أي موقف يا 'القبس'؟؟

كلام و سوالف

6970 مشاهدات 0

الوزير أنس الصالح

يوم 29 من أكتوبر الماضي - كتبت صحيفة القبس التي تعتبر من أكثر الصحف المطبوعة استقلالية - افتتاحية بصفحتها الأولى تشيد فيها بما أسمته باستقالة وزير التجارة أنس الصالح احتجاجا على مرسوم الصوت الواحد.

سجل الوزير أنس الصالح موقفاً للتاريخ عندما أعلن استقالته في احتجاج ضمني على تعديل التصويت في قانون الانتخاب.
ففيما كانت الأنظار موجهة إلى ردة فعل جرى التداول في احتمالاتها في الإعلام ومواقع التواصل والأوساط السياسية، اختار الصالح، وان وحيدا، استقالته التي تردد صدى جرأتها على أكثر من صعيد.
ويؤكد متابعون أن الحكومة عموماً ووزارة التجارة خصوصاً تفتقد الوزير الصالح وتفتقد رؤيته الإصلاحية.
فقد كان مقداماً عندما شرع في معالجة «شركات العفن» وشطب عدداً كبيراً منها، وكان فعالاً عندما أنجز تعديل قانون الشركات، وكان منصفاً وعادلاً عندما انتصر لهيئة أسواق المال، وكان صاحب أفكار إبداعية في الفريق الوزاري المكلف وضع حلول إصلاحية وأخرى انقاذية من تبعات الأزمة.
استقال الصالح بعدما ترك بصمة لا تنسى.. وهو مرتاح الضمير.. وهذا هو بيت القصيد لديه.
سجل أنس الصالح موقفاً للتاريخ عندما استقال من وزارة التجارة والصناعة على خلفية الأزمة التي احتدمت بين الحكومة وأغلبية مجلس 2012 بسبب تعديل التصويت في قانون الانتخابات.
لا شك في أن وزارة التجارة والصناعة ستفتقد أنس الصالح الذي ترك بصمة فيها رغم كل المعوقات والعراقيل التي اعترضته، فمنها ما حاول تجاوزه ومنها ما تركه على غاربه لصعوبة هيكلية في بنية تلك الوزارة المعقدة الصلاحيات والمتشعبة الاختصاصات، المترامية الأطراف ذات الصلة بها.
واذا كان لابد من تسجيل نقاط في مصلحته فإن سرعته في تعيين 3 مفوضين في هيئة أسواق المال كانت مضرب مثل على الفعالية وحسن إدارة ملف تعقَّد كثيراً أيام الوزيرة السابقة أماني بورسلي. فإذا به وفي أيام قليلة بعد توليه الحقيبة ينجز ما أخذ أشهراً من الشد والجذب، لكن الصالح لم يتوان عن اتخاذ الموقف الصح بتحييد هيئة الأسواق عن المتاهات والصراعات لتعمل وفقاً لقانون لطالما انتظره سوق الكويت منذ عقود.
وعمل الصالح على منح هيئة الأسواق ما تحتاجه، لا سيما عندما سرَّع فك الاشتباك الرقابي بينها وبين الوزارة، كما انه سعى جاهداً للتنسيق مع البنك المركزي في ملفات مشتركة مثل تعديل طريقة عمل التقييم العقاري ووضع قانون عصري للافلاس والحماية من الدائنين.
الى ذلك، حاول الصالح إنجاز تحديث قانون الشركات، وقبل أيام قليلة من استقالته كان ذلك المشروع بقانون قد أنجز على ان يكون أولوية للحكومة والمجلس المقبلين اذا أرادا وضع حد لمتاهة عمرها عشرات السنوات مع قانون عفى عليه الزمن وبات خارج العصر.
كما حاول الصالح إصلاح هيئة الصناعة وبادر الى تعيين شخص يفترض انه مؤهل لهذه المهمة وهو براك الصبيح، علماً بان إجراء مثل سحب القسائم الصناعية من المستثمرين غير الجادين بحاجة لمتابعة حثيثة، فضلاً عن الاسراع في وضع قسائم جديدة أمام الصناعيين الشاكين منذ سنوات من قلة تلك القسائم.
إلا أن الإجراء الأكثر جرأة كان إقبال الوزير الصالح على شطب مئات الشركات أو التراخيص التجارية، أي انه انقض فعلاً على ملف «شركات العفن» التي كان الوزير السابق أحمد الهارون أشار إليها فقط. وشطب تلك الشركات المتخلفة منذ سنوات عن إعداد ميزانيات يعد عملاً إصلاحيا بامتياز، لأنه اشار وبما لا يقبل الشك الى أن المحاسبة أفضل سبيل الى وضع الجميع أمام مسؤولياتهم.. وهكذا كان من دون ان يأبه لفلان أو علان ذي صلة بهذه الشركات العفنة، لأنه وضع مسطرة وطبقها على جميع المخالفين مهما علا كعبهم.
