مؤكدة انتهاء الوقت للحوار مع بشار

عربي و دولي

معارضة سورية: 'الربيع العربي' ثورة بلا رأس يقودها أو فكر يوجهها انطلقت ضد الظلم والاستبداد

1244 مشاهدات 0

د. أميمة أحمد

أجرى الزميل شريف اسماعيل مقابلة صحفية مع المعارضة السورية الدكتورة والإعلامية أميمة أحمد أستاذه الاقتصاد في جامعة الجزائر، فيما يلي نصها:

 
نبدأ مع درعا 'مهد الأحداث السورية' وكما يقول المثل العربي فإن معظم النار من مستصغر الشرر، هل تعتقدين بأن إقدام القيادة السورية علي قمع أهالي درعا هي سياسة منهجية منظمة كما حدث لأهالي حماه عام 1982 أم أنها نظره خاصة مستقبلية توقعها النظام السوري بأنها بداية لأحداث جسمية في إطار مشروع تغيير النظام السوري فيما يعرف إعلاميا بثورات الربيع العربي ؟

درعا مهد الثورة السورية ، وما يجري في سورية ليس أحداثا، بل ثورة شعب ضد الظلم والاستبداد . وفي درعا خرج الأهالي دفاعا عن كرامتهم التي أراقها النظام في حديث مسئول الأمن السياسي بدرعا عاطف نجيب ابن خالة الرئيس بشار الأسد، قابل وجهاء عشائر درعا، الذين جاؤوا للمطالبة بإطلاق صراح أبنائهم ، وتتراوح أعمارهم بين 12-14 سنة ، كانوا يلعبون بالشارع مقلدين المتظاهرين في مصر وتونس  ' الشعب يريد إسقاط النظام' فاعتقلهم الأمن . فقال عاطف نجيب لوجهاء درعا 'أولادكم مافي ولاد ، روحو جيبو غيرهم ، وإذا مافيكم ابعتو نسوانكم نحن منحبلهم' كانت النقطة التي أفاضت كأس المذلة التي عاشها السوريون تحت قبضة أمنية صارمة ، فكانت الهتافات 'الموت ولا المذلة' ، والمطالب المرفوعة في مظاهرة درعا 18 مارس 2011 في جمعة الكرامة ، ضد الفساد لذا هتفوا 'حاميها حراميها' ، يريدون الإصلاح الحقيقي، لكن قوات الأمن استخدمت قوة السلاح بإفراط كعادة النظام في قمع أي معارضة له ، منذ استيلاء الرئيس حافظ أسد على السلطة اعتمد على أجهزة أمنية تدين بالولاء المطلق.
لم يكن الرئيس بشار يتوقع أن يجري في سورية ما جرى في تونس ومصر وليبيا، بل قال 'سورية تختلف' لذا كان القمع كمنهجية متبعة لديه وليس خوفا من انتشار شرر الثورة من درعا لباقي سورية . الإفراط باستخدام القوة لقمع المتظاهرين كان لردع وتخويف المحافظات الأخرى ، لكن فاته أن حاجز الخوف انكسر.

هل تؤمنين بفكرة استمرار دومين سقوط الأنظمة العربية أم أن بشار الأسد استطاع تحطيم هذه الفكرة في سوريا؟

