفط على الخطابة من إيران التي وقفت تستعد إلى صدمة أسواق الطاقة العالمية من خلال منع الطريق البحري ردا على العقوبات أو الهجوم الإسرائيلي. وهم يشكون في أن ذلك سيكون هندسة الأزمة في منطقة حرجة لبقائها الاقتصادي. ولكن تراجع صادرات النفط الإيراني تعني أن طهران المحاصرة من الممكن أن تشهد مواجهة في المضيق في فعل هو أقل من التضحية بالنفس وأكثر من مقامرة محسوبة.

نظرا إلى تراجع إيران الاقتصادي المتقلب، فإن الحكومات تصغي بشكل كبير إلى تهديدات طهران فيما يخص إمداداتها من النفط الخام. الشهر الماضي، فقط، قامت الدول الغربية بأكبر مجهود لإزالة الألغام في منطقة الخليج، مؤكدة الأهمية الحاسمة لحماية مضيق هرمز.

لقد أنفقت الحكومات أيضاً، بما في ذلك السعودية، المليارات على خطوط أنابيب لتجاوز المضيق، وتسريع العمل على مدى الأشهر الـ 18 الماضية. وإضافة إلى ذلك، فهي تقوم ببناء مرافق تخزين النفط بالقرب من الأسواق الرئيسة في محاولة لضمان إمدادات النفط حتى في حالة وجود صدام عسكري.

وفي وقت سابق من هذا العام، فتحت الرياض وأبو ظبي خطوط أنابيب جديدة من شأنها أن تزيد من قدرة البلدان على تجاوز المضيق. وستعمل بكامل طاقتها وهي 6.5 مليون برميل، أي نحو 40 في المائة من مجموع التدفقات، فهي ستكون الآن قادرة على اتخاذ طرق بديلة. ويقول إدوارد مورس، رئيس قسم أبحاث السلع في بنك سيتي جروب الأمريكي السابق ونائب مساعد وزير الخارجية لشؤون سياسة الطاقة الدولية: 'إن الشرق الأوسط الآن على استعداد أفضل من العام الماضي بكثير لتخفيف أثر الاضطراب في مضيق هرمز'.

ومع ذلك، وعلى الرغم من هذه المشاريع الجديدة، فإن الغالبية العظمى من تجارة النفط المنقولة بحرا تظل تحت رحمة مضيق هرمز. الكويت وقطر والبحرين وإيران نفسها لا تملك طرقا بديلة يمكن من خلالها شحن النفط.

إنه من المستحيل أن نقلل من دور الممر المائي في أسواق الطاقة. وقد أطلق عليه سايروس فانس، وزير الخارجية الأمريكي الأسبق، ذات مرة اسم 'حبل الوريد' للاقتصاد العالمي.

وخنق هذا الوريد من الممكن أن يدفع أسعار النفط والغاز الطبيعي إلى مستويات من شأنها أن تعرض النمو الاقتصادي في جميع أنحاء العالم إلى الخطر. يقول ديفيد جولدوين، مستشار في واشنطن، ودبلوماسي في وزارة الخارجية الأمريكية لشؤون النفط حتى وقت قريب، إن المضيق هو: 'الأعلى من قائمة المخاطر' لمخططي الطاقة والعسكرية. ويضيف: 'يعتبر واحدا من نقاط الضعف التي لدينا فيما يخص إمدادات النفط'.

في العام الماضي، هناك ما يقرب من 17 مليون برميل يومياً من النفط المنتج في دولة الإمارات وقطر والبحرين والسعودية والكويت والعراق وإيران تم تمريره من خلال المضيق. وعلاوة على ذلك، فإن هناك نحو 2 طن مكعب سنويا من الغاز الطبيعي المسال - الغاز فائق التبريد يتم تحويله إلى سائل بحيث يمكن شحنه بحراُ عبر المضيق، أي ما يعادل تقريبا 20 في المائة من التجارة العالمية للغاز الطبيعي المسال.

وتعطي التجارة في مثل هذا النطاق رافعة قوية للجيش الإيراني. في الشهر الماضي فقط، قال الجنرال محمد علي جعفري، قائد الحرس الثوري: 'إذا حدثت حرب في المنطقة وكانت إيران متورطة فيها فإنه من الطبيعي أن يواجه المضيق وسوق الطاقة العديد من الصعوبات'. وفي العام الماضي ذكر الأميرال ساخرا أن إيران تستطيع غلق المضيق: 'أسهل من شرب كأس من الماء'.