ومن بين إنجازات الوزير السابق تطعيم الوزارة بكوادر (ولو قليلة) من الكفاءات الراغبة بالإنجاز والحريصة على الفعالية، ولعل تلك الكفاءات تفعل فعلها في المستقبل ولا تتراخى مع غياب الوزير الصالح.
وقاوم الصالح ضغوطا كثيرة كانت استجابت لها الوزيرة بورسلي من نوع الضغط باتجاه وضع حلول انقاذية لشركات متعثرة معينة. فهذا الملف لم يكن اولوية عند الصالح الذي اعلن منذ اليوم الاول لتوليه الحقيبة ان هدفه الاساسي تحسين بيئة الاعمال عموما، وليس الهبوب لنجدة هذا او ذاك. وخير دليل ما قام به بسرعة التخلي عن مقترح اعدته دائرة في وزارته يفيد بتوريق الديون المتعثرة، كما انه كان واضحا في الفريق الذي تشكل أخيرا منه ومن الوزير نايف الحجرف ومحافظ البنك المركزي والعضو المنتدب لهيئة الاستثمار.. اذ قدم افكارا اصلاحية عامة، ولم يدخل في دهاليز صناديق REPO او ما شابه من الافكار التي روج لها بعضهم على انها المن والسلوى. وذلك لعدم قناعته بها على النحو الذي حاول بعضهم الترويج له.
لا شك في ان الازمة السياسية المتفاقمة، وضعت سقفا لطموحات الوزير، ولا شك في ان تراكمات البيروقراطية والروتين وبعض الفساد والترهل الاداري والمحسوبيات، كانت بالمرصاد للوزير في وزارته. ولا شك في ان كثرة الملفات والقضايا المكتظة في يد الوزارة تجعل الانجاز الشامل غير ممكن سريعا.. الا انه حاول في مطارح معينة ان يفعل شيئا. ونجح نسبياً.
ملفات كثيرة بقيت بلا علاج ولا اصلاح، مثل مشاكل المنطقة الحرة التي كان الصالح يعرف مدى تعقيدها وتداخل الاختصاصات فيها، لاسيما من جانب البلدية. علما انه سعى لحل يطرحه على مجلس الوزراء، لكن الاستقالة سبقت ذلك. كما هناك ملف انجاز قانون عصري للافلاس الذي بقي حبرا على ورق، وهناك تحديث قانون المستثمر الاجنبي العقيم منذ سنوات وسنوات.. وغيرها من الملفات التي بقيت معلقة، لضيق الوقت وصعوبة الاصلاح فيها.
ومن بين المشاكل التي واجهت الوزير ما هو متعلق بالقضايا الشعبية التي كاد يغرق فيها، مثل قضية غلاء البيض التي تعتبر هامشية، الا انها اخذت حيزا من عمله تحت ضغط شعبي معروف انه قد يأخذ اشكالا شرسة في الكويت. فاذا به يحاول عدم اتساع رقعة هكذا قضية، وسعى لادخال البيض في سلة المواد المدعومة، علما انه كان ضمن فريق وزاري خاص بوضع خطط لترشيد الانفاق العام ووضع حد للهدر فيه. الا ان قضية البيض خرقت تلك القاعدة التي يفترض انه من المدافعين عنها والعاملين على تثبيت قواعدها.. اي ترشيد الانفاق العام.
كما ان الوزير حاول معالجة قضية دعم اللحوم عندما وسع الدائرة، كاسرا احتكار شركة المواشي، وعلى الصعيد الغذائي ايضا يمكن تسجيل نقاط في مصلحته مثل تحويل شركات الى النيابة العامة بعدما اتهمت بالغذاء الفاسد.
يؤكد المتابعون لعمل «التجارة» ان هذه الوزارة ستبقى تذكر انس الصالح بالخير ولفترة طويلة. مع الاشارة الى انه لم يتمسك بالمنصب ولا بالبشت حبا بالكرسي كما غيره، ولا هو غامر بسمعته وسمعة عائلته في لحظة سياسية حرجة تحتاج موقفاً واضحا لا لبس فيه. فهو آثر الاستقالة، ولم يتردد في ذلك كغيره، ليبقى امينا مع نفسه وصادقا في رؤيته الاصلاحية غير عابئ بتبعات هكذا استقالة.. فيكفيه ان ضميره مرتاح.. وهنا بيت القصيد عند انس الصالح.

مضى شهر ونص، ولم يستقل الصالح! وجرت الانتخابات وفق الصوت الواحد، ولم يستقل الصالح! وتجري المشاروات والضغوط لعودة الصالح للوزارة!!

فهل تراجع القبس موقفها من الصالح؟ أم تعتذر لقرائها لعدم صحة خبر استقالة الوزير؟

رابط متصل: http://www.alaan.cc/pagedetails.asp?nid=126244&cid=30



الآن

تعليقات

اكتب تعليقك