 ليست القضية دحرجة دومين الزعماء العرب واحدا خلف الآخر ، بل كما أراه أن تغييرا يحدث في المنطقة برمتها، ولن يتوقف عند سورية بل يمتد حتى الخليج العربي ، وأعتقد أن الدول الغربية ، خاصة منها أصحاب القرار الدولي وتحديدا أمريكا ليست بعيدة عن هذا التغيير الذي فاجأ العالم في تونس في أعقاب  إقدام الشهيد محمد البوعزيزي على حرق نفسه وسط مدينته سيدي بوزيد الفقيرة التي لم تمسها التنمية في عهد بن علي. كانت ثورة جياع ، ثورة حرية وكرامة ، فركب الغرب موجة ثورة تونس ، ومنها إلى باقي الدول العربية ، وأصبح هذا الغرب لاعبا أساسيا في الثورات ، التي قامت بها  الشعوب العربية وهي تعيش احتقانا أدى لهذا انفجار الشعبي، كاسرين الخوف في قلوبهم من أنظمة استبداد. وبالتالي باعتقادي أن الشعوب العربية من مغارب ومشارق الوطن العربي ستتحرك تباعا لأجل عدالة اجتماعية وحرية التعبير والتداول السلمي على السلطة دون احتكار السلطة في عائلة أو طائفة . وعلى من بقي من الدول العربية إذا كانت تعقل ما يجري من ربيع عربي أن تتعظ وأن تبادر لإصلاحات حقيقية قبل طوفان الشعب الثائر لمطالب مشروعة.
بشار لن يبقى حتى لو طال عمر الثورة السورية ، فقد سقطت شرعيته أمام شعبه قبل العالم، إذا كان عاقلا يتنحى الآن  مقابل ملاذ آمن في روسيا أو إيران حقنا لدماء السوريين أما  وملاحقته قضائيا على الجرائم التي ارتكبها وأتباعه لا تسقط بالتقادم، تبقى حقا تكفله المواثيق الدولة لولي الدم حتى لو كان هناك تسوية سياسية  قضت بالسماح له ، يبقى من حق أسر الضحايا مقاضاته .
- د. أميمه - أستاذه الاقتصاد في جامعة الجزائر من واقع خبرتك الاقتصادية - لماذا اتجهت الفكرة السابقة من تونس إلي الشرق ولم تتجه إلي غربا صوب الجزائر والمغرب وهما تحتضنان ديكتاتوريات عربية واقتصادهما متردي للغاية ومستوي الحرية لا يختلف كثيرا عن دول المشرق العربي ؟
د.أميمه أحمد
- قبل أن تتجه المظاهرات نحو مصر اتجهت إلى الجزائر، حيث كانت مظاهرات 5 يناير 2011، واستمرت لأسبوعين مظاهرات يومية، تبدأ على الثامنة مساء كل يوم، يكّسرون المرافق الأمة،  وحدثت مواجهات مع قوات مكافحة الشغب، وتزامنت تلك المظاهرات مع إجراءات اقتصادية اتخذتها الحكومة لمنع التهرب الضريبي، وحماية الاقتصاد الوطني فمنعت السوق الموازية ، ورفعت الضرائب ، فكانت فرصة لرجال الأعمال لاستغلال غضب الشباب الثائر لأجل عمل وسكن، بتأجيج التظاهر اليومي، فتراجعت الحكومة عن الإجراءات حتى أغسطس 2011 ببيان رسمي ، واستمرت تلك الإجراءات  حتى اليوم. والمظاهرات المطلبية لا تهدأ بالجزائر، لكن السلطة لازالت قادرة على شراء الصمت الشعبي حفاظا على السلم الأهلي، لكنه بنظر المحللين يبقى سلما هشا ما لم تقم الحكومة بإصلاحات جذرية تقنع المواطن بالانتخابات التي لازالت لا تعبر عن إرادة الشعب.
في المغرب قام الملك محمد السادس بشراء السلم الأهلي بحزمة إصلاحات تنازل قليلا عن بعض الصلاحيات المطلقة للملك ، ونجح الإسلاميون بالانتخابات ، التي أفرزت أول رئيس حكومة من التيار الإسلامي . لكن هذا التواطؤ مع الإسلاميين لم يغير حياة الشعب المغربي، حيث نسبة الفقر تزيد عن 40 بالمائة ، مما يجعل  السلم الأهلي بالمغرب هشا.
- يري كثير من أنصار الثورة السورية بأن تحرير القدس لن يتم إلا بعد سقوط نظام الأسد وهذه المقولة تردت من قبل في أحداث تونس ومصر وليبيا واليمن وبعد تغيير الأنظمة لم يتحرك جندي واحد حتى باتجاه غزه ناهيك عن القدس فهل أصبح الدين مبررا لسفك دماء ألاف العرب ، أم لإسقاط الأنظمة ؟
د.أميمة أحمد
- بإعتقادي الربيع العربي  إذا جاز التعبير 'ثورة' لأن الثورة تنطلق برأس يقودها وفكر يوجهها،  فتلك الثورات انتفاضات شعبية انطلقت بلا رأس، ولم تندلع باسم الدين أو لتحرير بلدان عربية محتلة، بل قامت ضد الظلم والاستبداد ، والبحث عن مكان للمواطن في وطن استباحه الحكام كأنه مزرعة خاصة لهم، والشعب عبيد لديهم.
 صحيح ارتفعت شعارات تحرير القدس، وبعد سقوط الأنظمة لم تتحرك الجيوش العربية لتحرير القدس، الشعار ردة فعل على تجارة الحكام العرب بالقضية الفلسطينية بالشعارات الجوفاء، التي نلحظها في مؤتمرات القمة العربية، ولعل الخذلان العربي للفلسطينيين بلغ الذروة في قمة بيروت 2002 التي طرحت المبادرة العربية الشهيرة، في وقت كان الزعيم الفلسطيني ياسر عرفات محاصر، وحتى كلمته التي وعدوا بنقلها على المباشر لم تتم، والقمة منعقدة لأجل فلسطين، فالثورات أرادت بشعارها فضح الحكام .
هل سيكون تحرير القدس بعد سقوط الأنظمة ؟ مهما طال الزمن ستتحرر فلسطين ويقتنع اليهود أن المشروع الصهيوني الذي ينفي المشروع العربي في فلسطين سيكبدهم خسائر كبيرة ليس الآن بل مستقبلا، والسلاح والجيش لا يصنع دولة، وليس أمامهم سوى حل ديمقراطي كما حصل في جنوب أفريقيا، دولة تتسع للجميع، والحرية للجميع.
- سوريا الممانعة، سوريا المقاومة، سوريا الجيش العربي، سوريا الصمود.. الخ أين ملف تحرير الجولان في أجندة نظام الأسد منذ حافظ وحتى بشار؟
د.أميمة أحمد
- منذ حرب أكتوبر 1973 جبهة الجولان هادئة، والجيش السوري يحرسها من أي تسلل فدائي على مدى 42 عاما، سواء في عهد الرئيس الراحل حافظ الأسد أو وريثه الدكتور بشار الأسد، لم يكن تحرير الجولان على أجندة النظام السوري بعد 1973، بل تحدثوا 'بالسلام الاستراتيجي' ، ولم يتحدثوا مطلقا عن حرب مع إسرائيل لتحرير الجولان، بل أن إسرائيل اخترقت اتفاقيات الهدنة مع سورية، وضربت عين الصاحب مركز تدريب لحماس بدمشق، وحلق الطيران الإسرائيلي مرات فوق القصر الجمهوري بدمشق واللاذقية، كان الرد السوري 'إسرائيل تريد جرنا لمواجهة ونحن لا ننجر لما تريده إسرائيل، بل نحدد الزمان والمكان متى نريد' هل هذا رد نظام 'مقاوم ؟ وممانع ؟ وعروبي ؟'. بل أقول إن حربه في لبنان بدعمه حزب الله بتمرير سلاح إيران إليه عبر سورية، كان مصلحة إيرانية أساسا، لأن إيران تريد لها نفوذ في المتوسط، وحققته عن طريق التحالف الاستراتيجي مع النظام السوري منذ الأسد الأب، وهو أطول تحالف يزيد عمره عن ثلاثين عاما، مما جاء فيه 'أي اعتداء خارجي على إحدى البلدين يعتبر اعتداء على البلد الآخر' وهذا حقق لإيران منافذ على البحر المتوسط عبر سورية، ولبنان حزب الله، وغزة حماس. فشعار الممانعة هذا مصلحة إيرانية، وليس في وارده تحرير الجولان التي ضمتها إسرائيل عام 1982.

- في الأسبوع السادس للثورة السورية طرحتي مبادرة لحل الأزمة السورية بأن يقوم الرئيس بشار الأسد بتنفيذ حزمة من الإصلاحات الحقيقية في البلاد فما هي تفاصيل هذه الإصلاحات وهل فات الوقت للمضي قدما في تنفيذها بعد عامين من الثورة ؟
د. أميمة أحمد
- طبعا فات وقت المبادرة التي طرحتها في مايو 2011، يومها كان عدد الشهداء لا يتجاوز خمسمائة شهيد، ولم يستخدم النظام السلاح الحربي ضد الشعب السوري، أما بعدما تجاوز عدد الشهداء المعلن عنهم نحو 70 ألف شهيد، وتدمير أكثر من 30 بالمائة من البنية التحية السورية، وتدمير مدن وأحياء بعينها مثل إدلب حمص حماه دير الزور، وهو بهذا يستهدف الشارع السني ليبرر حربه ضد الشعب السوري أنه 'يقاتل الإرهاب' لأن مصطلح  الإرهاب سوقته الولايات المتحدة الأمريكية بعد هجمات 2011 على أنه 'الإسلام السني'. بعد كل هذا الدمار الذي تسبب به النظام السوري أصبح فاقد الشرعية ، وليس أمامه سو التنحي.
المبادرة كانت ترمي إلى حل وطني لتجنيب سورية التدويل والتدخل الخارجي، وأن يقوم بشار نفسه بقيادة المرحلة الانتقالية، وتركزت على التالي:
الآن سال الدم، ودخلت سورية في دوامة العنف والعنف المضاد، وكلما قتلت قوات الأمن المتظاهرين استفزت الشعب وتدفق للشوارع أكثر، فيجب كسر هذه الحلقة بإجراءات جادة تنقل سورية إلى الديمقراطية والحرية بدون دماء بعد اليوم. وهذه الإجراءات كالتالي، وبداية نثمن قرارات رفع حالة الطوارئ وإلغاء محكمة أمن الدولة، وحق التظاهر، ولكن في أرض الواقع لم يطبق شيء، حيث لازالت الاعتقالات العشوائية، ومنع المظاهرات، وبالتالي نرى ما اتخذ من قرارات لا يعدو أن يكون دعاية للتسويق الخارجي. ولكي نحقن دماء السوريين ونضمن انتقال سورية سلميا إلى الحرية والديمقراطية كما طالب المتظاهرون مطلوب عاجلا :

