مشروع الطاقة الإيراني - الباكستاني المثير للجدل بقلم د. عبد الله المدني
الاقتصاد الآنمارس 10, 2013, 12:15 م 396 مشاهدات 0
المعروف أن النظام الستاليني القائم في بيونجيانج لا يتورع عن القيام بأي عمل من شأنه ابتزاز المجتمع الدولي للحصول على مساعدات اقتصادية سخية تبقيه على قيد الحياة وتخرجه من أزماته المتفاقمة الناجمة عن سياساته الحمقاء. فكوريا الشمالية، كما يعرف الجميع ماضية منذ زمن طويل في برامجها النووية والصاروخية المهددة للأمن والاستقرار في منطقة شمال شرق آسيا، ولم يفلح معها كل المناشدات والإغراءات التي قدمتها الدول الكبرى بما فيها حليفتها الوحيدة (الصين)، الأمر الذي لا تفسير له سوى طمعها في الحصول على المزيد فالمزيد.
ويبدو لي أن النظام الحالي في إسلام أباد وجد في سياسات بيونجيانج نموذجا يـُحتذى به لجهة دفع القوى الإقليمية والدولية نحو المسارعة لإخراجه من مصاعبه الاقتصادية، لا سيما تلك المتعلقة بالطاقة، فكان أن لوَّح بورقة مشروع خط أنابيب الغاز ما بين باكستان وإيران، وهو يعلم علم اليقين أن القوى التي تفرض العقوبات على طهران لن يسعدها ذلك، وستسارع إلى تقديم البدائل لها لمنعها من المضي قدما في تنفيذ صفقات مع النظام الإيراني المعزول.
لكن يعتقد أن إسلام أباد لم تحظ بما كانت تتوقعه من حلفائها التقليديين بالصورة المأمولة، ففي المباحثات التي جرت في الرياض في وقت سابق بين وزير الخارجية السعودي الأمير سعود الفيصل ونظيرته الباكستانية حنا رباني خر لم تتعهد الرياض لإسلام أباد بمعونات وهبات وإمدادات مجانية من الطاقة كما كانت تفعل في السابق، بل تقول بعض المصادر الصحافية إن المسؤول السعودي الرفيع عبر عن امتعاض بلاده مما تفعله باكستان في هذا الوقت العصيب تحديدا الذي تتزايد فيه أعمال إيران العدائية ضد دول الخليج. كما أن واشنطن، التي أعربت في مناسبات عدة عن عدم ارتياحها لمشروع الغاز الإيراني – الباكستاني، وهددت بإدراج الشركات الباكستانية المنخرطة فيه أو المتعاملة مع ناتجها على لائحة العقوبات الأمريكية، لم تتعهد بشيء وإنْ اعترفت بحاجة باكستان الماسة إلى الطاقة، وقالت إن هناك طرقا أخرى لتلبيتها أفضل من التعاون مع الإيرانيين، طبقا لما صرح به نائب المتحدث الرسمي باسم الخارجية الأمريكية باتريك فيتريل.
والحال أن إسلام أباد لم تعط آذانا مصغية، لا لتحفظات الدولة الإسلامية الكبرى التي لولا دعمها السياسي ومساعداتها الاقتصادية السخية طوال العقود الماضية لما استطاعت الدولة الباكستانية أن تصمد طويلا، ولا لتحذيرات الحليف الأمريكي الذي لا يخفى على أحد حجم المساعدات التي قدمتها لباكستان بمليارات الدولارات في أحلك الأوقات أموالا وسلاحا وتقنية وخبرات. فمضى رئيسها آصف علي زرداري إلى طهران ليقابل نظيره الإيراني محمود أحمدي نجاد، ويحصل على مباركة المرشد الأعلى علي خامنئي، الذي أمره بضرورة تنفيذ مشروع خط الأنابيب بأسرع وقت ممكن، متعهدا بدفع مبلغ نصف مليار دولار من قوت الشعب الإيراني الجائع للخزانة الباكستانية من أجل التغلب على أي معوقات مالية تؤخر إتمام المشروع في الجانب الباكستاني، ومتعهدا أيضا بدفع مساعدات أخرى في صورة طاقة مجانية من تلك التي لا تستطيع طهران تسويقها في الأسواق العالمية بسبب العقوبات المفروضة عليها، مقابل أن تحصل إيران من باكستان على سلع غذائية تفك بها أزمتها المعيشية الخانقة.
