النفط المكتشف في إفريقيا جنوب الصحراء.. نعمة أم نقمة؟ بقلم سيلفيا فيفي وزان

الاقتصاد الآن

1263 مشاهدات 0


إلى جانب الطريق خارج المدينة الغربية الرئيسة في غانا، تاكورادي، وقف أربعة رجال مرددين بزات العمل الحمراء والقبعات الغليظة إلى جانب حفار أصفر. إنهم عمال لدى شركة الطاقة الصينية، ''سينوبيك''، حيث يمدون خطوط أنابيب غاز عبر التلال القريبة. أصبحت غانا منتجة للغاز خلال سنتين ولديها نحو ثلاثة مليارات برميل من النفط مماثل للاحتياطيات التي اكتشفت. وسيبدأ تشغيل الغاز هذا العام.

وهذا سبب أن انتخابات شهر كانون الأول (ديسمبر) المتنازع عليها والتي فاز بها جون دراماني ماهاما، كانت أيضاً ''معركة بالإنابة للسيطرة على عائدات النفط والغاز في غانا''، كما يقول إمنوائيل جيما بودي، أستاذ السياسة في جامعة غانا.

تعهد ماهاما باستخدام عائدات النفط المتضخمة للدولة لتحسين المرافئ والتعليم وإمدادات الطاقة. قال عقب خطاب تنصيبه الأسبوع الماضي: ''ليس هناك إنكار لحقيقة أنه حتى بعد 55 عاماً ما زالت غانا صغيرة. وكل دولة صغيرة تنال نصيبها من عدم الاستقرار والصعوبات''.

تكافح دولته مثل مجموعة دول إفريقية أخرى بدأت في التعامل مع صعوبات ثرواتها الهيدروكربونية. لدى هذه الدول قاطبةً المشكلات نفسها: كيفية تسخير الثروة المكتشفة جديداً كي تعمل لمصلحة الجميع. منذ نحو أربعة عقود ماضية كان النفط مصنفاً على أنه ''غائط الشيطان'' من قبل جوان بابلو بيريز ألفونصو، وزير فنزويلا الذي كان من بين مؤسسي منظمة الدول المصدرة للبترول ''أوبك''.

هناك أمثلة كثيرة من حول العالم تثبت حكمة تقديره هذا. في نيجيريا خلُص تحقيق في الصناعة إلى أن الدولة التي تعتمد على عائدات النفط كانت تتغير ببطء على كل الأصعدة تقريباً بين عامي 2002 و2011. كان هناك علاوات موقع عليها وحقوق امتياز تصل إلى مليارات الدولارات لم يتم دفعها.

قطاع البترول فيها أصبح ممزقاً بسبب انعدام الكفاءات والفساد. صفقات خفض أسعار الغاز بين المسؤولين النيجيريين وشركات النفط متعددة الجنسيات قدر أنها تكلف تلك الدولة التي تعد أكبر منتجة للنفط في إفريقيا 29 مليار دولار طوال العقد الماضي، طبقاً للتقرير نفسه. سرقة النفط شائعة ومقدر أنها تصل إلى 250 ألف برميل يومياً أو 10 في المائة من إجمالي الإنتاج.

هناك أيضاً حالات كان تأثير النفط والغاز فيها عميقا من الجانب الحسن وثبت أنهما حصن مالي للمستقبل، حيث إن صندوق الثروة السيادية النرويجي مثال مفضل كثيراً. غانا وأعضاؤها الجدد من نادي إنتاج النفط مع ذلك ليسوا النرويج، ويكافحون لتسخير ثرواتهم قبل استغلالها.

ستحدد سياسات ماهاما مسار صناعة النفط والغاز وبناءً عليه حجر الأساس للنمو الاقتصادي في غانا. عائدات حقل ''جيوبيلي'' (وصل إنتاجه 105 آلاف برميل يومياً في نهاية 2012)، إضافة إلى الإنتاج القوي من الكاكاو والذهب، ساعد على دفع النمو الاقتصادي إلى 14.4 في المائة في عام 2011. وبعد فإن نحو نصف سكان الدولة البالغ تعداداها 25 مليون نسمة ما زالوا يعيشون بأقل من دولارين يومياً.

