سامي خليفة ضد العفو العام والتنازل عن قضايا اقتحام المجلس و'الغوغائيين'

زاوية الكتاب

كتب 1119 مشاهدات 0

ارشيف

الكويتية

نعم للمصالحة.. ولكن!

د. سامي ناصر خليفة


لا أخفي شعوري بالضيق مع توالي الأخبار التي تؤكد توجه الحكومة إلى التنازل عن القضايا المتعلقة بكل منتهك للقانون فيما يتعلق بالمسيرات غير المرخصة، والتغريدات التي تجاسرت على مسند الإمارة، والقضايا والأحكام الصادرة ضد الصحف والفضائيات، وكتاب الرأي الذين تطاولوا على مخالفيهم قذفا وتجريحا، وسحب شكاوى وزارة الداخلية ضد الشباب وغير ذلك! وبالرغم من طابعي المبالغة والإشاعة اللذين رافقا هكذا أخبار، إلاّ أن شعوري بالضيق لم يكن دافعه حب التشفّي بألم الآخرين، فهم أبناء بلدي ولهم حق المحبة والمودة والإعانة والمساعدة. ولكن السبب الرئيس يكمن في حالة التخبط التي ترافق سلوكيات وتصرفات الحكومة وطبيعة تعاملها مع المختلفين معها!
ومع إقراري بأن العفو والمصالحة هي خطوة تنازل أبوية تنم عن الشعور بالمسؤولية وتشكل قيمة دافعة تنحاز إلى استقرار الوطن كونها مصلحة عامة على حساب أي عناوين ضيقة أخرى، ولكن السؤال هل مثل تلك الخطوة إن صحّت تنسجم مع النفس الأبوي المنشود من جانب، وتتلاءم مع النتائج المرجوة منها؟! بالتأكيد الإجابة لا وألف لا.
وباستعراض واسع للمناخ السياسي في الشارعين المعارض والموالي للحكومة والنظام، أحسب أن هناك حاجة ماسة لقراءة سلوك الطرفين. فقوى الموالاة تستميت اليوم في إضفاء جو من الاستقرار السياسي على التشكيلة التشريعية الجديدة من جانب، وتتنازل وتغض الطرف عن الكثير من زلات الحكومة وتخبّطاتها وعثراتها من أجل ضمان استقرار العلاقة بين الحكومة والمجلس من الجانب الآخر. وبالطبع تتطلب تضحية قوى الموالاة تلك الشكر والثناء ورد الجميل من قبل الحكومة بمثله إن لم يكن بأحسن منه، بل أجد من المهم أن تتعامل الحكومة مع الموالاة كجزء لا يتجزأ من مشروع الشراكة الإستراتيجية في بناء الدولة.
أما قوى المعارضة، فمنحاها السلبي بات في تصاعد مستمر إلى درجة تنذر بنيتها واستعدادها لهدم أركان وأسس العيش المشترك بين الحاكم والمحكوم من جانب، وعزمها على انتهاك مبدئي السلم الأهلي والوحدة الوطنية بين أطياف وألوان المجتمع من الجانب الآخر. وما تهديد قوى المعارضة بتدويل قضاياهم سياسيا في المحاكم الدولية، وما استباحة الغوغائيين من شباب المسيرات غير المرخصة لحرمة المواطنين والوافدين وإهانتهم رجال الشرطة والأمن العام، إلا أدلة صارخة على وصول المعارضة إلى ذروة التمرد على الواقع الاجتماعي والسياسي العام وتجاوز الخطوط الحمراء وفتح المعركة مع الحكومة والنظام والمجتمع من أوسع الأبواب وبلا تحفظ وكأن منطقهم يقول «أنا الغريق فما خوفي من البلل».
من هنا نقول إنه لا يُعقل للحكومة اليوم أن تفكر بالتنازل عن أي قضية عامة ضد من انتهك النظام العام واقتحم مجلس الأمة في ظلمة الليل وأشاع الفوضى في البلاد وروّع الناس وعطل مصالحهم وعرقل التنمية وعبث في مرافق الدولة العامة! وهو ليس حقا خاصا يتعلق بالحكومة كي تتصرف به كيفما شاءت، بل هو حق عام يتعلق بكل المجتمع الكويتي الصغير قبل الكبير والمرأة قبل الرجل، ولا يمكن أن يتم التهاون في هذا الأمر بتاتا.
نعم.. نحن جميعا مع المصالحة الوطنية ومع تنازل الجميع كلا حسب ما يمليه عليه ضميره ومصلحة وطنه وأهله، ومع الشفافية الكاملة والمصارحة المسؤولة في التعاطي مع القضايا مورد الاختلاف والخلاف، ولكن
لا يمكن أن تكون تلك الجرائم الجنائية التي ارتكبت جزءا من التنازل لأنه لاأحد يملك إلغاء الحق العام المتعلق بالمواطنين ومصالحهم، وبالتالي فهو موضوع أمره متروك للقضاء أولا وآخرا، وما دامت القضايا جميعها تنظر في موقع الاحتكام وفض النزاع الذي نثق فيه جميعا فعلى كل متهم الدفاع عن نفسه هناك والسعي جاهدا لتبرئتها. إنها العدالة التي نفتخر بها وهناك الآلاف من المواطنين لهم قضايا عامة وخاصة مرفوعة ضدهم وفي مناحي كثيرة ومتفاوتة وليس من العدل التنازل عن بعضها وترك البعض الآخر.

الكويتية

تعليقات

اكتب تعليقك