1ـ تشكيل حكومة مؤقتة تتكون من الكفاءات الوطنية، لا يتجاوز عددها العشرين عضوا بقيادة الرئيس بشار الأسد، تقود مرحلة انتقالية مدتها ستة أشهر.
2ـ أول مهام الحكومة المؤقتة رفع حالة الطوارئ وكل الأوضاع المتعلقة بها.
3ـ إطلاق سراح كافة المعتقلين خلال الانتفاضة السورية .
4ـ إطلاق سراح كافة معتقلي الرأي والمعتقلين السياسيين في السجون السورية.
5ـ عودة المنفيين والمهجرين لأسباب سياسية من دون قيد أو شرط ومن دون مساءلة.
6ـ تعويض ذوي الشهداء في المظاهرات، واعتبارهم شهداء لهم حقوق شهداء الواجب الوطني .
7ـ حل الأجهزة الأمنية، واختزالها بجهاز خاضع للقانون والمساءلة .
8ـ حل البرلمان والمجالس المحلية باعتبارها مؤسسات نشأت على تزوير إرادة الشعب .
9ـ تشكيل هيئة قانونية من خبراء في القانون الدستوري مستقلين، يقومون بتعديل الدستور، بما يتناسب مع دولة مدنية وحق المواطنة، في أجل 20 يوما. والتعديلات العاجلة، إلغاء 'المادة 8 من الدستور التي تنص على أن حزب البعث قائد الدولة ولمجتمع '، وتحديد عهدة الرئيس بأربع سنوات، وتسقيف عهدات الرئيس بعهدتين فقط غير قابلة للتمديد، ومن شروط المرشح للرئاسة، السن 40 سنة، متزوج من سورية من أبوين سوريين، يحق لكل سوري الترشح للرئاسة بغض النظر عن دينه أو عرقه، ويكون المرشح خاليا من الأمراض، وفي حال مرضه يعلن شغور منصب الرئيس .
تقوم الحكومة المؤقتة في حملة دعائية لشرح التعديلات الدستورية في غضون 21 يوما، ثم يجري استفتاء شعبي على الدستور.
10 ـ وضع قانون للأحزاب وآخر للانتخابات يسمح بتعددية سياسية لكافة القوى السياسية السورية، ويتيح لها خوض الانتخابات والترشح وفق الدستور، وأن يكون المرشح سوري الجنسية فقط لا غير .
11ـ وضع قانون للإعلام كسلطة رابعة، يتيح حرية التعبير وسيولة المعلومة وسهولة الحصول عليها، لأن الإعلام الحر يعني دولة قوية.
12 ـ الحكومة المؤقتة التي يرأسها رئيس الجمهورية تدعو إلى مؤتمر وطني للحوار مع كافة القوى السياسية والاجتماعية، تحدد جدولا للحوار بنقاط محددة، وبمدة لا تتجاوز ثلاثة أيام منعا للشطط والانشغال بقضايا جانبية. والنقاط المطروحة للنقاش تكون: نوع الحكم هل هو برلماني أم رئاسي؟ ويُفضل أن يكون برلمانيا لتمكين ممثلي الشعب من مساءلة ومحاسبة السلطة التنفيذية، وضع مدونة أخلاقية يلتزم بها الجميع في الممارسة السياسية لتكون بعيدة عن كل دعوة طائفية أو عرقية أو مذهبية، وتحديد الحالات التي يتم فيها خرق هذا الميثاق الشرفي حتى لا يفسر كل واحد يصل السلطة مستقبلا حالات خرق الميثاق حسب هواه، والتداول السلمي على السلطة، ونبذ العنف للوصول إلى السلطة، والفصل بين السلطات الثلاث، التنفيذية، والتشريعية، وقضاء مستقل .

على الحكومة المؤقتة تنظيم انتخابات تشريعية ومحلية بموجب قانون الانتخابات، تكون حرة ونزيهة تحت رقابة دولية .
رئيس البرلمان هو رئيس السلطة التشريعية يدعو إلى انتخابات رئاسية مسبقة تعددية .

