من أخ مكلوم
زاوية الكتابكتب مارس 6, 2013, 7:30 م 2581 مشاهدات 0
ذهبت في الصباح لأنهي معاملة خاصة بي، فراجعت شخصًا معني بتصاريح الدخول إلى مقر عملي، وأعطيته هويتي، فرفع رأسه ونظر إليَّ وسألني: 'هل أنت أخ العقيد فيصل الجريد رحمه الله'؟ فأجبته: نعم! فدعاني للدخول والجلوس معه، وقام بضيافتي مشكورًا،ً وبدأ الحديث بقوله: 'حقاً نتمنى أن نخدمكم بكل ما لدينا! فالفقيد كان مثالاً للاحترام والأخلاق والطيبة والسيرة الحسنة، لم أر قائداً ببساطته رغم أنني لا أعرفه شخصياً'.. فقلت: الحمد لله، لقد رحل وترك سيرة طيبة يتحدث عنها الناس..ثم استرسل في الحديث وقال: 'أجمل موقف حين أتت امرأة كبيرة في السن لم تستطع الدخول لبعد المسافة.. اتصلنا به ليتحدث معها وأغلقنا الخط، وفوجئنا به قد حضر شخصياً إلى السيدة وقدم لها كل شيء أرادته وأنهى موضوعها وودعها وهي تدعو له والفرحة على وجهها، ثم عاد إلى مكتبه'.
نعم، هذا هو فيصل الجريد رحمه الله مثالٌ للأخ الحنون الذي يضع أخوته بين عينيه، ويبحث عن مصلحتهم.. مثالٌ للأب الصالح المحب لأبنائه.. مثالٌ للابن البار بكل المعاني؛ فلم يقصر في حق والديه ولا يرد عليهما إلا بالكلمة الطيبة.. مثالٌ للصديق الذي لا يخذل أصدقاءه أبدًا.. مثالٌ للقائد الفذ المثقف الذي يعامل المرؤوسين بكل حبِّ وأخوه.. نعم، لقد كان مثالاً لكل ذلك.
فقدنا جزءًاً كبيرًا منا في فجر يوم الخميس الموافق 31 يناير 2013م.. فقدنا فيصل الجريد، والله لم أحزن في حياتي قط إلى هذه الدرجة، لكنني الآن سعيد بما تركة وراءه.. ترك وراءه إرثاً من النصائح القيمة وجعلنا نتطور إلى الأحسن من غير أن نحس، جلست أتذكر حين كان يتصل بي وينصحني: 'لا تفعل كذا'.. 'عليك بكذا'.. 'الأفضل لك أن تفعل هذا'.. وأتذكر نصائحه القيمة التي غيَّرت حياتي، وما تركه لي من دروس حياتية، وعلمت بعد مرضه أنه كان في السابق يساعدني في حياتي المهنية دون أن أعلم.. كان يطلب من الآخرين تقويمي، وحين أجلس معه يقول لي: 'اعتمد على نفسك.. عليك أن تسعى لتحقيق هدفك دون مساعدة الغير.. لا تنتظر الناس وترمي عليهم أخطاءك'.. لم أعلم إلا للتو أنه قدم لي الكثير وأعطاني درساً في المحاولة والمثابرة حين يتصل علي ولا أستطيع الرد إلا في وقت لاحق: 'حاول أن ترد قد يكون هناك شخصٌ بحاجة إلى مساعدتك'!
علمتني يا فيصل الكثير والكثير، ومازلت إلى الآن وبعد مرور أكثر من شهر من وفاتك استمع إلى حديث الناس عنك ووصفهم لأخلاقك ومدى حبهم لك.. مازلت استقبل مكالمات التعازي من داخل الكويت وخارجها.. فكم أنت فخر لي يا أخي الغالي!
فيصل، لا أستطيع أن أعبّر عن بعض الحزن الذي يغمرني منذ رحيلك.. لقد فقدت جزءاً كبيراً مني، فكل يوم يمرُّ أصعب من اليوم الذي مرّ قبله.. مازلت اتصل بك لاشعورياً عندما يصعب علي أي أمر، فأتذكر أنك غير موجود.. صوتك لا يفارق أذني وصورتك لا تفارق عيني.. كل مكان أذهب إليه وكل شيء أراه يحمل إلى ذكراك فأتذكرك.. الحياة من بعدك أصبحت أصعب.. لقد فقدت حسَّ الأخ والأب والصديق والمعلم.. أحيانًا أشعر بأن كل ما حدث مجرد حلم، وأتمنى أن يكون كذلك.
سأعمل يا أخي العزيز بكل ما علمتني وأنفذ كل ما أوصيتني به.. سأحاول أن أصل إلى بعض أخلاقك وتأدبك وعلمك وحب الخير ووفائك للجميع.
فيصل، أيها الأخ الحبيب، رحمة الله عليك ، طيب الله ثراك، وجعل الجنة مثواك، وجمعنا وإياك في مستقر رحمته.. إنه قريبٌُ سميع الدعاء.
تعليقات