مخرجات التعليم الصحي لـ «سوق العمل» أم لـ «صحة المجتمع»؟ (2) بقلم د. فهد أحمد عرب

الاقتصاد الآن

1212 مشاهدات 0


من هذا المبدأ يمكن أن يكون تقييم الأطباء والفنيين والإخصائيين في تخصص التمريض مبني على ما يضيفه الفرد منهم لخدمة المجتمع إضافة إلى المؤهلات والدورات والخبرات المختلفة. السبب هو أننا سنؤسس بالعلم مستقبلا مهنيا وأكاديميا أفراده مسؤولون عن صحة المجتمع. وهذا - في حد ذاته - هدف لا يوازيه هدف. من ناحية أخرى يعد المجالان مرتبطان ببعضهما البعض كأنهما ''توأم الخدمات الصحية''. لذلك سيكتب ويبرهن أرباب هذين المجالين من مهنيين وأكاديميين وخبراء في الإدارة الصحية واقتصادات الصحة وأهم المفكرين والمهتمين في القطاع الصحي بأن حقبة جديدة من التعليم الصحي التطبيقي القابل للتطوير والتجديد ستحكم كل اجتهاد وسيكون كل تحديث مهما صغر مبني على نتيجة مدروسة ومحللة بأسلوب علمي بحت لضمان مواكبة المخرجات لمتطلبات الوضع الصحي المعاصر واحتياجاته الكمية والنوعية.

إن قضية جودة البرامج التعليمية في التعليم الصحي وشمولها مقررات في الإدارة العامة والاقتصاد وأخرى عن المعلوماتية الصحية والتمرس في إجراء العمليات الإحصائية باتت تزاحم المواد التخصصية لتمكين الخريج (الممارس الصحي فيما بعد) من المحتوى العلمي والمهني في مجال تخصصه وقدرته على ترجمة ذلك خلال تقديم الرعاية الصحية للمرضى بالاهتمام بالوقت والتوقيت وماهية الاحتياجات المطلوبة في الموقع للحالة وحاجتها لعناية في مرافق أخرى والتكاليف. كما أن التعامل مع التقنية فرض نفسه في المناهج لارتقاء أساليب الفحص والعلاج والمتابعة الطبية وبالتالي أصبح تقدير ساعات الدراسة بين فعلية ومعتمدة. كما أن التوصيف النموذجي لكل مادة في المناهج المختلفة لا بد أن يتماشى مع مآلنا في أي من المجالات بعد 10 سنوات أو مضاعفاتها. وهنا لا بد أن يكون في الحسبان عدم المبالغة في التقدير لئلا يقضي الطالب عمره في الجامعة وما زالت السوق تنتظر ضخا جديدا.

من الناحيتين المهنية والإدارية فقد نصدم إذا علمنا أن قصور أعداد الممرضات لم يعد فقط مسألة استراتيجيات قوى عاملة أو افتتاح أكبر عدد ممكن من المؤسسات التعليمية لتأهيل أكبر عدد ممكن من الممرضات. إنما ينتظر الخريج خصوصا الطبيب والممرض هو نظام صحي معقد لم يعد بين جدران المركز الصحي والمستشفى العام. فهو عبارة عن رعاية منزلية (Home Care)، ورعاية أولية (Primary Care)، ورعاية مسنين (Geriatric Care)، وعناية مركزة (Intensive Care) وبالطبع بمستويات متعددة للخدمة بعد الأولية تكون (Secondary and Tertiary Care..) وغير ذلك من أنظمة تأمين بمستويات مختلفة. هذا جعل المهنة تتطلب حضورا شخصيا متميزا في كل موقع ولكال حالة؟ يمكن قراءة كتاب (Introductionto the Health Profession) في نسخته السادسة المنشور هذا العام 2012؛ حيث يتعمق في التخصصات الصحية (بلغة بسيطة) ويقود إلى مراجع عديدة حديثة وقديمة موضحا لشؤون مختلفة ويجعل قارئه ينفتح على العالم الصحي الإبداعي فيبرع في الشأن المهني تعريفا ومسميات ومسارات وظيفية. أما كتاب (Issues in Nursing by Specialty, 2011 ed.) الذي صدر هذا العام 2012 فالمختصون مهنيا وإداريا في هذا المجال يمكن لهم الاستنارة بما حواه لأهميته في تنوع التخصصات.

من ناحية أخرى في غير مجتمعاتنا يحسبون كم هي نسبة الذين سيتقاعدون في هذه المهنة أو تلك المقاطعة أو المنطقة بعد فترة 3-5 سنوات، ثم ''يحاكون'' الواقع بتطبيقات حاسوبية يخرجون بعدها بتصور يمكن تطبيقه تدريجيا لتنفيذ ما خططوا له بهدف تعويض النقص أو تقليص حجم التأثير في الإنتاجية. هذا يعني أن توفير الأعداد المؤهلة في التخصصات الصحية أصبح في مواجهة مع تنوع التخصصات ومسمياتها وأعداد المؤهلين في كل تخصص والمطلوب منهم في أي تخصصات أخرى حديثة أو تقليدية، إضافة إلى ذلك فهناك جانب لا بد أن يطرح للنقاش وإيجاد الحلول له الآن قبل أن نصل إليه ولا نتمتع بخبرة التعامل معه فنحار في وضع قرار بين الاستمرار في التكرار أو اللجوء إلى الابتكار. إن تقديرات متوسط أعمار الممرضات في الولايات المتحدة الأمريكية هي 48 عاما، وفي فرنسا 42 عاما وفي المملكة المتحدة بين 50-55 عاما. هذه عينة بسيطة من إحصاءات عالمية تبعث الخوف لدى هذه الدول لأن الضخ للسوق بقوى عاملة مؤهلة لا يوازي المغادر منه خلال العقد أو العقدين المقبلين على أكثر تقدير. هذا يعني أن مثل هذا الدرس يجعلنا أصحاب ميزة عن تلك الدول، فهل لدينا الآلية والأدوات لبدء الحساب؟ وهل ثقافتنا الصحية المستقبلية ستغطي جانبا من المشكلة؟

إذا أرادت أجهزة القطاع الصحي أن تتعامل مع القضية بشفافية وتهتم لأبنائنا في هذه السوق فوزارة الخدمة المدنية ووزارة العمل ووزارة الصحة ستكون مشغولة بالتواصل مع وزارة التعليم العالي والمؤسسات التابعة لها والهيئة السعودية للتخصصات الصحية على مدار الساعة. كل هذا لتقوم بتنفيذ أجندة طويلة من ضمنها موضوع تحديث أدلة التصنيف الوظيفي في مسميات الحقول الرئيسة والفرعية والوظائف التخصصية التي بنيت على تنوع الفروع العلمية وتداخلها مع علوم اجتماعية أو هندسية أو غيرها. ليس هذا فحسب، بل - أيضا - تناقش مستويات الرواتب والمميزات واختلاف مستويات المهام الوظيفية لكل وظيفة. يتبع

الآن:الاقتصادية

تعليقات

اكتب تعليقك