توازيا مع هذه الإجراءات تكون إجراءات مماثلة جارية لمحاربة الفساد، بالتحقيق بثروات كل من لا تتناسب ثروته مع حجم دخله، وهم معروفون، ومحاسبة الذين ارتكبوا جرائم قتل ضد المتظاهرين، وتقديمهم لقضاء مستقل، مع منع خروج أي أموال خارج سورية خلال الفترة الانتقالية ومدتها ستة أشهر .
بهذا تعود سورية إلى مكانتها اللائقة بها بين الأمم، حرة ديمقراطية .
لكن النظام دان طين ودان عجين، تصور أن الحل الأمني ينهي الثورة في مهدها.
- هل ترين بأن افتقار سوريا للبترول أنقذ نظام الأسد من إجماع أوروبا وأمريكا علي سرعة إسقاط الأسد كما حدث مع القذافي في ليبيا ؟ أم أن روسيا والصين كانتا ستستخدمان حق الفيتو في هذه الحالة أيضا ؟
د.أميمة أحمد
- صحيح كان البترول الليبي دافع الغرب للتدخل سريعا وإسقاط نظام القذافي ، لكن في سورية التي فيها بترول وثروات طبيعية لا تقل عن ثراء ليبيا ، لكن إسرائيل الجارة لسورية هي السبب الرئيس لموقف الغرب المنافق إزاء الثورة السورية، على مبدأ المثل المصري الجميل ' أسمع كلامك أصدقك أشوف أعمالك استغرب' من الشهر الأول كلينتون تدعو لتنحي الرئيس الأسد، وعملت تحالف ' أصدقاء سورية' ومؤتمرات وراء مؤتمرات لكن الواقع ثرثرة سياسية تبين أهدافها الرامية إلى إنهاك سورية الوطن والدولة وتيئيس الشعب، حينها قد تتدخل لإسقاط النظام وتكون ضمنت بديلا يحقق أمن إسرائيل كما كان نظام الأسد. فالغرب وأمريكا غير واثقين بالبديل، ويخشون من صعود متشددين في سورية ، خاصة بعد بروز التيار السلفي والجهادي في صفوف الثوار السوريين. هذا جانب، والجانب الآخر ضعف المعارضة سواء التي بالداخل والتي تماليء النظام بمواقفها خوفا من بطشه، أو المقيمة بالخارج ، التي وجدت نفسها فجأة مطلوب منها التوحد على برنامج عمل لإسقاط النظام، فراحوا يختلفون على الإيديولوجية، والمحاصصات السياسة، لهذا فشل المجلس الوطني في مواكبة الحراك الثوري، فجاء بعده الائتلاف لقوى الثورة ولمعارضة ، وهو بحقيقة الأمر يتشكل من المجلس الوطني + الأطراف التي انشقت عن المجلس ، رفضوا الانضواء تحت اسم المجلس واخترعوا اختراعا عظيما بتسمة الائتلاف. فضعف المعارضة بشقيها خلق المبرر لتردد الغرب في دعم الثورة، والخوف من فوضى بجوار إسرائيل. فوجدوا أسلم الحلول ( فخار يكسر بعضو ) وبعدين م يأتي لحكم سورية لن يكون في وارده تحرير الجولان ومقاومة وممانعة، بل تنقلب أولويات التنمية في سورية إلى بناء ما دمرته الحرب الأهلية وهذا يحتاج حاليا إلى عشرين سنة على الأقل، وكلما طال أمد الحرب زاد الدمار، وهو فرصة لتحريك الاقتصاد الأوربي الراكد 'بإعادة إعمار سورية' كما حصل في العراق، وليبيا.
- يري الكثيرون بأنه علي الرغم من أن  بشار لم ينل وقتا كافيا في ممارسة السياسة في عهد والده حافظ الأسد مثل شقيقه الأكبر باسل إلا أنه استطاع في وقت قصير أن يوازن بين مصالح الدول الكبرى كالصين وروسيا من جهة وبين دعمهما لنظامه الحاكم من جهة أخري الذي لم يسقط بين ليلة وضحاها كما توقع الكثيرون – فما تعقيبك علي ذلك ؟
دأميمة أحمد
- علاقات روسيا والصين قديمة مع سورية باعتبارها 'إشتراكية' فالجيش السوري تسليحه منذ العهد السوفيتي سلاح روسي مثلا صفقات السلاح مع روسيا خلال، 2011 تزيد عن 4 مليار دولار أمريكي، هذه صفقات مبرمة قبل الثورة، وبعد اندلاع الثورة أصبح جسر جوي بين موسكو ودمشق، والدفع على الحساب، ما يقدر ب10 مليارات دولار. هذه تكبدها الشعب السوري سيدفعها مستقبلا. والعلاقات مع الصين اقتصادية بحتة، تزيد قيمة صادرات الصين لسورية عن أربعة مليارات دولار أمريكي سنويا، أضف إلى رخص اليد العاملة الصينية التي استقدمتها الدولة والقطاع الخاص للعمل في المنشآت السورية. فموقف الدولتين الداعم للنظام السوري لمصالح وليس لعيون بشار الزرق، روسيا لها قاعدة في طرطوس وهي استراحة للسفن الروسية لكن لها أهمية إستراتيجية.
- تلعب بعض الدول العربية مثل مصر والسعودية وقطر بورقة الدين وبعض الدول الأوروبية مثل فرنسا وانجلترا بورقة الطائفية في التعجيل بإسقاط الأسد ولكن علي أرض الواقع نري بأن الكثير من الشخصيات السياسية والعسكرية السورية مازالت تدعم الأسد وهم ينتمون للسنة - برغم الانشقاقات -  وليسوا من الطائفة العلوية ، هل تعتقدين بأن الترويج للطائفية ثبتت فشلها في إسقاط الأسد ؟ آم إنها كانت دافعا لدعم نظام الأسد ؟
د.أميمة أحمد
- لا يمكننا تصنيف طبيعة الصراع في سورية على هذا النحو ( مصر والعربية السعودية وقطر تلعب بورقة الدين ) والغرب بورقة الطائفية. أود التوضيح أن الثورة السورية لم تندلع بخلفيات دينية أو مذهبية، أول شعار وكان لي الشرف في طرحه في جمعة الكرامة في تجمعنا على الفيس بوك 'سورية بدا حرية ' والشباب اقترحوا 'الموت ولا المذلة'، إذا الثورة طرفاها شعب بكل مكوناته الدينية والعرقية والمذهبية ضد نظام الأسد الذي حكم البلاد بقبضة حديدية بشار ووالده منذ 1970 وحتى اليوم .
ما تفضلت به عن توظيف الدين لدى أطراف خارجية تزعم دعمها للثورة حاولت حرف الثورة إلى صراع ( سني خلفه السعودية – شيعي خلفه إيران ) وهو تصفية حسابات بين الخليج الذي تخيفه أمريكا من إيران لوجود شيعة في دول الخليج، وهذه الجيوب  بؤر محتملة للتوتر في دول الخليج، وتعرفون أحداث الإحساء في شرق المملكة هناك الشيعة، وفي اليمن الحوثيين، وفي البحرين أكثرية شيعية والكويت وعمان والإمارات لديها شيعة تعتبرهم إيران خصان طروادة لبسط نفوذها بالمنطقة عبر مساندة النظام السوري وحزب الله. هذا التحويل للصراع ظهر الصيف الماضي من عام 2011، أما الغرب لديه مشروع غير معلن  حتى اليوم وهو تقسيم طائفي لسورية كما حصل بالعراق رغم وحدته الترابية لكن المحاصصة السياسية الطائفية قسمت العراق تماما كما في لبنان، ويبدو الغرب يريد هذا التقسيم لسورية لتمحو الشعور القومي لدى الشعب السوري رغم الطيف الواسع دينيا ومذهبيا لكل الأديان وعرقيا لكن السورين شعب واحد في تطلعاته. لا أذكر أني سالت صديقة أو صديق سوري عن دينه أو عرقه بل لا يخطر بالبال هذا السؤال، حتى الفلسطينيون في سورية لا نشعر تجاههم 'لاجئين' بل مواطنين لهم كامل الحقوق، وبالتالي نالوا من القمع كما نال السوريون سواء بسواء .
