مصر درس من التاريخ.. لنتعظ بقلم نجيب عبد الرحمن الزامل
الاقتصاد الآنيناير 7, 2013, 8:30 ص 1204 مشاهدات 0
. لا نظن أن أمةً نُكبت بالتاريخ بمثل ما نُكب به العربُ في غزو المغول، الذي بدأه المتوحشُ الشرس 'جنكيز خان'، وأكمله بوحشيةٍ وشراسة أكبر هولاكو. ولو تقدّم المغولُ في شمال إفريقيا بعد أن دمّروا وذبحوا وسلخوا وقضوا على كل مظهر حضاري في العراق والشام وأنحاء فلسطين، لغيّروا خريطة الأرض، وأعادوا صناعة ممرات تاريخية غير التي نعرفها في القرون الماضية.. على أن هذا لم يحصل، والسبب.. مصر! مضى هولاكو فدمّر إيران، وقوّض العراقَ على هياكلها، ثم نفذ إلى الشام، وعينه ليست في شمال الجزيرة العربية التي يعيث بها دماً ومسحاً تحت سنابك وسيوف جيشه، بل كانت عيناه المغوليتان الحمراوان تستهدفان بلداً كبيراً سيكون له بوابة كل الفتوحات: مصر. ولكن.. وصلته أنباءٌ في مملكته القصيّة، منها موت أخيه ومليكه 'منككوقا آن' وترامى إليه أن نزاعاً في الأسرة يُوشك أن يحل- وهو درسٌ لنا في الحاضر في تحديد وبدقة آلية مسألة تعاقب الحُكْم في أي بلد - لما آب 'هولاكو' لبلاده لم يترك المعركة إلا بعد أن وضع قائداً أشرس منه، وحشاً حقيقياً، بلا قلب ولا شعور، ويشرب الدمَ أمام الجيش ويتلمظ به وهو القائدُ المريع 'كيتوبوقا'. في هذا الجوّ المخيف والمملوء بالرعب، والمفعم بشعور الهزيمة والخذلان، بدا وكأن العالم العربي يتداعى، وأنه سيُمسَح عن وجه الأرض. وفي مصر كان هناك 'قُطز'- ولم يكن قطز محبوباً، واتهمه الناس بالخيانة والأُثْرة بالسلطة وعدم المشاورة مع مستشاريه ووجهاء القوم.. ولك أن تقارن هذا عبر القرون بما يحصل الآن بمصرَ من تشكيكٍ، واتهاماتٍ، واستئثاراتٍ حقيقيةٍ أم وهمية، والعملاقُ المصريّ يترنّح بضرباته لنفسه من تحت الحزام، وليس ضربات أعداء الخارج. إلا أن 'قطز' حقيقة لم يكن كذلك.. كان حكيماً واستشار أصحابه وكبار القوم: هل يقاوم المغول؟ الجميع قال: لا بد أن نهادنهم، فهم لا يُهزَمون وقد دانت لهم الأرضُ من أطراف الصين البعيدة - بل في الوقت نفسه تهوّر المغولُ وهم ليسوا أهل بحر، وركبوا البحر لغزو بلاد الشمس اليابان.. ولم يُكتَب لهم النجاح. نعم، قال الجميع لا نستطيع مجابهة جيش المغول، فلنوفر الدماء والمآسي.. فقال لهم 'قطز': 'وهل لما طلب أهل دمشق تسليم مدينتهم بالسلم.. أصدقَ هولاكو بوعوده؟ أم جعل الدماء تجري أكثر من مياه نهر بردى؟ هو قاتِلـُنا قاتِلنا، فلنمت بشرف'. وهذا ما حصل بزماننا في أكثر من حرب بمنطقتنا، كان للمصريين مواقف شجاعة، بعضها اجتازوها، وبعضها دفعوا ثمناً غالياً لها، مع أن المقصود بمصر ليس فقط هي بالذات، بل يعرف الاستراتيجيون إنه إن وقعت مصر، تهاوى كل العالم العربي وراءها. وبعودةٍ لعصرنا، هذا ما يجب أن يدفعنا للتفكير بعناية وحكمة دقيقتين ونحن نتعامل مع مصر، لماذا؟ لأننا نتعامل مع مصير أمننا وعمق اقتصادنا، وقوة المورد البشري، وتمركزها القوي في إفريقيا والعالم. وافق الجميعُ على رأي 'قطز'.. وقاوم 'قطز' جنوب منطقة غزة.. وهُزِم هزيمة مريرة، وما كاد يحتفل المغولُ ويرمون أسلحتهم لخطف الثروات ورشف الدماء، حتى ظهر الذكاءُ المصري التكتيكي، فخرجت ثلاثة أجنحة من ثلاث جهات من الجيش المصري وأوسعت فتكا في المغول، وذاقوا شيئاً مما أذاقوه لكل من زحفتْ عجلاتُ عرباتهم وصهيل خيولهم وصليل سيوفهم في كل بلد.. وارتاع المغولُ الذي صدّق الناسُ أن تركيبهم بقوةٍ غير بشرية وأنهم لا يفلـّون ولا يهربون، وطاردهم قطز وطهر منهم غزة وفلسطين، وطاردوهم في الديار الشامية حتى الديار الكردية. وذهب المغول.. ولم يعودوا قط. دافعت مصر عمّن وقع عليه الغزو، وأنقذتْ مصر مَن كان سيتم عليه الغزو. إن دارس التاريخ من السياسيين، خصوصا من أعداء الأمة، يعرفون أن إيذاء مصر سيعود أذىً على الجميع.. ومَن يؤذي مصرَ سيعود عليه الأذى وبقوة. مصر جدار نتكئ عليه حتى لا نسقط بالهوة.. فمن يزحزح الجدارَ، فقد أصابته لوثة الانتحار!
تعليقات