يقول نانا كوبينا ناكيتسيا، الزعيم الكبير لمدينة ''إيسيكادو''، في الإقليم الغربي القريب من إنتاج النفط البحري: ''جميعنا لدينا مخاوف بشأن النفط لأننا رأينا ما حدث في الدلتا النيجيرية. حجم الثقة التي يجب أن تبنى حول النفط لم تحدد طبيعتها. الحكومة على عجلة من أمرها من أجل العائد، لكنها بهذا كمن اشترى العربة قبل الحصان''.

تقدم غانا تتم مراقبته من نظرائها الإفريقيين، على وجه الخصوص في الساحل الشرقي حيث توجد موجة من الاكتشافات في موزمبيق وتنزانيا وكينيا أدت إلى تدافع من شركات الطاقة الكبيرة في العالم. الاكتشافات ليست تافهة. شركة وود ماكينزي الاستشارية تُقدر أن اكتشافات الغاز في موزمبيق وتنزانيا إلى الآن أكثر من 100 مليار قدم مكعب و''يتردد صداها على النطاق العالمي''، كما يقول مارتن كيبي، المحلل الكبير في شؤون إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى.

ومقارنة، فإن أستراليا التي يُتوقع أن تتجاوز قطر لتصبح أكبر منتجة للغاز الطبيعي المسال في العالم بحلول عام 2020، اكتشفت 200 مليار قدم مكعب. يقول كيلي: ''شرق إفريقيا من الممكن ألا يصبح هادئا بالدرجة الكبيرة نفسها في أستراليا لكن لديه الفرصة ليصبح في مثل هذا الحجم''.

الحكومات أيضاً أحاطت علماً بهذا الأمر. فاحتياطيات الدولتين الإفريقيتين ''كبيرة بما فيه الكفاية بحيث يمكنهما أن يسهما بشكل كبير في إمدادات الغاز العالمية والمساعدة في تنويع إمداد الدول المستهلكة للطاقة في إفريقيا وما ورائها''، كما يقول أحد المسؤولين في وزارة الخارجية الأمريكية.

كان أكبر اكتشاف قبالة موزمبيق من شركة أناداركو بيتروليم الأمريكية وشركة إيني الإيطالية. فحقلاهما مجتمعان قد يحتويان على 60 مليار قدم مكعب من الموارد القابلة للتجدد من الغاز والتزويد بالطاقة، إضافة إلى العائدات المربحة النابعة من صادرات الغاز الطبيعي المسال إلى الدول الآسيوية المتعطشة للطاقة.

وإلى جانب المكتشفين الذين يتدفقون إلى الإقليم فهناك جيوش صغيرة من مستشاري القطاعين الخاص والعام تواقون إلى تقديم خبراتهم حول كيفية بناء صناعة دائمة. صندوق النقد الدولي والنرويج والبنك الدولي جميعها تقدم المشورة.

بالنسبة لموزمبيق التي تعد بجميع المقاييس من بين أفقر دول في المعمورة، فإن الجائزة المحتملة كبيرة. كان قد تم تصنيفها رقم 184 من بين 187 دولة في مؤشر التنمية البشرية للأمم المتحدة، مع توقع بمتوسط عمر الفرد يصل إلى 50 عاماً فقط، وإجمالي دخل قومي للفرد يصل إلى 898 دولارا. كان إجمالي دخلها القومي العام الماضي 12.8 مليار دولار – نصف التكلفة المقدرة لـ ''قطارين''، إشارة إلى مرافق تسييل الغاز.

يقول كلوديو ديسكالزي، كبير مسؤولي التشغيل في قسم الاكتشافات والإنتاج في شركة إيني: ''هذه نقطة تحول وهم على دراية بهذا . . . هناك الكثير من الضغوط – ويريد الجميع أن يكونوا هناك''.