الشعب السوري ليس طائفي التفكير، والدليل أن الموالين للنظام من كافة مكونات الشعب السوري، والمعارضين أيضا من كافة مكونات الشعب السوري، والنظام السوري رغم توظيفه للطائفية بالثورة بهدف الاقتتال الأهلي ويظهر هو المنقذ، لكنه كنظام ليس طائفيا، بمعنى ليس هناك توزيع كوتات لمكونات الشعب السوري بالسلطة، بل هذا النظام الأولغارشي يعين الموالين مائة بالمائة في المناصب الحساسة، ولضمان هذا الولاء يورطهم بقضايا تحرقهم لو أظهر ملفاتهم يعني ابتزاز، لهذا هؤلاء المستميتين بالدفاع عن بشار ليس أمامهم غير هذا الطريق (قاتل أو مقتول) حفاظا على مصالحه سواء المادية أو الفضائح .
فالخيار الوحيد لانتصار الثورة بشعبيتها ولا زالت كذلك رغم كل محاولات النظام للاقتتال الأهلي، ولا أنفي وجود حالات اقتتال طائفي كانت من نوع الثأر، لا ابررها ولكن رجل يرى بناته تغتصب أمام عينيه وهو مكبل ويضرب بالركل والجلد على يد الشبيحة كيف يتصرف لو أتاحت الظروف لقاءه بأهل هؤلاء القتلة ؟ سيقتل ويعمل كما فعلوا به، لكنها حالات قليلة.
- انتهج نظام بن العابدين منهج طرد المعارضين خارج تونس، و القذافي سار علي نهج قتل المعارضين في ليبيا وخارجها، وفي مصر كان مبارك يفضل سياسة سجن معارضيه لسنوات طويلة وفشلت الأنظمة الثلاثة في البقاء في السلطة - فما هي كانت وسائل الأسد في قمع معارضيه الذين حتى هذه اللحظة لم يتفقوا علي طريقة واحد في كيفية إسقاط الأسد ؟
د.أميمة أحمد
- النظام الأسدي مدرسة في قمع المعارضة ، الاعتقال لسنوات طويلة ، فرفاق حافظ أسد اعتقلهم واستولى على الحكم عام 1970، اللواء صلاح جديد ( علوي ) توفي داخل السجن بعد 24 سجنا، الرئيس نور الدين الأتاسي رئيس لجمهورية من حمص العدية أصابه سرطان بالسجن ومنع علاجه، وأفرج عنه قبل وفاته بستة أشهر  حتى لا يموت بالسجن بين رفاقه أعضاء القيادة السابقة، الذين أمضوا بالسجن نحو ربع قرن دون تهمة أو محاكمة، كان ثمن الإفراج عنهم التوقيع على تعهد بعدم المساس بالنظام وحظر العمل السياسي ، والتعهد  بعنوان ' أنت مع الوطن أو ضد الوطن ؟ ' وهنا أصبح الرئيس هو الوطن وهو الدولة وهو الحزب وهو القّيم على الدين، والحالة هذه أصبح الوطن والدولة ملكية خاصة للرئيس حافظ أسد، وأورث المفهوم لأبنه الغر بالسياسة، وخطاباته في مؤتمرات القمة دليل على جهله السياسي. ولعل ضحكته الشهيرة أمام مجلس الشعب في أول خطاب له بعد اندلاع الثورة، وكان عدد الشهداء لم يتجاوز الألف ضحكة بضجيج لا يليق برئيس فما بالكم والبلد منكوب ؟ ووصف المتظاهرين بالجراثيم، وأن الجراح لاستئصال الوجع لابد أن تتلطخ يده بالدماء. مثل هذه التشبيهات لحالة فوران شعبي ضد الاستبداد تعطي دلالة على فقدان الرئيس بشار للحس الإنساني ، والمسئول عندما يفقد إحساسه الإنساني أضحى مجرما طالما بيده القوة.
فالنظام الأسدي عامل المعارضة بأبشع أنواع القمع، فمجزرة حماه في 2 فبراير 1980 راح ضحيتها ما لا يقل عن أربعين ألف شخص، وأكثر من سبعة عشر ألف مفقود، هذا أرعب السوريين، وجعلهم يبلعون ألسنتهم، وصاروا يحاذرون الجدران واشتهر المثل الشعبي'ما تحكي الحيطان لها آذان' ، وقبلها عام 1979 مجزرة سجن تدمر، قتل السجناء داخل زنازينهم وإعدامات ومشانق في ساحة السجن، وقالوا بالإعلام 'تمرد بالسجن الصحراوي بتدمر وتصدت قوات الأمن له' أين يهربون والسجن وسط الصحراء وتحت حراسة مشددة ؟
ما جرى للمعارضة في سورية ناف على ما جرى في مصر وتونس وليبيا بل غير مسبوق في العالم ، لذا كان الهروب من الاعتقال لخارج سورية فرصة لا تعوض، والغربة للسياسي سجن كبير، هذا ما خبرته في منفاي الذي بلغ 33 عاما ولا زال، وانتصار الثورة يعيد المنفيين إلى ديارهم وتجاوز عددهم نصف مليون منفي، لا جوازات سفر،ولا أوراق رسمية حتى عائلاتهم تذهب بجريرته.
هذا التصحر السياسي في سورية داخليا أحزاب صنّعها النظام تنضوي تحت قيادة البعث الحاكم باسم الجبهة التقدمية ، يمتدحون الرئيس حافظ وبعده ابنه أكثر مما يمتدحمها البعثيين رفاقهم . نفاق سياسي، وخارج سورية خرجت الناس فرادى، والغربة والعزلة فيها تضخم الذات، ويتصور كل معارض أنه فلتة زمانه، ورأيه الصحيح، لذا غابت ثقافة احترام الرأي الآخر، وفجأة وجدوا أنفسهم أمام ثورة بلا رأس، أطلقها شباب ثار على الذل الذي عاشه أباؤهم وهم يعيشون ذلا اشد عندما تطورت وسائل الاتصال الانترنيت والهاتف الجوال والفيس بوك وتويتر وغيرها شعروا أنهم خارج التاريخ، الناس لديها هواتف مرئية وهم يحتاجون موافقة الأمن لتركيب دش التلفزيون، مع حجب الفضائيات غير المرغوبة للنظام.
المفاجأة أذهلت المعارضة، وبعد أكثر من شهر حتى صارت تتفاعل بالبيانات، أتذكر توقعات ممن يصفون أنفسهم 'دهاقنة السياسة' أن النظام خلال شهر ينهي تمرد درعا، حتى لم يطلقوا على غضب أهل درعا 'انتقاضه'، ربما حتى لا تقترب من الانتفاضة الفلسطينية. بل بعض معارضة الداخل اعتبرها مؤامرة خارجية، طبعا ليست أحزاب الموالية للنظام بالجبهة التقدمية.
 معارضة عاشت هذا القمع والقهر والتشرذم  والخلافات وجهل بعضهم البعض والتخوين لبعضهم  يصعب عليها الاتفاق بل حتى التوافق مستحيل، وبالتالي لازالت دون مستوى الثورة والدماء المسفوكة يوميا في سورية.
- تقارير عديدة تأتي من مناطق الصراع في سوريا تكشف عن مذابح ارتكبتها القوي المعارضة المسلحة - المرتزقة - بحق الأبرياء والكثير من السوريين يرفضون الإفصاح عن ولائهم للأسد خوفا من هذه المعارضة فهل هذه أولي بشائر الحرية ؟
د.أميمة أحمد
