استعرض مشوار الصعلكة في عصور منوعة
منوعاتسليمان الفليح: حنشل البوادي امتداد للصعاليك بطرق جديدة
يناير 22, 2013, 2:21 م 2653 مشاهدات 0
ضمن فعاليات مهرجان القرين الثقافي التاسع عشر، استضافت رابطة الأدباء الكويتيين الشاعر والباحث سليمان الفليح، في محاضرة بعنوان ' مقارنة بين شعر الصعاليك وحنشل البوادي المتأخرين'، وأدارها الشاعر إبراهيم الخالدي.
بداية تحدث الشاعر والباحث سليمان الفليح عن مفهوم 'الصعلوك' لغوياً مبيناً أنه الفقير الذي لا مال له ولا اعتماد، وتصعلكت الإبل خرجت أوبارها وانجردت، وصعاليك العرب وذئابها وهم فئة خرجت على قبائلها نتيجة الخلع الإجتماعي بسبب التمييز الطبقي، لذلك هبّ أولئك الفتيان يسلبون ما يرون أنه حق لهم فلا يقربون الشيخ الكريم والمرأة والرجل الضعيف والفقير العاجز، ويتربصون بالغني والبخيل كما قال أحدهم:
وعيابة للجود لم تدر أنني/ بأنهاب مال الباخلين موكل
ويورد الفليح ملامح من قصائد الصعاليك، مشيراً إلى أن سيد الصعاليك الشاعر عروة بن الورد يلخص فلسفة هذه الفئة المتصعلكة ضمن الأبيات التالية:
أتـهزأ مني أن سمـنت وأن ترى/ بـجسمي شحوب الحقّ والحقُ جاهدُ
أُقسم جسمي في جسومٍ كثـيـرةٍ/ وأحسـوا قَـراحَ الماءِ والماءُ بـاردُ
إنـي امرؤٌ عافِي إنائـي شـركةٌ/ وأنت امـرؤٌ عافـي إناءك واحـدُ
إنسانية وكرم
ويلفت الفليح إلى أن الصعاليك ليسوا هم بمفهوم العامة 'سفلة المجتمع والرعاع، بل إنهم فرسان تميزوا بالبسالة والإقدام والكرم والإنسانية، معتبراً إرثهم الشعري من أروع ما كتب في الأدب العربي، مستشهداً بقول أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه حينما كان يحض المسلمين في ضرورة تعليم أولادهم لامية العرب للشاعر الشنفري الصعلوك.
وأضاف الفليح:' لذلك يمكننا القول أن صعاليك العرب سلكوا جميعاً أسلوباً واحداً في الحياة آمنوا أن الصعلكة الاسلوب الوحيد الذي يمكنهم من رفع المعاناة عن كواهلهم المثقلة بالتقاليد الاجتماعية والأعراف السائدة لاسيما أن هذه الأمور لا تنصف المظلوم ولا تستر عورة الفقير، رافعين شعار الغزو والإغارة والسلب والنهب'.
أربعة أنواع
ويشير الفليح إلى حديث الدكتور يوسف خليف الذي يصنف الصعاليك إلى أربعة فئات الأولى الخلعاء الذين أخرجهم قومهم من القبيلة والثانية: الأغربة هم أصحاب البشرة السوداء الذين يعانون من العبودية وتوابعها، أما الثالثة: فهم شريحة الفقراء وأخيراً: المتمردون الذين تبعوا نزعة الشر في أنفسهم.
ويستطرد الفليح في الحديث عن رأي خليف ضمن هذا الاتجاه، ويقول بحسب الدكتور يوسف خليف يرى أن التمرد لدى الصعاليك وسيلة إنسانية نبيلة من خلالها يتم رفع الظلم عن المظلومين وحماية المستضعفين من ضيم الأقوياء، وتأمين حياة كريمة للفقراء عن طريق تحقيق العدالة الاجتماعية والتوازن الإقتصادي بين طبقات المجتمع.
تفكك وضعف
وتتبع الفليح مجموعة من الشعراء منذ العصر الجاهلي مرورا بالعصور الأخرى، مستشهداً ببعض القصص التي تروي بطولاتهم، معتبراً أن في أواخر الدولة العباسية حينما أوهنها التشرذم والتفكك ظهر شعراء استمروا بأسلوب أسلافهم مكتسبين طرق جديدة تواكب عصرهم ومنهم إن حمدون ثم في الدولة الفاطمية علي الزيبق وابن سودون في مصر والسقاط والزبال في دمشق، قم ظهرت فئة أخرى وهم الشطار والعيارين والجدعان والحرافيش في مصر.
