على خطى الصين .. تركيا تتوغل في مجاهل إفريقيا بقلم دانييل دومبي

الاقتصاد الآن

504 مشاهدات 0



لم يسبق لسليم بورا الذهاب إلى جنوب الصحراء الكبرى قبل أن يتم استدعاؤه لتصميم مبنى مركز الاجتماعات، لاستضافة قمة للاتحاد الإفريقي في غضون ستة أشهر فقط.

وبعد مرور أسبوع كان رجل الأعمال التركي البالغ من العمر 43 عاماً في غينيا الاستوائية. وتمكنت شركته العائلية، المسماة ''سوما'' من بناء المجمع في العاصمة مالابو على مساحة 13 ألف متر مربع في الوقت المحدد، وعقدت فيه قمة الاتحاد الإفريقي لعام 2011.

يقول بورا: ''لم يكن لدينا أية فكرة عن هذا البلد حينما ذهبنا إلى هناك. كان علينا أن نخمن كافة الأمور''.

وقصته هذه جزء من اندفاعة تركية قوية باتجاه العمق الإفريقي، ماضية بذلك على طريق سبقتها إليه الصين والبرازيل والهند، سعياً لتأمين نفوذ اقتصادي وسياسي في القارة الإفريقية.

وأنقرة التي تتطلع إلى التنويع بعيداً عن الاقتصاد الأوروبي المتعثر، لا تبحث فقط عن أسواق جديدة، وإنما عن دورٍ بارزٍ أكثر على المسرح العالمي. ففي الأعوام الثلاثة الماضية، فتحت تركيا 19 سفارة جديدة في أنحاء القارة. والآن لديها 26 سفارة جنوب الصحراء الكبرى، وستبعث بوفود جديدة إلى تشاد وغينيا وجيبوتي بنهاية هذا الشهر، في الوقت الذي يزور فيه رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان الجابون والنيجر والسنغال.

ويُعرِّف المسؤولون الأتراك الصومال، حيث أرست تركيا لنفسها حضورا قويا على الأرض، بأنها مقياس لالتزام أنقرة. وأصبح أردوغان في عام 2011 أول قائد غير إفريقي يزور الصومال منذ عقدين تقريباً.

ويقول مسؤول تركي: ''الهدف هو توطيد الروابط وملء الفراغ، والذهاب إلى أماكن لم ننشدها من قبل''.

وفي الشهر الماضي أعلنت شركة الخطوط الجوية التركية المملوكة بنسبة 49 في المائة للحكومة، بدء رحلات مباشرة لعاصمة النيجر، نيامي، وعاصمة بوركينا فاسو، أوجادوجو، والعاصمة الكاميرونية، ياوندي، إضافة إلى دوالا أكبر مدن البلاد، ما زاد عدد الوجهات جنوب الصحراء الإفريقية إلى 24. ولأنها ترتكز على مثل هذه العلاقات الدبلوماسية وهذا المستوى من التواصل عبر الجو، فقد ارتفعت تجارة أنقرة مع جنوب الصحراء الإفريقية من 742 مليون دولار عام 2000 إلى نحو 7.5 مليار دولار عام 2011.

واليوم يقول بورا إن إفريقيا تمثل 40 في المائة من أعمال شركته – بإجمالي دخل سنوي 300 مليون دولار – وهو مهتم بتطوير مزيد من الروابط مع بلدان تمتد بين النيجر وأنجولا، مضيفا أن قطاع الإنشاءات التركي ككل يمتد من شمال إفريقيا إلى الدول الغنية بالنفط والغاز في غرب القارة.

ويسلط بورا الضوء على إرادة المديرين الأتراك واستعدادهم للعمل في أماكن مثيرة للتحدي، أو في ظروف استثنائية، بما يشمل أنظمة مثل غينيا الاستوائية، التي وجهت لها انتقادات كونها أنفقت 500 مليون يورو على مجمع القمة الإفريقية وقامت بعمليات اعتقال قبل انعقاد الحدث.

