صناعة السيارات آن الأوان بقلم علي الجحلي
الاقتصاد الآنديسمبر 14, 2012, 10:31 ص 1395 مشاهدات 0
تضم صناعة السيارات عددا كبيرا من المدخلات، وتتكون من عمليات إنتاجية وورش ومصانع تتكامل لتنتج منظومة هندسية متحركة. عانت صناعة السيارات في المملكة بدايات متعثرة، يكمن السبب الرئيس في عدم التفات الجهات الحكومية الداعمة لأهمية تطوير المنظومات الهندسية الحركية، كان وكلاء السيارات يحاولون إنتاج ما يمكن أن يخفض التكلفة كموجه رئيس لعمليات التصنيع التي شاركوا بها. بدأت شركة الجفالي ببرنامج يعد جيداً من خلال إنتاج الهياكل وإضافة بعض التعديلات عليها لمصلحة الشركة التي يمثلونها في المملكة. جاء بعد ذلك مشروع طموح لشركة عبد اللطيف جميل حمل معه ما يمكن اعتباره العمل المؤسسي الأول في المجال للقطاع الخاص حين أنشأت معهدا متخصصا للسيارات وتعهدت بتوظيف خريجيه. إلا أنه لم تكن هناك مصانع تستقبل هؤلاء، كل ما كان موجوداً هو عبارة عن عمليات تجميع أو صيانة وإصلاح. حصلت وزارة الدفاع على قصب السبق في المجال من خلال قيام بعض الورش الرئيسة بإعادة تصنيع منظومات متكاملة. كان هذا أواخر السبعينيات الميلادية، ثم جاءت طفرة كبرى عندما تبنت المؤسسة العامة للصناعات الحربية طموح مواطن سعودي لإنتاج مدرعة عسكرية متكاملة على أرض المملكة. دعمت المؤسسة المشروع الذي وقف على قدميه لفترة ليست بالطويلة. القصة كانت عبارة عن نجاح هندسي وتقني لم يقابله نجاح تسويقي. المدرعة كانت تنافس أعتى الشركات العالمية للحصول على العقود في المملكة بينما لم تكن فيها إدارة تسويق أصلاً. يعمل المصنع اليوم في إنتاج مدرعات أقل حجماً ويقوم بتحويل المركبات المدنية للاستخدام العسكري، إضافة إلى تطوير بعض العربات المدرعة الموجودة فعلاً لدى القوات. يضاف إلى هذا المصنع مصنع آخر يقوم بتطوير عربات القوات البرية، ومن رحم هذين المصنعين خرج ما يقارب ستة مصانع تقوم بعمليات التحديث أو التطوير أو التجميع. لعل من نافلة القول أن نتحدث عن أثر تصنيع السيارات في نقل الولايات المتحدة من دولة متقوقعة إلى أخطبوط سيطر على العالم. هذه الصناعة عبارة عن منظومة هندسية صناعية لا يمكن أن تحقق النجاح دون وجود بنية صناعية تدعمها. كل المصانع القائمة والتي يخطط لقيامها ستكون معتمدة على مدخلات من الخارج، وهذا ما يجب أن تتفاداه الجهات المعنية بالتخطيط الاستراتيجي الصناعي. تصدرت شركتا إيسوزو وتاتا اللتان تخططان لإنتاج السيارات بشكل تجاري في المملكة المشهد الإعلامي. هذه الخطوة ممتازة وفي الاتجاه الصحيح. إلا أن من المهم أن يطبق عليها مفهوم (الكسب من الطرفين) أو ما يسمى win-win situation. تستطيع الشركتان الاستفادة من المحفزات الاقتصادية التي تقدمها الدولة، وهي عظيمة على جميع المستويات. تقدم المملكة قروضاً صناعية تغطي نسبة عالية من قيمة المشروعين، كما تقدم الأراضي الصناعية بأسعار رمزية. والأكيد أن دراسات الجدوى التي أجرتها الشركتان أكدتا لهما أن المصانع ستكون منتجة وذات ربحية. المهم هنا أن تربح البلاد من وجود هذين المصنعين. توظيف أبناء المملكة بنسبة عالية في الوظائف القيادية والهندسية والتقنية، أمر أساسي في هذه المرحلة. المملكة تواجه صعوبة كبيرة في سعودة القطاع الصناعي لأسباب كثيرة. هذه المصانع سيكون عليها دور مهم في التوظيف خصوصاً أن هناك الكثير من خريجي الجامعات المتخصصين في الإدارة والهندسة والتسويق وغيرها، كما يوجد عدد وافر من خريجي معهد السيارات والكليات التقنية الأخرى الذين يبحثون عن العمل. يجب أن تسهم الشركتان في الاستثمار في شبكة من المعامل والمصانع الداعمة لأعمال صناعة السيارات. ليس مهماً أن ننتج السيارات من خلال برنامج للتجميع أو التصنيع الجزئي، الأهم هو أن تكون لدينا القدرات الصناعية لإنتاج المحركات، وإنتاج صناديق السرعات والأنابيب والإطارات وغيرها من الصناعات الداعمة للمنتج النهائي الذي يقدمه المصنعان. كما يجب أن تخطط الشركتان لتطوير المنتج من خلال مركز أبحاث ولو على مستوى صغير مبدئياً، يتطور ليسهم في تحسين كفاءة المنتج، وخفض تكلفته، وتسهيل وصوله للمستهلك. إن وجود أي مصنع دون تكوين مجموعة بحثية، يجعله ناسخا لما يفعله الآخرون، هذه العقدة تجاوزتها الصين أخيرا عندما بدأت في تطوير نماذج راقية من المنتجات من ضمنها السيارات. كما حققت كوريا من خلالها نجاحات يشاهدها الجميع. أسعدني أن من ضمن المدعوين لحضور حفل تدشين مجمع صناعة سيارات ''جاغوار'' و''رينج روفر'' خمسة من الوزراء المسؤولين عن إدارة دفة الاقتصاد، وأرجو أن تتصدر مجموعة الأفكار التي تهم المواطن نقاشاتهم في الحفل. يضاف إلى هذا أنها فرصة لتكوين مجموعة عمل من وزارات المالية والبترول والعمل والتجارة والصناعة والتخطيط، لإعادة رسم مسار الصناعات الهندسية للمنظومات المتحركة، والتي يعد المجال فيها مفتوحاً من خلال الدعم الذي يمكن الحصول عليه من عدة وزارات من ضمنها وزارة الدفاع التي تدعم أكثر مشروع كما ذكرت في بداية المقال. أرجو أن تكون هذه الطفرة الجديدة طفرة دائمة، وأن تدار بحرفية وكفاءة لضمان تحقيق فرص وظيفية أفضل للمواطنين، واسما لامعا للصناعة السعودية، وإيجاد مصدر جديد للدخل الوطني في مجال مفتوح وتدخل فيه مكونات كثيرة ويمكن أن يتطور لإنتاج أجزاء ومكونات المنظومات الطائرة، كما هو قائم في شركات مثل السلام والإلكترونيات المتقدمة. هذه فرصة أيضاً لإعادة دراسة ربط صندوق التنمية الصناعية، وتحديد شروط أكثر ملاءمة للقروض الصناعية المقدمة، بما يحل المشاكل الاقتصادية القائمة، كما أنه يفتح المجال لدراسة خطط وتوجهات الهيئة العامة للاستثمار ودورها في دعم الاقتصاد الوطني من خلال التوظيف والبناء على احتياج المملكة والقيمة المضافة التي تحققها المشاريع المدعومة من قبل الهيئة.
تعليقات