دمج مؤسسات الإقراض في مصرف تنموي بقلم د. محمد بن ناصر الجديد

الاقتصاد الآن

909 مشاهدات 0



ألقت أزمة الأسواق المالية الآسيوية عام 1997 بظلالها على كفاءة القطاع المصرفي الماليزي في مواجهة الأزمات الاقتصادية وامتصاص سلبياتها، ما دفع السلطات المالية الماليزية ممثلة في البنك المركزي الماليزي إلى الإعلان عن برنامج إعادة هيكلة القطاعات المالية الماليزية من خلال آليتي الاندماج والاستحواذ. هدف برنامج إعادة هيكلة القطاعات المالية الماليزية إلى تحقيق هدفين رئيسين. الأول تطوير الملاءة الاقتصادية للمصارف الماليزية من خلال دمج الـ54 مصرفا ماليزيا قائما في عشر مجموعات مالية ماليزية جديدة. والثاني إعادة تأهيل المجموعات المالية الماليزية العشرة الجديدة من خلال تطوير إمكاناتها لإكسابها الخبرة العالمية اللازمة للمنافسة العالمية تماشيا مع متطلبات منظمة التجارة العالمية.

بدأ تنفيذ برنامج إعادة القطاعات المالية الماليزية مطلع العقد الميلادي الماضي ضمن إطار عملي من أربعة محاور. المحور الأول توزيع الـ 54 مصرفاً ماليزياً على عشر مجموعات مالية بما يضمن تحقيق أقصى درجات الربحية والأداء في المجموعات المالية الماليزية العشرة الجديدة. والمحور الثاني تحقيق أقل درجة ممكنة من تعطيل تقديم الخدمات المصرفية والمالية للسوق الماليزية جراء تسكين فروع وموظفي الـ 54 مصرفاً ماليزياً في مواقعهم الجديدة في المجموعات المالية الماليزية العشرة الجديدة. والمحور الثالث تحقيق أقل درجة ممكنة من تكلفة تشغيل المجموعات المالية الماليزية العشرة الجديدة بعد نشأتها. والمحور الرابع التأكد من أن متانة الملاءة الاقتصادية لكل مجموعة مالية ماليزية جديدة، حيث لا تقل حقوق المساهمين ومجموع الأصول عن 2 و25 مليار رنجيت ماليزي، على التوالي.

بدأ تنفيذ برنامج إعادة القطاعات المالية الماليزية مباشرة بعد إعلان الإطار العملي واستمر قرابة العام الواحد. تباينت نتائج تنفيذ البرنامج بين إيجابية وسلبية. إيجابياً، سجلت مؤشرات ربحية القطاع المصرفي الماليزي مستويات أفضل من تلك قبل تنفيذ البرنامج، حيث سجل العائد على الأصول نمواً من 0.7 في المائة في 1999 إلى 1.5 في المائة، وسجل العائد على حقوق المساهمين نمواً من 9.8 في المائة في 1999 إلى 20.4 في المائة، وسجلت نسبة القروض نمواً من 3 في المائة في 1999 إلى 5.5 في المائة. وسلبياً، تكون ثماني مجموعات مالية ماليزية من أصل عشر، وإعادة رسم الخريطة الجغرافية لفروع المجموعات المالية الماليزية الجديدة العشرة بإغلاق 187 فرعا، وتغيير مواقع 50 فرعا، وتقليص قرابة خمسة آلاف موظف من مجموع الموارد البشرية للقطاع المصرفي الماليزي.

وعلى الرغم من تباين نتائج تنفيذ برنامج إعادة القطاعات المالية الماليزية، إلا أن هناك العديد من المؤشرات تشير إلى قدرة القطاع المصرفي الماليزي على التنافسية العالمية خلال العقد الميلادي الحالي. من أهم هذه المؤشرات تواجه المجموعات المالية الماليزية العشر نحو تخصيص قطاعات الدعم الفني والإداري لديها ما يساعدها على التركيز على تطوير أعمالها المالية. أضف إلى ذلك زيادة درجة التنسيق فيما بينها حول المستوى الائتماني لعملائها وإيجابيات ذلك على تخفيض نسبة عمليات التمويل المدعومة.

