د. فهيد البصيري 'معارض ينتقد المعارضة'

زاوية الكتاب

كتب 915 مشاهدات 0


لعيون المعارضة!

 
د. فهيد البصيري

لقد قلنا في الحكومات المتعاقبة على اختلاف أشكالها وتشكيلاتها ما لم يقله مسلم البراك فيها وما لم يقله العرب في بني صهيون، وسكتنا عن المعارضة لعيون المعارضة والمعارضين، حتى بات نقد المعارضة يُخرج المرء من جنة الاسلام، فهل نحن فعلا (كومة ) من الملائكة رحماء بينهم واشداء على الحكوميين؟
في الأسبوع الماضي استجمع الدكتور الخطيب قواه السياسية بعد صمت طويل وقال للمعارضة (وبالفم المليان: فشلتونا) أي احرجتمونا. وقال كلاماً كثيراً لست بصدد سرده ولا طرده، وزبدة الكلام أن اسطورة المعارضة السياسية في الكويت (زعلان) على معارضة اليوم. والحقيقة أن ما قاله أسطورة المعارضة السياسية الوطني ليس جديدا، ولكن لا أحد يستطيع أن يفتح فمه بنقد للمعارضة، ونحن وسط سخط شعبي عارم يعتبر كل رأي آخر، رأيا حكوميا خائنا مع سبق (الاضرار والتربص).
وقد عقدت العزم والجزم وتوكلت على الله وكتبت هذه المقالة من باب النقد الذاتي للمعارضة بصفتي معارضا أزليا جرجرته المعارضة خلفها في الشوارع شهورا طويلة، وبأمر من حساب افتراضي لا أعرفه، والفائدة الوحيدة التي خرجت بها هي اللياقة البدنية العالية في العدو، وهو شيء تشكر عليه المعارضة لمحاربة السمنة. وبيني وبينكم اعتقد أن معارضة اليوم أصبحت تحتاج إلى معارضة، لكي تلملم حالها (وتعدل أمورها المايلة)، وصحيح أننا نقف خلف مبادئ سامية ومطالب منطقية إلا أن ذلك ليس كافيا لكي تتحقق، فالدنيا تؤخذ غلابا، ولا غالب إلا الله.
وبعيدا عن الأنا الفوقية السائدة في معارضة اليوم، فإن معارضة اليوم ليست كمعارضة التسعينات، فقد كنا رغم ضعفنا وقلة حيلتنا آنذاك صفا واحدا لا يمكن اختراقه، أما اليوم وبعد اشهر قليلة من المعارضة الرياضية، دبت الخلافات واصبحنا شيعا وأحزابا، وفي البداية رضينا وهضمنا بعض خطبائها لعيون الوطن والوطنية، إلا أن الايام أثبتت أنهم غير صالحين للعمل الوطني بالمرة، لأن الموضوع ليس دعاية انتخابية، أو فزعة قبلية، أو استقطابا طائفيا أو (كمشة عدس)، فالموضوع أكبر من هذه الجزئيات التي تضر ولا تنفع، وتفرق ولا تجمع، وقد خلطت هذه التفريعات الاولويات وأضاعت خارطة الطريق للحراك الشبابي، بل اكتشفنا أنها لا تعرف ماذا تريد بالضبط، فليس هناك حدود دنيا وليس هناك حدود عليا ولا يوجد مجال للمناورة السياسية.
وفي رأيي المتواضع أن السبب الرئيسي وراء هذا الاضطراب السياسي، هو أن نواب الغالبية الذين يشكلون نواة المعارضة الحالية ليسوا كلهم حزبيين، بل هم افراد وكل فرد له حدوده وإمكانياته المحدودة، ويبقى جمعان الحربش هو الوحيد الذي ينتمي لحزب شبه سياسي وهو الحركة الدستورية، ومشكلة جمعان أن في حزبه من يعارضه، وهي نفس مشكلة النائب خالد السلطان الذي انشق عن السلف وأصبح لا يمثل إلا نفسه وبعض الأنفس القليلة معه. أما النائب عبدالرحمن العنجري فرغم أنه كان من التحالف الوطني إلا أن بينه وبينهم اليوم ما صنع الحداد، أما بقية النواب فلا يمثلون سوى أنفسهم وربما بعض قواعدهم الانتخابية وليس كلها، وهي قواعد متغيرة وليست كوادر حزبية ثابتا.
والجديد وربما المفيد في الحراك السياسي في الكويت أنه خالف المنطق السياسي، فلم يعد الثقل السياسي هنا حزبيا أو فكريا كما هو متوقع بحسب الاعراف السياسية بل أصبح الثقل السياسي قبليا ممثلا بعدد من نواب المعارضة وهم مسلم البراك وفلاح الصواغ وخالد الطاحوس، وهذا ليس عيبا في الحراك السياسي لو نظر إليه في حدود المطالب السياسية، ولكن مشكلة الثقل السياسي الذي اكتسب بعدا قبليا، جعل التيارات السياسية الليبرالية كالتحالف الوطني والمنبر الديموقراطي وما يدور في فلكها تتبنى موقفا مستقلا وكأنها حكم بين الحكومة والمعارضة، ولعل ذلك يعود لعدة أسباب منها: الحملة الدعائية لتقسيم المجتمع والتي قامت على نشر فكرة بدو ضد حضر، ومنها أن البعد القبلي قد يكسب الحراك بعدا دينيا إضافيا نتيجة الفكر المتحفظ للفكر القبلي، كما يجب ألا ننسى أن أداء نواب المعارضة في الاشهر القليلة لمجلس 2012 المبطل لم يكن متوازنا بل كان أقرب للتطرف الديني منه للفكر الديموقراطي.
أما التيارات الشيعية فقد حسمت أمرها من زمان وصفت مع الحكــــومة وهــــو أمــــر مفـــهوم ما دامت قياداتها الدينية تريد ذلك.
بقي أن نقول ان نقاط الضعف السابقة هي ما يجعلنا نعتقد أن الحكومة في وضع مريح اليوم، وهو اعتقاد غير صحيح، وفوق ذلك فإن دوام الحال من المحال، والمعادلة السابقة معادلة هشة وسهلة الحل والنقض. وأتمنى أن يكون حلها في ما يرضي الجميع، وليس ذلك على الله ببعيد، وبشرط أن تنزل التيارات السياسية الليبرالية من بروجها العاجية لمستوى سطح البحر، وأن تتحرر التيارات الدينية من بعض معتقداتها التاريخية، وأن ينال الشيعة شيئا من الاستقلال الذاتي دينيا، وأن تفهم القبائل أن الوطن لا يقوم على القبيلة.
أليس ذلك سهلا؟
 

الراي

تعليقات

اكتب تعليقك