لماذا لا نرى اندماجا في قطاعنا المصرفي إلا عند حدوث أزمات؟ بقلم زياد محمد الغامدي
الاقتصاد الآنديسمبر 6, 2012, 3:46 م 532 مشاهدات 0
عند تتبع تاريخ الاندماجات التي حدثت في قطاعنا المصرفي نلاحظ أن الدافع الأساسي وراءها هو إنقاذ وضع قائم ومختل لأحد المصارف المندمجة. بمعنى أن طرفا ضعيفا لا يملك القدرة على الاستمرار كمصرف يندمج مع آخر قوي يملك القدرة على إصلاح الإخفاقات القائمة. ودون الدخول في السرد التاريخي لوقائع الاندماجات بين المصارف السعودية، يلاحظ أن القطاع المصرفي السعودي لم يشهد أية عملية اندماج بين مصرفين أو (أكثر) صلبين وذوي ملاءة ممتازة ليتولد مصرف عملاق بقاعدة ودائع فائقة وركيزة رأسمالية متينة تمكن له أن يحقق أهدافا تنموية وطنية، وتمكنه من أن ينافس على تقديم القروض والخدمات على الصعيد الدولي.
وأتفهم وجهة النظر التي ترى أن في إبقاء عدد من المصارف القوية محافظة على المنافسة الصحية في هذا القطاع، إلا أنني لا أرى أن هناك مبررا للخوف على الوضع التنافسي للمصارف في حال تم الدمج، خصوصا مع التصريح للبنوك الأجنبية بفتح فروع لها داخل المملكة لتقديم الخدمات والقروض، بل على العكس، إن دمج المصارف السعودية القوية والناجحة يولد كيانا ضخما يمكننا من اختصار مسافات زمنية طويلة. فعلى سبيل المثال، لو تم دمج البنك الأهلي وبنك الرياض ومجموعة سامبا، وجميعها تقدم خدمات مصرفية تقليدية وإسلامية على حد سواء، كما أن المصارف الثلاثة تملك حضورا دوليا أيضا، فإن المصرف الناتج سيكون برأسمال (حقوق ملكية) يفوق الـ95 مليار ريال، كما أن ودائع المصرف ستفوق الـ450 مليار ريال. كما أن مجمل الخبرات المتراكمة للعاملين في المصارف السابقة ستمكنه من المنافسة وبجدارة لا بأس بها دوليا. نعم هذه ليست كافية للمنافسة مع أكبر عشرين بنكا ولكنها نقطة بداية تستحق أن نُقدم عليها. كما أن الفوائد التي ستترتب على مثل هذا الاندماج المحمود هي جذب ودائع طويلة الأجل تخدم احتياجات المملكة التنموية، التي ستمكن وتسهل عملية الإقراض الطويل الأجل. ومن المناسب هنا الاستشهاد بكبير الاقتصاديين في البنك الأهلي الدكتور سعيد الشيخ الذي قال في إحدى المناسبات: 'إن البنوك السعودية تحتاج المزيد من الودائع الحكومية طويلة الأجل حتى تتمكن من تمويل المشروعات الضخمة ومشروعات البنية التحتية التي تحتاج فترة سداد طويلة'، كما أضاف: 'إن الحل الأمثل في رأيه هو دمج البنوك بحيث تقتصر على بنكين أو ثلاثة'.
وما سيسهل عملية الاندماج أن الدولة ممثلة في صندوق الاستثمارات العامة ومصلحة معاشات التقاعد والتأمينات الاجتماعية تمتلك (مجتمعة) حصص الأغلبية في كثير من البنوك ذات التصنيف العالي والممتاز، ما سيضمن سلاسة عملية الاندماج في حال تم وضعه في الحسبان وتم التصويت عليه. كما أن الوجود المصرفي السعودي الناجح والصلب دوليا ينبغي أن يكون نقطة دفع إيجابية للتفكير بجدية في المنافسة الدولية. فأحد المصارف السعودية تمتلك أكثر من 35 فرعا خارجيا في أكثر من أربع دول. ومصرف سعودي آخر يملك أكثر من 15 فرعا دوليا في ثلاث دول. كل ذلك يعد من عوامل النجاح التي يجب أن تدفع نحو هذا العمل الذي سيرتقي بمصارفنا ويأخذها إلى مدى جديد نستحق ونطمح أن نكون عليه.
إن الفوائد والمصالح التي سوف تتحقق من دمج المصارف الكبرى ذات التصنيفات المالية العالية، وذات الوجود الدولي، ينبغي أن تكون قوة دفع إيجابية لتحقيق الإيجابيات المرجوة من الاندماج. فالكيان الناشئ من مثل هذا الاندماج يحقق أهدافا تنموية ذات ضرورة قصوى كالقدرة على التمويل طويل الأجل. كما سيولد مصرفا أقدر على الوجود والمنافسة على الصعيدين الإقليمي والدولي على حد سواء. كما أن الخبرات المصرفية السعودية التي تراكمت في السنوات الماضية ينبغي أن تكون نقطة ومرتكز تطمين للمتحفظين على الإقدام على مثل هذه الخطوة.
إن القدرة على الصمود في وجه التقلبات الاقتصادية التي أصبحت سمة من سمات هذا العصر، وتحقيق التنافس المرجو الذي يؤسس لنمو مستدام، لا تتحقق إلا عن طريق تكوين كيانات عملاقة قادرة على خوض سباقات التنافس الاقتصادي وتحمل تقلبات الدائرة الاقتصادية الدولية.
تعليقات