الشكل الجديد للاقتصاد الصيني بقلم تشانج مونان
الاقتصاد الآنديسمبر 8, 2012, 1:35 م 406 مشاهدات 0
اجتذبت عملية انتقال السلطة اهتماماً عالمياً عام 2012، وهو أمر منطقي، نظراً لأهمية هذا البلد على الصعيد العالمي، ولكن الأمر الأكثر أهمية، هو أن التحولات الاستراتيجية الجارية الآن يبدو من المؤكد أنها ستؤثر في نمط النمو في المستقبل.
فعلى مدى ثلاثة عقود من الزمان، كانت المكاسب التي تحققت نتيجة القرار الأولي الذي اتخذه دنج شياو بينج بفتح اقتصاد الصين على قوى السوق والعالم سبباً في تغذية النمو السريع. وحتى وقت قريب كان المفتاح يكمن في المدد الهائل من العمالة المنخفضة التكاليف الذي قدمته الصين للعالم، والذي وفر الأساس للنموذج الصيني القائم على التصدير.
وبتركزه في المدن الساحلية، أنتج هذا النموذج توزيعاً غير متكافئ للناتج وعمل على ترسيخ نمط فريد من المدخرات المرتفعة والاستهلاك المنخفض، بل إن معدل الادخار في الصين ارتفع بشكل مضطرد بعد بداية إصلاحات السوق، من 38 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي عام 1978 إلى 51 في المائة عام 2007.
إن النمو الاقتصادي لا تحدده عوامل الإنتاج مثل العمالة ورأس المال والتكنولوجيا فحسب، بل وأيضاً الترتيبات المؤسسية. فعبر 30 عاماً من الإصلاح، نجحت الصين في استكمال الانتقال المؤسسي من اقتصاد مخطط بالغ المركزية إلى نظام ديناميكي يقوم على السوق. وبداية من الإدارة المنظمة في المناطق الريفية استناداً إلى نظام التعاقد الأسري، عملت الإصلاحات الصينية على إكمال الملكية العامة بأشكال أخرى متعددة من الملكية، مع اضطلاع السوق على نحو متزايد بدورها الجوهري في تخصيص الموارد في ظل سيطرة الدولة على الاقتصاد الكلي.
وتزامن الإصلاح مع تزايد العولمة، الأمر الذي أطلق العنان للقوى التي أعادت هيكلة ليس فقط الصناعة الصينية، بل وأيضاً عملية الإنتاج في مختلف أنحاء العالم، مع تحدي الصين أباطرة الصناعة الراسخين وتحولها إلى جزء من سلاسل الإمداد العالمية. وكان لجوء الاقتصادات المتقدمة إلى نقل الصناعات التقليدية، والصناعات المتطورة، بل وحتى بعض الخدمات إلى الخارج بأحجام هائلة، سبباً في خلق فرص كبيرة للأسواق الناشئة، التي تتمتع مثل الصين بميزات تتصل بالموارد والتكاليف، وإمكانات السوق الهائلة، وقدرات الدعم الصناعي.
وإذا تم تنفيذ هذه الأجندة بنجاح فمن المرجح أن تعمل على قلب أنماط الادخار والاستهلاك العالمية التي عززت اختلالات التوازن الضخمة في الأعوام الأخيرة. فكانت الصين مسؤولة عن جانب المدخرات، في حين مثلت الولايات المتحدة بشكل غير متناسب جانب الاستهلاك، حتى تحول الصينيون في نهاية المطاف إلى دائنين لأمريكا.
لا شك أن أنماط الادخار والاستهلاك العالمية خضعت لتغيرات كبيرة منذ الأزمة المالية، حيث يحاول الغرب وتحاول الصين استعادة التوازن الداخلي. ومن المرجح أن تؤدي مضاعفة متوسط دخل الأسرة في الصين بحلول عام 2020 - وهو الهدف الذي حدده مؤتمر الحزب الشيوعي الصيني الثامن عشر في تشرين الثاني (نوفمبر) - إلى إطلاق 64 تريليون رنمينبي (10,3 تريليون دولار أمريكي) كقوة شرائية إضافية، مع تحول السوق الداخلية الضخمة في الصين تدريجياً إلى محرك جديد طويل الأمد للنمو المحلي والدولي.
ولكن التنمية الاقتصادية لأي بلد تعتمد في نهاية المطاف على قدرتها على جمع رأس المال وتخصيصه بكفاءة. وفي ظل وجود نحو 90 تريليون دولار في هيئة أصول مصرفية ونحو 3.2 تريليون دولار في هيئة احتياطيات من النقد الأجنبي، فإن الصين الآن تلعب دوراً بالغ الأهمية في التمويل العالمي. ورغم هذا، فإن الحجم الضخم والنوعية الرديئة لهذه الأصول فرضت أيضاً تحديات فيما يتصل بقدرة البلاد على إتمام التحول من قوة تجارية إلى قوة مالية، وبالتالي استغلال الميزات التنافسية التي يتمتع بها رأس المال الصيني.
بعد ثلاثة عقود من النمو على نطاق غير مسبوق في تاريخ البشرية، فإن قادة الصين الجدد يواجهون نقطة تحول تاريخية. ونجاح الصين في تغيير نموذجها الاقتصادي في نهاية المطاف سوف يحدد آفاقها، ليس فقط فيما يتصل بتحقيق المزيد من النمو، بل أيضاً فيما يتصل بدوام الاستقرار.
تعليقات