وقد كان تجار الطاقة على ثقة منذ فترة طويلة بأن تهديدات إيران ما هي إلا جعجعة، وتهدف إلى تثبيط الضربات الجوية من إسرائيل والولايات المتحدة ضد منشآتها النووية. والمضيق هو، في النهاية، ليس فقط بوابة لجميع صادرات إيران النفطية الخاصة ولكن أيضا لكثير من الواردات الغذائية. يبدو أن هناك خطرا ضئيلا حول استعداد إيران للمخاطرة في صراع. ولكن بدأ التراجع المالي للبلاد يثير قلق صانعي السياسة.

إن صناعة النفط الخام المحتضر هو مصدر قلق خاص. والعقوبات تعني أن الإنتاج يتناقص بسرعة، ليصل إلى أدنى مستوى له منذ 22 عاما وذلك في الآونة الأخيرة. وقد انخفضت صادراتها من 2.4 مليون برميل يومياً في أوائل عام 2011 إلى 0.8 مليون برميل يومياً فقط في شهر آب (أغسطس). وإذا انخفضت الصادرات أكثر من ذلك بكثير، فإن حوافز إيران لإغلاق المضيق ستزداد لأنه لا داعي للقلق كثيرا حول تدفق النفط.

يواجه الرئيس محمود أحمدي نجاد أيضا السياسة الداخلية المضطربة على نحو متزايد مع السياسيين المحافظين ورجال الأعمال الذين كثفوا الصراع على السلطة قبل انتخابات العام المقبل. حيث قام التجار هذا الأسبوع بإضراب احتجاجا على هبوط قيمة الريال.

من الممكن أن يسعى خوف أحمدي نجاد إلى التحويل من خلال المبارزة المحمومة الدولية، ويقول صناع السياسات أن إيران يمكن أن تجد بسهولة سبلا لتعطيل إمدادات الطاقة العالمية دون هجوم مباشر. يجادل البعض أنها تستطيع أن تصعد إلى كل ناقلة نفط تعبر مياهها الإقليمية تحت ذرائع أخرى، مثل التفتيش عن تهريب الأسلحة. يخشى آخرون أنها من الممكن حتى أن تستخدم وكلاء لمكافحة حربها مثل المنظمات الإرهابية لتنفيذ هجمات. ومثل هذه الأعمال تقوم بإبطاء تدفقات النفط ورفع الأسعار على سواء. وستفوز طهران بنصر مزدوج وهو: استمرار مبيعات النفط المتبقية الخاصة بها مع الاستفادة من ارتفاع الأسعار. تقول أمريتا سين، محللة شؤون النفط في شركة إنيرجي آسبيكتس ومقرها لندن، إن الضغوط الداخلية والانهيار الاقتصادي قد تجبر طهران على العودة إلى طاولة المفاوضات بشأن برنامجها النووي. وتقول: 'لكن، من جهة أخرى، من الممكن أن تجعل من المرجح القيام بعمل استفزازي من قِبَل أحمدي نجاد'.

سعياُ إلى مواجهة النفوذ الإيراني، تقوم العديد من الدول ببناء وجودها العسكري في الخليج. حيث تضم مناورات شهر أيلول (سبتمبر) العشرات من السفن الحربية من عدة جهات من بينها الولايات المتحدة والمملكة المتحدة واليابان وفرنسا ونيوزيلندا وهولندا وإيطاليا وأستراليا وكندا. وأكدّ الملازم أول، جريج ريلسون، المتحدث باسم الأسطول الخامس الأمريكي الذي يقوم في أغلب الأحيان بإبقاء واحدة من حاملات الطائرات في الخليج، أن مضيق هرمز هو أمر حاسم بخصوص 'اقتصاديات الوقود في جميع أنحاء العالم'.

يكاد يكون من المستحيل حساب تكلفة حفظ الأمن في الخليج ولكن يقدم شريف عبد المسيح، الرئيس التنفيذي لشركة فيوتشر إنيرجي للطاقة، خلفية عن القيمة التقريبية للغطاء قائلاً: إن الولايات المتحدة تنفق 90 مليون دولار تقريبا على الأسطول الخامس ومقره البحرين أو ما يقرب من 15 دولارا عن كل برميل يعبر مضيق هرمز.

بينما تقدم واشنطن وحلفاؤها في حلف الناتو الجزء الأكبر من الوجود البحري في المضيق، فإن هناك دعوات متزايدة للبلدان الآسيوية لكي تلعب دور أكبر حيث إنها تعتمد بشكل متزايد على مضيق هرمز. في العام الماضي، لم يمر سوى 16 في المائة من النفط الذي اشترته الولايات المتحدة عبر المضيق، منخفضاً من 24.5 في المائة عام 1990. في الوقت نفسه، ارتفع اعتماد الهند والصين على المضيق بشكل مطرد في العام الماضي ليصل إلى 63 و 42 في المائة من إجمالي الواردات النفطية على التوالي. أما من البلدان المتقدمة، فإن اليابان هي الأكثر تعرضا، حيث يمر 82 في المائة من وارداتها عبر مضيق هرمز.

