الصين وطموحات مقاومة الهشاشة بقلم أندرو شنج

الاقتصاد الآن

405 مشاهدات 0


 

لقد وصلت الصين مرة أخرى إلى مفترق طرق في رحلتها إلى الازدهار الشامل المستدام. وفي مؤتمر الحزب الشيوعي الصيني في تشرين الثاني (نوفمبر)، تم تكليف الزعامة الجديدة بتخطيط مسار البلاد على مدى الأعوام العشرة المقبلة، وهو ما يستلزم تحديث أنظمة الصين الاجتماعية والسياسية والاقتصادية ضمن حدود تاريخها وسياقه الجيوسياسي المتغير.

والواقع أن أجندة الإصلاح طموحة بكل المقاييس، خاصة في ظل البيئة الخارجية الهشة غير المواتية. ففي غضون العقدين المقبلين، يتعين على زعماء الصين أن يعملوا على تصميم وتنفيذ الإصلاحات اللازمة لمكافحة الفساد، ودعم الهجرة إلى المدن، مثل تحرير نظام تسجيل المساكن؛ وتعزيز الإبداع التكنولوجي، وإعادة التوازن إلى مصادر النمو الاقتصادي، ورفع معايير البيئة والعمل، وبناء نظام الرفاهة الاجتماعية، بما في ذلك الرعاية الصحية، والتعليم، والضمان الاجتماعي.

ولضمان استدامة أي نظام، فإن تصميمه لا بد أن يحتسب لما أطلق عليه المفكر نسيم طالب وصف أحداث ''البجعة السوداء'' النادرة، القابلة للحدوث وبعواقب وخيمة كما أثبتت الأزمة الاقتصادية العالمية. لكن التدابير الرامية إلى جعل الأنظمة أكثر ''مرونة'' أو ''قوة'' تُعَدّ غير مكتملة. فالأنظمة لا ينبغي لها أن تكون قادرة على تحمل التقلبات فحسب، بل ينبغي لها أيضاً أن تكون مصممة للاستفادة من الضغوط والفوضى.

أخيراً، ابتكر نسيم طالب مصطلح ''مضاد الهشاشة'' لوصف نظام يستفيد من عدم اليقين المتأصل، والتقلبات، والفوضى. وأشار إلى أنه على الرغم من أن الأنظمة الجامدة تبدو أكثر استقرارا، فإنها ليست مجهزة للتعامل مع الصدمات غير المتوقعة، الأمر الذي يجعلها هشة في الأمد البعيد. وعلى النقيض من هذا، فإن التعرض المتكرر للتقلبات المؤقتة المحلية من شأنه أن يرغم الأنظمة على تبني قدر أعظم من الديناميكية والمرونة، على النحو الذي يحسن من قدرتها على الازدهار تحت الضغوط.

إن التدابير المضادة للهشاشة تشكل أهمية بالغة في الاقتصادات الضخمة مثل الصين، حيث الإدارة مركزية إلى حد كبير، ولكن الأنشطة موزعة بين الأُسر، والمجتمع المدني، والأسواق، ومختلف مستويات الحكومة. وتكمن أعظم التحديات التي تواجه الصين في إيجاد التوازن بين تقاليدها اللامركزية القائمة على الأسرة وبين حكومتها المركزية، وبالتالي يصبح بوسعها أن تطور في مؤسساتها ذلك النوع من مضادات الهشاشة القائم بالفعل في ثقافتها.

لقد ناضلت الصين من أجل إيجاد التوازن بين المركزية والتجزئة - بين التحكم وعدم اليقين - عبر تاريخها الطويل من ديناميكيات الصعود والهبوط، والتفسخ المحلي، والغزو الأجنبي. وفي حين ساعد الاختيار المفتوح القائم على الجدارة من بين ''المسؤولين المثقفين'' في الحفاظ على البنية الحاكمة الأسرية المغلقة لأكثر من ألفي عام، فإنه كان عاجزاً عن التعويض عن هشاشة النظام المتزايدة في ظل حكم أسرة شينج، بعد أن عملت الفتوح على زيادة عدد سكان الإمبراطورية من 150 مليون إلى 450 مليون نسمة. وفي نهاية المطاف كان الفساد المستشري، والاضطرابات الاجتماعية المتصاعدة، والعجز عن مقاومة القوى الغربية الحديثة، من الأسباب التي أدت إلى انهيار الأسرة الحاكمة، وأطول البيروقراطيات عمراً على مستوى العالم، في عام 1912.

بيد أن العديد من التدابير المضادة للهشاشة في الصين كانت مجزأة وغير كاملة. على سبيل المثال، تظل الحاجة إلى إصلاح الشركات المملوكة للدولة على الأجندة، نظراً لقوة المصالح الخاصة التي تعارض المزيد من الخصخصة والإصلاحات القائمة على السوق.

من حسن الحظ أن موقف الصين المالي قوي، وكذا موقفها فيما يتصل بصرف العملات الأجنبية، وهو ما من شأنه أن يخفف عن اقتصادها الصدمات القصيرة الأمد. وعلى الرغم من الهشاشة الناجمة عن الفساد، فإن قدرة الجهاز البيروقراطي على تنفيذ السياسات سليمة.

يتمثل أحد التحديات الكبرى في تحديد الأدوار والمسؤوليات الملقاة على عاتق الحزب، والدولة، والسوق، والمجتمع المدني. ونظراً لقدرة الحكومة الثابتة على التدخل، فإن الخيار المفترض في أثناء الأزمة كان الاعتماد على التدابير الإدارية بدلاً من قوى السوق. والسماح بالتصحيح الذاتي غير المنظم من قِبَل الأسواق يتطلب الثقة على كل مستويات الحكم، من الحكومة المركزية إلى الإدارات القروية، وبين الشركات المملوكة للدولة.

وفيما يتولون الإصلاحات البنيوية عبر قطاعات متعددة، فإن زعماء الصين لديهم الفرصة لدعم ازدهار بلادهم في الأمد البعيد. ولكن نجاح هذه المهمة سوف يتطلب إيجاد التوازن بين الحفاظ على الاستقرار النظامي الشامل والسماح لاقتصاد البلاد الضخم بالتكيف والنمو، وهو التحدي الذي تصارعت معه الصين لقرون من الزمان.

الآن:الاقتصادية

تعليقات

اكتب تعليقك