لكن ما ملامح هذا المشروع المثير للجدل؟ ومتى تم التفكير فيه؟ وما المراحل التي مر بها؟ وإلى أين وصل تنفيذه؟
يبدأ خط أنابيب الغاز - كما هو مخطط له - من حقل بارس الضخم في جنوب غرب إيران، وينتهي في مدينة نواب شاه بالقرب من كراتشي على الساحل الجنوبي الشرقي لباكستان مارا بأراضي ولايتي السند وبلوشستان الباكستانيتين. ويبلغ طول الخط في الجانب الباكستاني 780 كيلو مترا وفي الجانب الإيراني 900 كيلو متر، وتقدر تكاليف تنفيذ الخط في الجزء الباكستاني وحده بنحو 1.5 مليار دولار من أصل التكلفة الإجمالية للمشروع البالغة 7.5 مليار دولار. ويفترض أن ينقل الخط عند إتمامه ما مقداره 21.5 مليون متر مكعب من الغاز الإيراني سنويا. وكان هناك مقترح إيراني في عام 1999 بأن تستفيد الهند من المشروع عبر مشاركتها في التنفيذ وتحمل جزء من التكاليف، وذلك من خلال تفريع خط الأنابيب عند منطقة خوزدار إلى فرعين، أحدهما يتجه نحو كراتشي، والآخر يواصل سيره نحو مولتان فالعاصمة الهندية. لكن نيودلهي لم تحبذ فكرة أن تكون إمداداتها من الطاقة تحت رحمة خصمها التاريخي، فلم تبد حماسا للمشروع منذ عام 2009. كما أن الهنود لم يعاودوا التطرق إلى الموضوع مع الإيرانيين خشية تعرض شركاتهم وأعمالهم لعقوبات من قبل واشنطن. ومن ناحية أخرى، فإن الإيرانيين اقترحوا في عام 2008 دعوة الصين وبنجلادش أيضا للمشاركة والاستفادة من المشروع، وذلك بوضع تصور حول تغيير مسار الخط داخل باكستان كي يتجه فرع منه نحو الصين وآخر نحو بنجلادش. لكن بكين، كما نيودلهي، فضلت ألا تتورط في مشروع يمر في دول غير مستقرة، ومعرض لأعمال التفجير من قبل المقاتلين البلوش وغيرهم، وهي لئن تركت الحرية أمام شركاتها ومصارفها لبناء المشروع أو تمويله، فإن الأخيرة اضطرت للانسحاب أخيرا خوفا من إدراجها في لائحة العقوبات الأمريكية على نحو ما فعله البنك الصناعي التجاري الصيني.
إن فكرة هذا المشروع قديمة وليست وليدة التسعينيات كما يعتقد البعض، فهي تعود إلى منتصف خمسينيات القرن الماضي حينما طرحها مهندس باكستاني شاب من طلبة الكلية العسكرية للهندسة يدعى مالك افتاب أحمد خان تحت اسم ''خط الأنابيب الفارسي''، مصحوبة بتصورات حول طرق حمايته عسكريا من أعداء ومتمردين محتملين. إلا أن المشروع ظل حبيس الأدراج حتى عام 1989 حينما عاودت باكستان وإيران طرحه مجددا بعد أنْ تزايدت حاجة العالم إلى الطاقة وتضاعفت أسعارها. وفي عام 1995 وقع الجانبان الإيراني والباكستاني بالأحرف الأولى على اتفاقية مبدئية بخصوص تنفيذه. لكن مذاك ظل المشروع محورا للتجاذبات والمناقشات والتعديلات والمخاوف، خصوصا مع غياب الاستقرار في المنطقة وتصاعد العداء بين طهران وواشنطن، وتبدل التحالفات، وتغير الحكومات الباكستانية، واتصاف السياسات الأمريكية بالتخبط. ويمكن أن نضيف هنا عاملا آخر حَدَّ من الاندفاع الباكستاني نحو تنفيذ المشروع هو ما واجهته وتواجهه باكستان من صعوبات مالية وانهيار اقتصادي.
تعليقات