عن إذلال 'البدون' يكتب جاسم الشمري

زاوية الكتاب

كتب 852 مشاهدات 0



 

وظائف البدون الحكومية... عقود عمل أم عقود إذلال

جاسم محمد الشمري

قبل عام تقريبا تهللت أسارير كثير من البدون الذين أنهوا ما تيسر لهم من تعليم جامعي أو مهني حينما أعلنت الحكومة في خطوة مبهمة التفاصيل موافقتها على إدراج من تحتاج إلى خدماتهم في وظائف معينة في عدد من وزارات الدولة ومن بينها التربية.
هذه الخطوة سبقتها مطالبات عدة من ناشطين حقوقيين بضرورة توفير فرصة لحياة كريمة لهؤلاء قوامها الاستعانة بالكفاءات منهم عوضا عن تكديس أعداد أخرى من الوافدين في الدولة بما لا يؤتي ثمرة طيبة على البناء الاجتماعي والاقتصادي في الدولة، ويبدو أن تلك المطالبات كانت الأساس الذي بنت عليه الحكومة خطوتها لاحتواء الشحنات السلبية ضدها في تعاملها غير الإنساني مع فئة لا يمكن أن يكون تجاهل وجودها في المجتمع حلا لها.
أعلن الخبر وطلب من المستوفين بعض الشروط مراجعة جهات حكومية محددة لتقديم طلباتهم إليها وسرت بعض طمأنينة في نفوس أبناء البدون وإن على وجل من أن لا خطوة حكومية تجاههم كانت تثمر مثالية في نتائجها.
تقدم المستوفون للشروط ليكتشفوا أن هاجس التشكيك الذي سكنهم لم يكن وليد فراغ وإنما ناتج تجارب مريرة من مكابدة التعامل الحكومي معهم على مدى عقود بدأت منذ أن تم حظر منحهم بطاقات مدنية أسوة بكل الذين بادروا إلى الاستجابة للتسجيل في نظام المعلومات المدنية الذي استحدث في منتصف ثمانينيات القرن الماضي ليتبعه ودون رحمة أيضا حرمان خريجي الثانوية العامة من الالتحاق بالتعليم العالي الحكومي الذي لم يكن متاحا سواه في تلك السنوات وليظل أولئك الخريجون أسرى لأحلام وطموحات قاصرة عن الواقع حيث قلة منهم فقط استطاعوا اجتياز تلك المحنة ومنحهم أهلوهم فرصة استكمال تعليمهم الجامعي خارج الديار ليعودوا بعد سنوات إلى أسر أشد مرارة فلا عمل يتناسب مع ما تحصلوا عليه من تعليم.
مرارة الخطوة الحكومية تمثلت هذه المرة في استحداث عقود خاصة لتسكين العاملين البدون عليها أقل ما يمكن أن توصف به أنها عقود إذلال وخصوصاً لأولئك الذين قبلت أوراقهم للعمل في حقل التعليم مع ما لخطورة هذا العمل في بناء شخصيات وثقافة المواطنين حيث يتطلب الأمر أن يتصدى للتعليم شخوص مطمئنون وظيفيا ليتمكنوا من الإقبال على أداء رسالتهم
السامية بما يليق بها من قيم ومعايير.
هذه العقود الظالمة بحق لم تراع الأعباء الوظيفية التي يكابدها المعلم والتي جعلت منها مهنة شاقة  فحرصت على هضم كثير من حقوقهم وأبرزها التمتع بالاجازات الدورية التي يتمتع بها نظراؤهم من المواطنين والوافدين ومثال ذلك أن راتب شهر فبراير الماضي سيتقاضون نصفه فقط لأن النصف الثاني منه كان عطلة الربيع وكأن هؤلاء البدون لهم الحق في اختيار التعطيل ولذا يحاسبون على مالا خيار لهم فيه ولو كان هناك عمل ما توانوا عن أدائه حتى لا يتسلموا نصف راتب.
والحديث عن راتب المعلم البدون يقود إلى دناءة خلق من صمم لهم ذلك العقد الظالم فهم مجبرون على طرق باب الإدارة المدرسية كل شهر لترسل خطابا منها إلى الإدارة المالية في الوزارة بضرورة صرف الراتب الشهري لهم شهرا بشهر وعلى ذلك فهم دوما يتقاضون في الثلث الاول من الشهر التالي فيما نظراؤهم المواطنون والوافدون يتقاضونه تلقائيا في حساباتهم دون منة من أحد في الثلث الأخير من الشهر ذاته.
والسؤال الذي يطرح نفسه هنا: ما الخطيئة التي ارتكبها المعلمون البدون ليصاغ لهم عقد ظالم كهذا وهل تختلف الواجبات الوظيفية المطلوبة منهم عن نظرائهم من الوافدين ولا نقول المواطنين حيث لهؤلاء أفضلية المواطنة التي حرمها البدون عدواناً وظلما بغير ذنب اقترفوه؟
لماذا أصر ديوان الخدمة المدنية على صياغة عقود عمل تنتقص من الحقوق المكفولة للمهنة أيا كانت جنسية شاغلها ولماذا لم يساو بين البدون والوافدين في عقد واحد يطبق على من اختارته وزارة التربية ليتصدى لمهنة التعليم الشاقة وهل كان ذلك عن سوء نية ليظل البدون مهانا أيا كان الجهد الذي يبذله في مهنته؟

النهار

تعليقات

اكتب تعليقك