- سمعت مثلك هذه التقارير والمؤسف أن وسائل الإعلام لا تتحقق من صحتها، هنا أود التوضيح من موقع أنني من الحراك الثوري من أول مظاهرة 'جمعة الكرامة' 18 مارس 2011 وحتى الآن. بداية لا توجد معارضة مرتزقة، فالمرتزق لا يمكن تكون لديه قضية يموت لأجلها، فالمرتزقة يقاتلون مقابل رواتب ضخمة لا يحلمون بها، فالنظام جند هؤلاء الشباب من البعثيين ومنظمات تابعة لحزب البعث الحاكم، شبيبة، عمال، فلاحين، نقابات، إتحاد نسائي، مؤخرا جند النساء لقمع الثورة، هؤلاء موالون للنظام سواء برضاهم أو غصبا عنهم، مجبرون على الدفاع عن النظام .وهي تسمى اللجان الشعبية في كل مدينة أو قرية سورية، وإضافة لهؤلاء جند كتائب 'الشبيحة' وهي مدربة تدريب خاص، قامت بأبشع المجازر وانتهاكات حرمات الشعب السوري، وسبي النساء، وهو ما جعل الشعب يثور لعرضه، فالإساءة للنساء تسبب ثورة شعب، وفي تاريخنا صرخة ' وامعتصماه' جلبت جيوش جرارة لتحرير عمورية، للأسف لا يوجد معتصم خارج سورية لإغاثة حرائر سورية.
ما حصل من مجازر في سورية قامت بها شبيحة النظام، وأمام ضعف التنسيق العسكري لدى المعارضة المسلحة يندس أتباع النظام داخل الجيش الحر. وهنا أود التوضيح لمسألة 'المجاهدين العرب والأجانب في سورية وظهور جبهة النصرة لبلاد الشام' هؤلاء جماعات مسلحة قدموا إلى سورية فرادى لقناعتهم 'بالجهاد ضد الكفار' وبعضهم كانت جهات أجنبية في إدخالهم وتمويلهم، لكن عددهم لا يتجاوز خمسة ألاف مقاتل، ماذا يشكلون أمام تعداد الجيش الحر وقد تجاوز 200 ألف مقاتل معظمهم انشق عن النظام، أي مدربون على السلاح. فالتضخيم الإعلامي للمجاهدين العرب وجبهة النصرة يرمي إلى تشويه الثورة السورية السلمية، والنظام من فرض علي المتظاهرين حمل السلاح للدفاع عن أعراضهم.
بقيت الثورة ستة أشهر سلمية، والنظام  يقتل يوميا وسطيا 25 شخصا، وهم يواجهون الرصاص بصدور عارية . وخوف الناس من الإفصاح عن ولائهم للنظام خوفا من المعارضة  أمر استغربه لأن العكس هو الصحيح، وأذكر لك مثالا عن أناس مثقفين  سوريين بالجزائر، أردت الحديث معهم لأعرف رأيهم بما يجري في سورية ، فاعتذروا بشدة عن لقائي حتى لا تسألهم المخابرات ماذا حكوا معي، حتى أحدهم أردت أعمل معه مقابلة للجزيرة قال 'أسف أنا معكم قلبا وقالبا ولكني أخاف البوح بمساندتي للثورة سيعتقلونني من المطار، وجارنا صيدلي وجدوا بصندوق سياراته دواء لبيته، ظنوا أن الدواء لجرحى الثورة، اعتقلوه وبعد ثلاثة أيام رموا جثته أمام منزله'
- تيارات المعارضة السورية خُلقت لتختلف أكثر ما تتفق فأصبحت في مواجهة نظام الأسد 'هشيما تذروه الرياح' – فما هي أسباب اختلافها وعدم توحدها من أجل هدف واحد لا غير و أليس من المفروض أن يأتي الاختلاف لاحقا عند تقسيم كعكة الانتصار؟
د.أميمة أحمد
- سبق واجبت عن هذا السؤال ، بسبب التصحر السياسي لأكثر من أربعين سنة وجدت المعارضة نفسها فجأة أمام حدث خارج توقعاتها لأن النظام أرهبهم عقودا فتشكلت معارضة كالجزر المبعثرة في محيط .
- الملف الفلسطيني في سوريا التي تحتضن نحو 12 مخيم تضم قرابة النصف مليون لاجئ فلسطيني، كيف ترين وضعهم الحالي في سوريا وهل انتقال القيادة الفلسطينية التابعة لحماس من دمشق إلي القاهرة فتح عليهم الجحيم السوري؟
د.أميمة أحمد
- الفلسطينيون في سورية في بلادهم، نحن وإياهم أبناء بلاد الشام، ولهم نفس الحقوق للسوريين، ووقفوا مع الشعب السوري لأنهم انكووا بنار النظام ، فكان رد النظام غارات حربية بطائرات ميغ، وضعهم مثل وضع السوريين، معاناة ، شهداء، لا كهرباء ولا ماء ولا غاز ولا مازوت، وضعهم في بعض الجوانب أسوأ من السوريين لأن أحمد جبريل عميل النظام السوري  يقوم بما يغفل عنه النظام من قتل وتشريد وتعذيب للأخوة الفلسطينيين ليثبت ولاءه للأسد.
 حماس اتخذت موقفها بمغادرة دمشق لأن قياداتها كانت مهددة بالقتل، ويذهب دمهم هدرا باسم 'الإرهاب'، ومصر ظهير العرب مشكورة استقبلت قيادات فلسطينية حماس وغير حماس .
- يفسر البعض الانقلاب التركي علي حليفته سوريا بأنها رغبه تركية في عودة هيمنه عثمانية مستترة علي العالم العربي في الوقت الذي فشلت  في بسط هيمنتها علي تونس ومصر الواقعتان تحت حكم الإخوان حاليا - ما تفسيرك لهذا الانقلاب التركي المفاجئ علي سوريا ودعمه للمرتزقة ؟
د. أميمة أحمد
- بداية عن أي مرتزقة تتحدثون ؟ الثورة السورية لها شبابها الثوار وأبطالها، إن جاء إسلاميون من تونس أو الجزائر أو مصر أو ليبيا أو أفغانستان فعددهم قليل، وهم ليسو مرتزقة بل يصفون أنفسهم 'بالمجاهدين في سبيل الله' وتركيا لا تمرر هؤلاء، وقد اعتادوا دخول مناطق الصراعات فلا يعدمون الحيلة لدخول سورية وقد تهدمت أسوارها الحدودية.
أما الموقف التركي من الثورة السورية كان متدرجا، كانت تركيا مع النظام وتذكرون خرجت مظاهرات جمعة 'أردوغان صمتك يقتلنا'، وحاولت تركيا بحكم العلاقات المتينة مع النظام  الحل السياسي وكذب بشار على داوود أوغلو أكثر من مرة لدرجة أحرج تركيا، يعدهم ولا ينفذ تماما مثل سلوكه مع المبادرات العربية والدولية، يوافق عليها ولا يلتزم بتنفيذها. وتركيا بلد متاخة لسورية بأكثر من 900 كيلو متر طول حدودها شمال سورية، وحزب العمال الكردستاني التركي برئاسة  عبد الله أوجلان  تدعمه سورية، وقد ضاعفت دعمه ليقوم بعمليات يشغل تركيا داخليا. فتركيا معنية بالأزمة السورية حفاظا على أمنها الوطني. ومن جهة ثانية تركيا قوة إقليمية ، تتنافس مع إيران على دور بالمنطقة، فلتركيا مشروع 'العثمانيون الجدد كما جاء  في كتاب داوود اوغلو عن السياسة الخارجية التركية لتكون قوة إقليمية' وإيران لها مشروع ' ولاية الفقيه ' في تصدير ما تراه 'الثورة الإسلامية' إلى دول المنطقة، والقوتان تتجاذبهما الدول الكبرى، إيران تدعمها روسيا والصين، وتركيا في الحلف الأطلسي تدعمها أمريكا والاتحاد الأوربي، وبالتالي المشروعان يلتقيان مع مطامع الدول الكبرى.