وتابع الفليح:' وفي بداية القرن الماضي حينما انتزعت السلطات السيف من كف الصعلوك ظهرت فئة من الصعاليك استخدمت سيف الشعر في النقد والسخرية وانتزاع لقمتها ومنهم عبد الحميد الديب غمام العبد في مصر وعبد الأمير الحصري في العراق وعرار في الأردن.
حنشل البوادي
في حديث عن حنشل البوادي المتأخرين، فيؤكد الفليح أنها مفردة مستوحاة من حنش وهو في اللغة الأفعى وحنش الشيء بمعنى صاده والمنحوش المسوق مكرها وحنشه ساقه وطرده ونحاه من مكان إلى آخر، مشدداً أنه عقب ضعف الدولة العباسية بدأت تعود القبيلة إلى ممارسة سطوتها وشرعت القبائل في الغزو من جديد وكانت الحرب في البداية عنيفة جداً واستمرت لفترة طويلة حافلة بالكر والفر إلى أن يؤول الأمور لصالح أحد الطرفين، فأدى ذلك إلى نشوء الحناشل الذين يشبهون أهل الجاهلية الأولى بخطف الإبل من الخصوم.
وقدّم الفليح مقاربات شعرية بين بعض النصوص باللغة الفصحى ومشابهاتها باللهجة العامية، مؤكداً أن النصوص الشعرية جاءت متشبهة إلى حد كبير وإن اختلفت المكان والزمان والأسماء، مؤكداً أن بعض الصعاليك في العصور القديمة واجهوا النبذ من مدنهم وأهلهم، بينما الحناشل نلوا تقدير قبائلهم وكانوا مصدر فخر لهم.
وعقب تفشي هذه الظاهرة بشكل مخيف قررت الحكومات بوضع حد لهذه الممارسات الخاطئة والخارجة عن القانون فأبرمت هذه الدول بعض الاتفاقات لتقويض هذه الممارسات المرفوضة.
روبن هود
كما تحدث الفليح عن هذه الظاهرة المسماة ب'الهمبته' في السودان، مؤكداً أنها موجودة في تونس وبلدان أخرى، فوجود ظاهرة الصعلكة ليس مقتصراً على العرب بل امتد إلى أوروبا وكان روبن هود النموذج الغربي لهذه الظاهرة.
جولة تاريخية
سرد الفليح تفاصيل مواقف كثيرة تبين مكانة هؤلاء الشعراء في عصورهم، ففي العصر الجاهلي أورد مواقف جميلة للشاعر عروة بن الورد وأبو خراش الهذلي، وصخر الغي وحاجز الأسدي، وجريبة بن الأشم، وتأبط شراً، والسليك بن سلكه، وفرعان بن الأعرف وعرقل السعدي وبهدل الطائي.
من العصر الأموي ذكر مجموعة من الشعراء منهم، مالك بن الريب والقتال الكلابي والاحيمر السعدي وعمرو بن الكعب وجحدر وأبو حردبه وشظاظ الضبي والغداف وابن خرشه أبو النشناش النهشلي.
وفي العصر العباسي: بكر بن نطاح، وحسكه بن عتاب والشمرول البجلي وفضالة بن شريك.
ومن الفقراء الذين عاشوا سلاح شعرهم أبو الشمقمق وأبو دلامة وابو الشيص.
كما تحدث عن صعاليك الفكر في وقتنا الراهن، ومشيراً إلى أن الصعلكة شهدت عودة في مراحل سابقة إذ عادت تحت مسميات أخرى، ومن هؤلاء الشعراء فهد العسكر وصقر الشبيب وفهد بورسلي وأمل دنقل واحمد فؤاد نجم.
كادر - منارة ثقافية
عبر الشاعر سليمان الفليح عن سعادته لاستضافته في رابطة الأدباء الكويتيين، مثمناً دور المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب في تنظيم هذه الفعالية ضمن مهرجان القرين القافي التاسع عشر، شاكراً الأمين العام المهندس علي اليوحة ونائب الأمين العام عبد الهادي العجمي ومدير المهرجان سهل العجمي، وأضاف:' أشكر الجميع في المجلس الوطني الذين وجهوا لي الدعوة للمشاركة ضمن مهرجان القرين وهذا ليس بغريب على المجلس الذي أصح منارة ثقافية تنير صحراء العالم العربي، وكذلك أقدر دور ورابطة الأدباء في منحي فرصة الوقوف مجدداً على مسرحها الذي شهد انطلاقتي الأولى في الشعر، إذ لم تقصر هذه المؤسسة في احتضاني وتشجيعي'.
تعليقات