يقول فاروق القاسم، عالم الجيولوجيا العراقي الذي يرجع له فضل تأسيس الصناعة النرويجية هناك ورئيس شركة بيتروفيم الاستشارية عن الموارد: ''عليك أن تحظى بنظام جيد من الحكم في مكانه، ذلك النوع الذي يجمع بين القطاع البترولي، وأن تستخدم العائدات بطريقة تخلق فائدة دائمة للمجتمع''.

تحتاج الدول المنتجة الجديدة إلى البدء بسياسة بترولية، كما يقول القاسم. يجب أن يتم تحويل هذا الأمر حينها إلى تشريع حول الكيفية التي ستدار بها الصناعة البترولية، وحينها فقط يتم إعداد العقود. ويضيف: ''معظم الدول تذهب مباشرة إلى العقود، وبحلول هذا الوقت يكونون قد خسروا بالفعل معظم فوائدهم''.

غانا وموزمبيق وتنزانيا جميعها في مراحل مختلفة في هذه العملية. في غانا، تشريع إدارة عائدات البترول تم توقيعه كقانون في عام 2011، حيث يوصي بأن 30 في المائة من إجمالي المبالغ المستلمة تتدفق في صناديق منفصلة مستقبلية للأجيال. على وزارة المالية أن تنشر حسابات مفصلة. كما أن هذا القانون أيضاً قد أنشأ وكالة مراقبة عامة مهتمة بالأمر. وفي تقريرها الأول في شهر أيار (مايو) الماضي، حددت مناطق الاهتمام بما يشمل غياب الشفافية في شركة البترول الوطنية الغانية. والآن ستصبح لجنة للبترول مسؤولة عن التنظيمات وإدارة الموارد، إضافة إلى منح تراخيص وتحرير شركة البترول الوطنية الغانية لتصبح تجارية أكثر.

يقول ستيف مانيو، رئيس منبر المجتمع المدني لمراقبة النفط والغاز: ''متطلبات الإشراف والكشف تجعلنا نفكر أنه لربما ستكون غانا قادرة على عمل قصة مختلفة أفضل من نيجيريا . . . التي أصبح النفط فيها أقرب إلى نقمة منه إلى نعمة''.

في موزمبيق كانت المؤسسات المنفصلة بالفعل – هيئة تنظيمية ووزارة وشركة نفط قومية على شاكلة شركة إي إن إتش – في الموقع قبل اكتشافات ''أناداركو''. في غضون ذلك فإن تنزانيا اقترحت تشريعا جديدا للقطاع، الذي نظمه قانون أجيز في عام 1980.

ويبقى الأشخاص المحليون في قلق. يقول أندا سالوماو من ''سينترو يرا فيفا''، منظمة مجتمع مدني في موزمبيق: ''أعتقد أن هناك مخاوف أكثر من التوقعات أن لدينا فرصة لتسريع النمو، لأننا نعرف (من) جيراننا أنه من الممكن أن تكون هناك فرصً، لكن في الغالب كانت هناك مشاكل اجتماعية وبيئية ضخمة''.

يقول فاليري مارسيل، الزميل المشارك في تشازام هاوس والمؤلف المشارك في دراسة عن نماذج الحكم، يقول إن موزمبيق لديها ''هيئة تنظيمية قادرة''. يقول تقرير للوكالة النرويجية لتعاون التنمية إن الهيئة التنظيمية هي منظمة مؤسسة بشكل جيد وإن كانت أعمال الطاقة تعاني افتقار الدولة لقانون فعال يشجع من الوصول إلى المعلومات.

يضيف مارسيل: ''يجب أن يكون هذا أولوية للحكومة، التي عليها أن تتواصل بشكل فعال وذي مصداقية مع العامة من أجل إدارة التوقعات حول ماهية المنافع التي ستحصل عليها الدولة من الغاز الذي تملكه''.

التشريع هو بداية لكن الأشخاص المهرة هم أمر حيوي. ويقول أنطوني لوبو، الشريك في الغاز والنفط في شركة كيه بي إم جي'' ''أعتقد أن التشريع يعطي إطار عمل، لكن العديد من هذه الدول في حاجة إلى بناء القدرات الفردية لتنفيذ التشريعات''.