ويقول بورا: ''بالنسبة لنا الأمر سيان بحق، بغض النظر عن النظام، وبغض النظر عن الظروف الجغرافية، وبغض النظر عن الظروف المناخية. بالنسبة لنا أهم شيء هو إتمام العمل المطلوب''.

ومثل هذه المشاريع لها أيضاً نتائج اقتصادية أكبر. وفي مقابلة حديثة مع ''فاينانشيال تايمز''، جمع إيرديم باسجي، رئيس المصرف المركزي التركي، بين إفريقيا وروسيا والشرق الأوسط باعتبارها أقاليم لديها شهية سريعة النمو لواردات من شأنها مساعدة تركيا على تنويع اقتصادها بعيداً عن الاتحاد الأوروبي. وقال: ''رجال الأعمال لدينا سريعون ومرنون لأقصى مدى في هذه الأسواق''.

وبعض الروابط التركية مع إفريقيا لم تكن بفعل أنقرة. فالمدارس المرتبطة بالواعظ التركي، فتح الله جولن، تم تأسيسها في كافة أرجاء القارة. كذلك شجع اتحاد رجال الأعمال والصناعيين الأتراك ''توسكون''، المتعاطف مع جولن، على العديد من العلاقات بين الشركات مع بعضها بعضا.

لكن سينان أولجن، الدبلوماسي التركي السابق الذي يعمل حالياً في مؤسسة كارنيجي للسلام الدولي، يقول إن الاندفاعة بدأت بإخلاص حينما شرعت تركيا في حملتها الناجحة من أجل انتخابها في مجلس الأمن الدولي لعام 2009/2010.

ومع وجود 55 بلدا في القارة، فإن إفريقيا تمثل أكثر من ربع أعضاء الأمم المتحدة. وهذا مستودع أصوات كامن لدولة تريد أن تستثمر سياسياً في الإقليم. ويشبِّه أولجن موقف تركيا بمنزل في منتصف الطريق بين الاتحاد الأوروبي والصين.

فهي لا تربط المساعدة بظروف الحكم، لكنها ترى أن العلاقة أكثر من مجرد اقتصادية. إنها وكالة مساعدة قامت بتقديم أكثر من 150 مليون دولار لدول في جنوب الصحراء الغربية السنة الماضية، قائلة إن منع المساعدات عن منتهكي حقوق الإنسان يهدد بمعاقبة أولئك الذين في أشد الحاجة إلى المساعدة. ويحذر أولجن من أن أكبر خطر يواجه تركيا هو الإفراط في الوعود. فلا يمكن لاقتصاد تركيا البالغ 800 مليار دولار، أن يواكب موارد بروكسل وبكين.

علاوة على ذلك، التجارة مع جنوب الصحراء الإفريقية لاتزال تمثل مجرد جزء صغير من إجمالي التجارة التركية البالغة 376 مليار دولار. ومع ''آرسيليك''، وهي شركة تركية لتصنيع البضائع المعمرة (كالثلاجات والغسالات) استحوذت على نظيرتها الجنوب إفريقية، ''ديفاي''، مقابل 325 مليون دولار في عام 2011، أن معظم استثمارات تركيا في القارة أصغر كثيرا.

مع ذلك، يتطلع رجال الأعمال والساسة الأتراك باستمرار إلى إفريقيا. فمقاول الإنشاءات الفرعية التركي، إيربيل أوكسوز، الذي ظل يعمل في أوغندا لمدة عام، يشتكي من المخاطر الصحية والوضع الراسخ للشركات الصينية، لكنه يثير الحماسة فيما يخص احتياجات هذا البلد من البنية التحتية واكتشافه أخيرا للنفط. ويقول: ''الأمر يستحق العناء (...) إفريقيا تمثل مجازفة أكبر، لكننا نجني منها مزيدا من المال''. ويضيف: ''المزيد من الأتراك قادمون''

الآن:الاقتصادية

تعليقات

اكتب تعليقك