بعيداً عن تحسين الاستعداد العسكري، يمكن النظر إلى واحدة من الردود على المخاوف بشأن هرمز في الصحراء تحت الجبال على مشارف إمارة الفجيرة.

تقف ثمانية خزانات بيضاء على موقع البناء الصاخب، كل واحد منها يبلغ 110 أمتار في القطر، أو طولها مثل طول ملعب لكرة القدم. تستطيع سويا حمل ثمانية ملايين برميل من النفط الخام، وهو ما يكفي لتزويد دولة أوروبية متوسطة الحجم مثل بلجيكا لمدة أسبوعين. هذه السفن الهائلة الجديدة تقع في نهاية خط أنابيب طوله 370 كيلومترا يربط حقول النفط بالقرب من أبو ظبي مع ميناء الفجيرة في المحيط الهندي. تصل سعة خط الأنابيب البالغ تكلفته 3.5 مليار دولار أمريكي إلى 1.5 مليون برميل يومياً أو نحو 55 في المائة من صادرات البلاد.

مثل هذه المحاولات لإيجاد سبل لتجاوز المضيق بعيدة كل البعد عن كونها نادرة. وقد حولت السعودية خط الأنابيب المستخدم، حتى الآن، لنقل الغاز الطبيعي حتى تتمكن من نقل النفط الخام. خط الأنابيب البالغ 12,00 كيلومترا، والذي يستطيع نقل ما يصل إلى مليوني برميل يومياً أو 25 في المائة من صادرات النفط في البلاد – يتم تشغيله من حقول النفط في المنطقة الشرقية على ساحل الخليج إلى محطة بالقرب من ينبع على البحر الأحمر. وقد تم بناء خط أنابيب بشكل مبدئي بقطر 48 بوصة في أوائل الثمانينيات أثناء الحرب بين العراق وإيران، عندما هاجم كل من الجانبين ناقلات النفط في الخليج، لنقل النفط الخام كجزء من ما يسمى 'إيست ويست بيترولاين'. وقد تحول الخط في وقت لاحق إلى نقل الغاز الطبيعي لكن الرياض تقوم الآن بترقيته بهدوء ليقوم بنقل النفط الخام. يقول مسؤولون في الصناعة إن شركة أرامكو السعودية تقوم بإجراءات مسرعة للمشروع، مع القلق قليلا بخصوص التكلفة.

بالتوازي مع هذا الخط إلى البحر الأحمر، فإن السعودية لديها أيضا أكبر رابط بديل: وهو خط أنابيب بقطر 56 بوصة، تم بناؤه قبل ثلاثة عقود كجزء من نظام 'بيترولاين'، والذي يستطيع حمل ثلاثة ملايين برميل يومياً.

تملك العراق خط أنابيب طوله 970 كيلومترا يربط حقول النفط الشمالية إلى ميناء شيهان التركي في البحر المتوسط. لدى خط الأنابيب المزدوج القدرة الاسمية التي تصل إلى 1.6 مليون برميل يومياً، ولكن عدم وجود صيانة، إلى جانب الهجمات، قد قلصت قدرته إلى 400 ألف برميل يومياً.

وإضافة إلى ذلك، هناك خطوط أنابيب أخرى عديدة عبر المنطقة، ولكن بعضها تضرر أو تم تدميره تقريبا. العراق، على سبيل المثال، لديها خط أنابيب تبلغ قدرته 300 ألف برميل يومياً يربط حقول النفط في الشمال مع ميناء بانياس السوري في البحر المتوسط. الآن وبعد مرور نصف قرن، هو خارج التشغيل بعد أن تم ضربه بقنابل أمريكية في عام 2003. وأخيرا، تملك السعودية خط أنابيب يبلغ عمره 60 عاما، معروف باسم خط الأنابيب عبر البلاد العربية، أو 'التابلاين'، والذي يربط حقولها النفطية الرئيسة مع منفذ على البحر المتوسط في صيدا - لبنان، ويتم تشغيله من خلال الأردن وسورية. ومع ذلك، فقد كان خط الأنابيب البالغ طوله 12,00 كيلومترا خارج العمل لعدة عقود، ومن المفترض أنه تم تدميره.

حتى لو كانت كل هذه الأنابيب تعمل بكامل طاقتها وتقوم بالربط بشكل مثالي، فإن مشكلة الأمن الأساسية لا تتغير بشكل ملحوظ. لا تزال السفن مثل إم ستار في حاجة إلى الإبحار عبر مضيق هرمز. يعبر مضيق هرمز يوميا ما معدله 13 ناقلة نفط عملاقة، تمثل كل واحدة منها هدفا محتملا.

 

 

الآن:الاقتصادية

تعليقات

اكتب تعليقك