- ينأي أكراد سوريا عن المشاركة في الصراع المسلح ضد بشار الأسد واكتفوا ببسط نفوذهم المدني وشبه المسلح في مناطق تواجدهم بالشمال السوري بعد انسحاب القوات النظامية أو هزيمتها - كيف تفسرين الموقف الكردي السوري منذ اندلاع الأحداث وحتى الآن وما هو مستقبلهم في حالة سقوط الأسد، هل سيعلنون الحكم الذاتي كأكراد العراق أم سيعلنون الوحدة مع أكراد العراق تمهيدا لإعلان دوله كردستان الكبرى ؟
د. أميمة أحمد
- الأكراد أحد مكونات الشعب السوري، لهم نفس الحقوق والواجبات مع باقي الشعب السوري بمختلف أطيافه. لا أوافقكم الرأي كان الأخوة الأكراد مع الثورة منذ بدايتها، وراح لهم شهداء منهم البطل مشعل تمو أحد القادة الوطنيين قتله النظام، ولديهم كتائب مسلحة، وأنا على اتصال مع أحد أعضاء المجلس الوطني الكردي، حملوا السلاح ، واستقبلوا المهجرين من كافة محافظات سورية، لكن انسحاب النظام من منطقة الأكراد، نوع من الرشى السياسية، بإعلان النظام منح الجنسية لنحو مائة ألف بدون جنسية، ثم انسحاب النظام لطمأنتهم بحكم ذاتي وهذا يحرج تركيا التي تواجه الأكراد.
فالأكراد بعد سقوط النظام يصون الدستور  الجديد حقوق جميع السوريين، فللأكراد ثقافة ولغة يجب الاعتراف بها كثقافة سورية، ولهم حق التعلم بلغتهم، وتكون العربية لغة الأكثرية  اللغة الرسمية للبلاد. هناك دعوات من بعض الأحزاب الكردية لحكم ذاتي للكرد. هذه مسائل لا يبت فيها فرد أو حزب أو جماعة بل نقاش وطني يحفظ الوحدة الوطنية والترابية لسورية، يريدون حكم ذاتي فليكن، أما الاتحاد مع أكراد العراق ؟ أعتقد المسألة لازالت خط أحمر في الأمم المتحدة، فالأكراد أمة لها تاريخ، توزعت بين دول إيران، الاتحاد السوفيتي سابقا، تركيا و العراق، سورية، وعددهم يتجاوز 50 مليون نسمة، أقلهم عددا في سورية لا يتجاوز مليون ونصف، فمسالة جغرافية سياسية للأكراد تحتاج قرار دولي يلزم الدول التي لديها أكراد أن تتخلى عن تلك الأراضي، هل هذا ممكن حاليا؟ أشك في ذلك.
- د. أميمه كإعلامية محترفة تعمل حاليا لصالح قناة الجزيرة من الجزائر كيف تقيمين التغطية الإعلامية للجزيرة القطرية للأحداث السورية وماذا يشوبها وهل هي تغطية حيادية ؟
د. أميمة أحمد
- من خلال تجربتي لربع قرن بالإعلام لا يوجد إعلام محايد، بل هناك إعلام مهني يوظف المعلومة وفق الخط التحريري لوسيلة الإعلام ، وقياسا على ذلك الجزيرة مهنية من الطراز الرفيع، منحازة للثورات العربية ولا تخفي ذلك، توظف المعلومة لصالح الثورات .وتستحق الشكر على عملها هذا. حتى البي بي سي مدرسة المهنية في الإعلام ، هناك خط خفي في التحيز لهذا الطرف أو ذاك. والسي إن إن كانت في مقدمة ارمادة أمريكا في غزوها للعراق . عموما الحياد كلمة نثرثر بها نحن الإعلاميون لكنها بالواقع غير موجودة.
- لقادة الخليج مواقف متغيره تجاه تغيير الأنظمة العربية فتارة نجدهم ضد سقوط نظامي مبارك وبن علي وتارة أخري تأرجحوا بين مؤيد ومعارض لتغيير علي صالح باليمن وتارة ثالثة دعموا سقوط القذافي ، وفي بداية الأحداث السورية أيد بعضهم رحيل الأسد والآن تراجع البعض عن دعم هذا المشروع ؟ ما تفسيرك لتلك الحالات المتناقضة لحكام الخليج من الأزمة السورية بوجه خاص ؟
د.أميمة أحمد
- الثورات العربية تباعا من تونس إلى مصر ثم ليبيا فاجأت الحكام العرب وتعاملت دول الخليج بمبدأ 'تضامن الحكام' في دعم بن علي ومبارك، ولكن القذافي الراحل كثرت خصوماته مع الحكام العرب لذا كانت السعودية أول الداعمين لرحيله، بينما في اليمن فالموقف اختلف لأنها على حدود العربية السعودية، وانتصار ثورة ديمقراطية يهدد أمن دول الخليج لذا كانت المبادرة 'لا يموت الذئب ولا يفنى الغنم' واكتفوا بعزل علي عبد الله صالح حفاظا على أمن الخليج. بينما موقفهم من سورية هناك موقف من الرئيس بشار يوم وصفهم 'أشباه رجال وأنصاف رجال' فساءت العلاقات الخليجية السورية ، ولهذا دعموا المعارضة بالمال وطالبوا بالتدخل الخارجي لحماية المدنيين السوريين.
هذا الموقف الخليجي الظاهر، لكن غير المعلن أن دول الخليج صديقة للولايات المتحدة الأمريكية، التي تحرص على أمن النفط أكثر من أمن الشعوب مالكة تلك الثروات، فأوعزت أمريكا لأصدقائها دعم الثورات لتبقى في منأى عن الربيع العربي بإجراء إصلاحات تمتص الغضب الشعبي بالخليج. وبالفعل أصبحت المرأة السعودية في مجلس الشورى، وتقلدت مناصب في البحرين والكويت والإمارات  وعمان، مع حزمة إصلاحات اقتصادية، لكن السؤال هل تبقى تلك الدول في منأى عن الثورات العربية ؟ شخصيا أشك في بقائها هادئة في منطقة تمور بالتغيير، وأعتقد إذا نجحت الثورة السورية بأهدافها الحرية والديمقراطية سيصل ارتجاج زلزال التعيير إلى دول الخليج واحدة بعد أخرى ، والمسألة مسألة وقت فقط.
- سوريا وحزب الله سنوات طويلة من المصالح المشتركة فكلهما خدم الأخر في سوريا ولبنان - كيف ترين حاضر ومستقبل هذه العلاقة ؟
د. أميمة أحمد
