خيرالله خيرالله يصف حزب الله بإنه «جيش المهدي» بنكهة لبنانية، وأنه كشف القناع عن المهمة الموكولة إليه، والمتمثلة في تحويل لبنان أو جزء منه إلى محافظة إيرانية

زاوية الكتاب

كتب 774 مشاهدات 0



عندما يكشف «حزب الله» مهمّته الحقيقية

كشف «حزب الله» عن نفسه، كما كشف عن وظيفته الحقيقية في لبنان نتيجة ما ارتكبه يوم الأربعاء السابع من مايو 2008. في ضوء أحداث هذا اليوم، أزال الحزب كل وهم في شأن المهمة الموكولة إليه، والمتمثلة في تحويل لبنان أو جزء منه إلى محافظة إيرانية، على غرار ما هو حاصل في جنوب العراق. إنه «جيش المهدي» بنكهة لبنانية، يعبث بكل ما هو حضاري في بيروت على غرار ما تفعل الميليشيات التابعة للأحزاب المذهبية في العراق، في مناطق معينة من ذلك البلد الذي فقد هويته منذ فترة لا بأس بها. من يغلق مطار بيروت، مطار رفيق الحريري، بحجة أنه مقاومة إنما يؤكد أنه ليس سوى أداة إسرائيلية لا أكثر. إنه يستكمل الحرب الإسرائيلية على لبنان. انّه ينفّذ فصلا آخر يندرج في سياق استكمال الحرب الإسرائيلية، نظراً إلى أنه لا يمكن فصل إغلاق المطار عن احتلال وسط بيروت عن طريق عناصر من «الحزب»، وأدوات مستأجرة بالمال الإيراني الطاهر، من نوع ذلك المهرج برتبة جنرال.
كشف «حزب الله» بعد كلّ ما ارتكبه عن أنه ليس سوى مجرد ميليشيا تابعة للنظام الإيراني معارة موقتاً للنظام السوري الذي يهرب بأزمته العميقة إلى لبنان. يعتقد النظام السوري بكل بساطة أن الهرب إلى لبنان واختلاق المشاكل فيه سيفك عزلته العربية والدولية، وأن افتعال شرخ مذهبي سني - شيعي سيعفيه من المسؤوليات المترتبة عليه تجاه المحكمة الدولية، التي ستنظر في قضية اغتيال الرئيس الحريري ورفاقه، والجرائم الأخرى التي ارتكبت في لبنان منذ محاولة اغتيال الوزير مروان حمادة في الأول من أكتوبر من العام 2004، وصولاً إلى جريمة زحلة الأخيرة، وقبلها اغتيال مدير العمليات في الجيش اللبناني اللواء فرنسوا الحاج، وبعدها الرائد وسام عيد المسؤول عن المسائل الفنية المرتبطة بالتكنولوجيا المتطورة لدى قوى الأمن الداخلي. كان الرائد عيد المسؤول عن كشف أسرار الاتصالات التي رافقت عملية اغتيال رفيق الحريري والعمليات الأخرى التي تلتها. ولذلك كان لا بد من اغتياله.
ولكن أهم ما كشفه تحرّك «حزب الله» الأخير، الذي استهدف بيروت ومطارها، تطبيقه لسياسة يتبعها المحور الإيراني - السوري منذ ما يزيد على ربع قرن. إنها سياسة قائمة على احتجاز رهائن، تشكل إيران رأس الحربة في هذه السياسة، أخذت إيران سورية رهينة بعدما صار النظام فيها تحت رحمتها إثر اغتيال رفيق الحريري. وقتذاك، أي في العام 2005، اضطرت سورية إلى الاستعانة بـ «حزب الله» لتسدّ الفراغ الذي خلفه اضطرارها إلى سحب جيشها من الأراضي اللبنانية. إنها تستعين بحزب إيراني عناصره لبنانية، أخذ الطائفة الشيعية في لبنان رهينة بعدما أقام مجتمعاً خاصاً به لا علاقة له بالمجتمع اللبناني. فشل «حزب الله» في حرب صيف العام 2006 عندما اضطر إلى القبول بـ«القرار الرقم 1701» الصادر عن مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة الذي أغلق جبهة الجنوب نهائياً في وجه إيران فوجه سلاحه إلى صدور اللبنانيين لتبرير استمراره كحزب مسلّح لديه وظيفة محددة.