يحمل برنامج إعادة هيكلة القطاع المصرفي الماليزي في طياته العديد من الفوائد حول دوافع، وأهداف، وآليات عمليات الاندماج والاستحواذ، وانعكاسات هذه العمليات على متانة الملاءة المالية للاقتصاد الوطني في مواجهة الأزمات المالية والتنافسية العالمية. الفوائد عديدة عندما ننظر إلى منظومة مؤسسات الإقراض المتخصصة الحكومية السعودية من منظور تجربة إعادة هيكلة القطاع المصرفي الماليزي في محاولة لطرح مقترح دمجها في مصرف تنموي حكومي يسهم في تحسين الكفاءة التشغيلية، وتنمية أداء الإقراض، والتكيّف مع التطورات في توجهات السياسة التنموية السعودية.

يشير التقرير السنوي الأخير لمؤسسة النقد العربي السعودي إلى طبيعة النمو في المركز المالي الموحد لمؤسسات الإقراض المتخصصة الحكومية وتوجهات هذا النمو بشقي المركز من الموجودات والمطلوبات، حيث سجل المركز المالي معدل نمو سنوي قارب الـ 16 في المائة من 206 مليارات ريال نهاية 2002 إلى 526 مليار ريال نهاية 2011. واحتوت تركيبة الموجودات خلال العشرة أعوام الماضية على القروض كأكبر الموجودات (50 في المائة)، فالاستثمارات (28 في المائة)، فالموجودات النقدية (16 في المائة)، فالموجودات الثابتة والأخرى (6 في المائة). واحتوت تركيبة المطلوبات خلال العشرة أعوام الماضية على الرأسمال المدفوع كأكبر المطلوبات (75 في المائة)، فمطلوبات أخرى لم يفصح عن مكوناتها (24 في المائة)، وأخيراً 1 في المائة موزعة بين مستحقات للغير والاحتياطات.

وعلى الرغم من توجهات النمو في المركز المالي الموحد لمؤسسات الإقراض المتخصصة الحكومية، إلا أن كفاءة إدارة القروض من منحها وتحصيلها قد سجّل درجة كبيرة من التباين بين هذه المؤسسات، ففي الوقت الذي سجل المعدل السنوي للعشرة أعوام الماضية لإجمالي التسديدات إلى إجمالي القروض مقدار 7 في المائة، نجد أن المعدل ذاته قد بلغ أقصاه في البنك السعودي للتسليف والادخار (33 في المائة) وبلغ أدناه في صندوق التنمية العقارية (4 في المائة). كما أن الكفاءة التشغيلية قد سجلت درجة تباين غير منطقية بين هذه المؤسسات بلغ فيه المعدل السنوي للعشرة أعوام الماضية لإجمالي المصروفات إلى إجمالي التسديدات مقدار 1.9 نقطة بوجود أعلاها لدى صندوق الاستثمارات العامة (3.96 نقطة) وأدناها لدى صندوق التنمية الزراعية (1.22 نقطة).

يقودنا هذا الخلل في توجهات نمو المركز المالي الموحد لمؤسسات الإقراض المتخصصة الحكومية وما يندرج تحت هذه المركز من مؤشرات كفاءة إدارة القروض والكفاءة التشغيلية إلى وضع علامات الاستفهام على واقعية الهدف التنموي المشترك المتوقع أن تؤديه هذه المؤسسات، والمنهجية التنموية التي تسير عليها في سياساتها التمويلية، ودرجة التنسيق البيني مع متطلبات العملية التنموية السعودية. مجموعة من علامات الاستفهام تطلق نداء إلى صانع القرار في السياسة المالية السعودية على أهمية إعادة النظر في الجدوى التنموية لدمج مؤسسات الإقراض المتخصصة الحكومية في مصرف تنموي بما يضمن توحيد تغريد كل مؤسسة في قناة واحدة لدعم مسيرة العملية التنموية السعودية.

الآن:الاقتصادية

تعليقات

اكتب تعليقك