- حزب الله تابع لإيران، بل في تصريح للسيد حسن نصر الله يقول 'إنه يعمل لدولة الفقيه' وبالتالي انتماؤه السياسي خارج لبنان الذي يعتبره محورا لسياسة إيران في بسط نفوذ 'ولاية الفقيه بالمنطقة' وبنى علاقته مع سورية على خلفية المصالح الإيرانية، التي جعلت سورية جسرا لها وحزب الله رأس الحربة في التجييش لنصرة فلسطين  ضد إسرائيل، ولكن اللافت أن إيران التي تمتلك صواريخ تضرب وسط تل ابيب لم تحرك ساكنا يوم عملية 'الرصاص المصبوب' ضد حماس كان يكفي كم صاروخ لتقف إسرائيل عن قتل الفلسطينيين في غزة. فشعارات المقاومة الإيرانية تطابق شعارات سورية المقاومة والممانعة ولم تطلق رصاصة على إسرائيل التي تحتل الجولان منذ 1967 .
سقوط النظام السوري يعني كسر الحلقة بين إيران وحزب الله ، وبالتالي سقوط إضعاف حزب الله إذا لم نقل انتهاءه لأن فيه أصوات تريد لبننة الحزب وترفض تبعيته لإيران .
- القيادة اللبنانية تعلم بأنه ليس من مصلحتها في الوقت الحالي تأييد استصدار قرار دولي بضرب سوريا علي الرغم من التيار الشعبي اللبناني الرافض لقمع المعارضين السوريين – متى يتغير موقف القيادة اللبنانية ؟
د. أميمة أحمد
- لبنان حاليا بيد حزب الله، ومتى تغيرت موازن القوى لصالح 14 آذار الداعم للثورة السورية يتغير موقف لبنان. وموقف لبنان الآن من موقف إيران.
- أكد الرئيس الأمريكي أوباما في مراسم ولايته الثانية علي رفضه لآي تدخل عسكري أمريكي في سوريا وإيران، مفضل التقوقع الأمريكي لمده 4 سنوات قادمة من اجل إعادة بناء الاقتصاد الأمريكي - فهل جاء هذا الإعلان الأمريكي ليطيل في عمر بقاء الأسد 4 سنوات أخري في السلطة ؟
د. أميمة أحمد
- لم يعول السوريون على أمريكا لإسقاط الأسد ، والموقف الأمريكي لم يتغير منذ البداية تصريحات شجب وتنديد ولا شيء على الواقع ، بل أعتقد الموقف الروسي صاحب الفيتو لثلاث مرات هو بالاتفاق مع أمريكا ، والهدف تدمير سورية الدولة والوطن ، والآن دمر الأسد أكثر من 40 بالمائة من البنية التحتية ، فالنظام بعد الأسد سيبقى على القتل عشرين سنة منشغلا في بناء ما دمره نظام الأسد ، وبالتالي هدف أمريكا وروسيا قلب أولويات التنمية في سورية ، لتعود إلى بناء قاعدة اقتصادية على أنقاض اقتصاد مدمر.
سقوط النظام ليس بعيدا، أتوقع أبعد تقدير هذا الصيف من عام 2013 ما لم يحدث مفاجآت كحرب إقليمية تؤججها إسرائيل لحماية الأسد كما فعلت في غارة على هدف سوري، زعمت أنها قافلة صواريخ وأسلحة متطورة لحزب الله، هذا هراء، لأن حزب الله لديه أسلحة متطورة عندما تصدر أوامر  طهران بضرب إسرائيل يفعل، فإسرائيل تخشى من بديل نظام الأسد الذي حرس الحدود دون طلقة ضد إسرائيل .
- إن وقفت يوما ما علي قبر حافظ الأسد فماذا أنت قائله له ؟
د. أميمة أحمد
هذا الديكتاتور الذي غيب سورية عن ساحة التاريخ أقول له 'لكل ظالم نهاية يا حافظ الوحش، لقبك الأصلي، والآن 'ظهر الحق وزهق الباطل' سيلعنك التاريخ على مدى أجيال سورية. سورية وطن الجميع وأنت وعائلتك لست منهم.
-----------------------
نبذه تعريفية عن الدكتورة والإعلامية السورية أميمة أحمد :
أميمة أحمد ناشطة سياسية معارضة للنظام الأسد منذ الأسد الأب إلى وريثه ، كانت من اللحظة الأولى مع الثورة السورية ، وتشعر بالاعتزاز أنها ممن حضروا لأول مظاهرات شعبية في جمعة الكرامة 18 مارس 2011 عبر الفيس بوك، وزودت المتظاهرين بهتافات ' سورية بدا حرية ' ، بدنا بدنا حرية ' عندما تسمعها على ألسنة الملايين السوريين تطفر دموعها على الشهداء الذين ضحوا لأجل الحرية.
منذ 1980 بالمنفى بالجزائر وهي وحيدة أهلها، من مواليد سلمية - حماه - سورية عام 1953، جاءت المنفى في ربيع العمر ولا زالت به في خريفه، وخلال 33 عاما رأت والدتها ثلاث مرات، ومجموعها ثلاثة أشهر وثلاثة أسابيع، شهر بالعقد وأسبوع بالعام. لذا كانت وفاة والدتها ضربة قاصمة أن ترحل دون دواع.
في الجزائر المنفى بدأت من جديد حياتها العلمية والمهنية، درست الاقتصاد دكتوراه تخصص النظرية الاقتصادية، ومهنيا عملت بالصحافة لتواجه أزمة مالية تسبب بها ممن كانوا 'رفاق' فاستغلت موهبتها بالكتابة لتعمل بالقطعة بالصحافة الجزائرية ثم الصحافة العربية الصادرة بالخارج، ثم دخلت عالم الميكرفون، وعملت مع إذاعة أبو ظبي كانت تمهيدا لدخولها هيئة الإذاعة البريطانية بي بي سي القسم العربي لمدة أربعة عشر عاما، ومنها انتقلت إلى الجزيرة من حيث لازالت تعمل.
تعلمت أن الحياد بالصحافة ضرورة لنزاهة الصحفي لكم الواقع لكل وسيلة إعلام خطها التحريري الذي يوظف المعلومة وفقه.
طرحت مبادرة لحل الأزمة السورية في الأسبوع السادس لاندلاع الثورة، بأن يقوم بشار نفسه بالإصلاحات الحقيقية. فتجاهلها النظام كما تجاهل مبادرات عربية ودولية، ووصل الحال إلى أن أصبح الموت متجولا في شوارع مدن وبلدات سورية جراء القصف الحربي لقوات النظام ضد الشعب.
أميمة أحمد هو التوقيع الصحفي الذي اختبأت خلفه خلال تغطيتها لأزمة العنف بالجزائر، حيث كان الصحفيون هدفا سهلا للجماعات المسلحة ، التي قتلت 120 صحفيا وصحفية.


 

حاورها الصحفي المصري: شريف إسماعيل

تعليقات

اكتب تعليقك