كل ما في الأمر أن هناك سياسة تقوم على مفهوم احتجاز رهائن، وسط بيروت تحوّل إلى رهينة، مطار بيروت صار رهينة، لبنان كله رهينة. المطلوب أن يكون لبنان امتداداً للمحور الإيراني - السوري وساحة يبتز عبرها العرب وغير العرب. تلك هي السياسة المعتمدة التي تفسّر لجوء «حزب الله» إلى التصعيد غير آبه هذه المرة بمخاطر إثارته لفتنة شيعية - سنية كانت إيران إلى ما قبل فترة قصيرة تقف في وجهها.
أخيرا زالت الأوهام. لم يعد هناك أدنى شك في أن ما يريده «حزب الله» الإيراني هو السيطرة على كل لبنان أو على جزء منه. إنه يريد الحلول مكان الدولة اللبنانية غير آبه بأن ذلك مستحيل لأسباب كثيرة في مقدمها أن اللبنانيين الحقيقيين، على رأسهم الشيعة يرفضون «حزب الله» ويجدون فيه جسماً غريباً زرع في المجتمع اللبناني بوسائل مصطنعة، جسم غريب لم يؤدِ إلى الآن سوى خدمات لإسرائيل. يكفي أن «حزب الله» حزب مذهبي مسلح يضرب الأسس التي تقوم عليها الدولة اللبنانية بديموقراطيتها ومجتمعها المتنوع ليكون في خدمة إسرائيل الدولة الطامحة إلى أن تكون دولة يهودية خالصة.
زال الوهم الكبير الذي اسمه «حزب الله» من الأذهان. لم يعد لبناني واحد على قناعة بأن الحزب يعمل من أجل لبنان. هناك الآن قناعة تامة بأن الحزب وضع نفسه في خدمة النظام السوري بشكل مباشر، وإسرائيل بشكل غير مباشر، من حيث يدري أو لا يدري. ولذلك حال دون انتخاب رئيس جديد للبنان. ولذلك صرح الأمين العام للحزب السيد حسن نصرالله قبل عام بأن مخيم نهر البارد، الذي سيطرت عليه عصابة شاكر العبسي الإرهابية السورية، خط أحمر. لم يكن الحزب مقاومة إلا بمقدار ما كانت هذه المقاومة تصب في خدمة المحور الإيراني - السوري. ولذلك وجه سلاحه إلى صدور اللبنانيين لمجرد أن ذلك يخدم النظام السوري ويساعد في جعل لبنان رهينة لدى المحور الإيراني - السوري.
زال خصوصاً الوهم الأكبر المرتبط بـ «حزب الله» الذي كان يدّعي أنه مقاومة. وزال معه الوهم الأصغر الذي اسمه الجنرال. لم يغلق أي محل أبوابه في المناطق المسيحية عندما دعا «حزب الله» عبر أدواته وعملائه إلى إضراب، بقيت الحياة طبيعية في المناطق ذات الأكثرية المسيحية بعدما اكتشف المسيحيون أن ميشال عون ليس سوى كذبة كبيرة ونكتة سمجة في أحسن الأحوال، لكنها نكتة خطيرة أمنت غطاء مسيحياً طوال فترة طويلة استغرقتها محاولة «حزب الله» لأخذ لبنان رهينة لمصلحة أسياده في دمشق وطهران. إلى متى سيظل لبنان رهينة؟ هل يقبل شرفاء العرب أخذ بلد عربي آمن مسالم رهينة؟ هل يقبل العرب التفرج على محاولة إيرانية لتقسيم بلد عربي في حال اكتشاف النظام في طهران أنه عاجز عن الاستيلاء عليه كله؟

خيرالله خيرالله

كاتب وصحافي لبناني مقيم في لندن

الراى

تعليقات

اكتب تعليقك