في موزمبيق، أدهشت الحكومة المستثمرين الدوليين العام الماضي خلال حرب مناقصات على شركة كوفي إنيرجي المدرجة في لندن وشريكة ''أناداركو''، بعد أن قالت إنه ستفرض ضريبة على أرباح رأس المال على المعاملات التجارية. يقول القاسم: ''السمة المأساوية المشتركة بالنسبة للعديد من هذه الدول هو أنه يوجد إغراء بفعل هذا الأمر في أسرع وقت ممكن بتحريض من حشد كبير من الشركات المهللة، وفي دول أخرى يقول لك المستشارون أن تستغل هذه الفرصة لكي تمضي قدماً بأسرع وقت ممكن. وهذا يعني أن ينتهي بك المآل إلى أنك تتخذ القرارات قبل أن تحسن من قدرتك''.

تقديم قوانين مرضية محليا يمنع من ناحية ''المرض الهولندي''، وهو المصطلح الذي صاغه علماء الاقتصاد لقطاع من الموارد يشهد طفرة يمتص الحياة من باقي الاقتصاد.

إدارة التوقعات تبقى واحداً من التحديات الكبرى. الرئيس التنفيذي لشركة ''تولو غانا'' إيك دوكر يقول إنه حينما وجد النفط كان هناك ''توقع كبير أنه سيغير حياة الناس'' يضيف، لكن ''الحكومة تتخذ خطوات الآن لمعالجة هذا الأمر''.

في غانا جلب أول عام لإنتاج النفط نحو 7 في المائة من إجمالي الدخل القومي لكن هذا كان رأسمالا بدلاً من عمل يتطلب عمالة كثيفة. يتطلع المسؤولون إلى تطوير استراتيجية الغاز وبناء صناعة بتروكيماوية.

النمو ليس إيذاناً بنهاية الفقر. كانت موزمبيق أكبر اقتصاد غير بترولي سرعة في النمو في دول إفريقيا جنوب الصحراء على مدار الخمس عشرة سنة الماضية، مع إجمالي دخل قومي بمتوسط 8 في المائة ما بين عامي 1996 و2008، مدفوعاً بإعادة هيكلة بعد الحرب الأهلية فيها. وقد تعثر التقدم لتقليل نسبة الفقر، مع وجود نصف الموزمبيقيين تماماً ما زالوا يعيشون تحت خط الفقر البالغ نصف دولار يومياً.

ويبقى الفساد يشكل خطراً أساسياً في تنزانيا. يقول بارناباس ساماتا، الرئيس المشارك ''لإي إي إي ميدياشن'' والرئيس السابق للمحكمة العليا في تنزانيا: ''يخشى الناس ما سيحدث إذا لم يتم التعامل مع الفساد الآن، فيجب أن يتم اتخاذ خطوات عملية''.

أصبحت موزمبيق مذعنة لمبادرة الشفافية في الصناعات الاستخراجية في شهر تشرين الأول (أكتوبر). قواعد جديدة من لجنة الأوراق المالية والبورصات في الولايات المتحدة التي تتطلب من الشركات الكشف عن المدفوعات المتعلقة بمشروعات فردية، وتطبيق أحكام متعلقة بالتنظيم المالي ''دود-فرانك'' لعام 2010، والتي ثبت أنها مثيرة للجدل. قال كيث مايرز، رئيس شركة ''ريشموند إنيرجي بارتنرز'' في الوقت الحالي والمستشار السابق لمجلس نواب غانا: ''من المبكر جداً القول هذا لكن الإبلاغ عن كل مشروع سيكون بلا شك صداعا إداريا. لا تعالج أحكام دود- فرانك الشراء والإنفاق حيث سيجادل العديد بكثرة حول كذب مشاكل الفساد''.

السؤال الذي تتصارع معه العديد من الدول هو إذا ما كان بإمكانهم تجنب أخطاء الآخرين في الوقت الذي يديرون فيه التوقعات. يقول مسؤول متبرع في موزمبيق: ''هذا هو السؤال الذي يساوي الملايين''.

الآن:الاقتصادية

تعليقات

اكتب تعليقك