بيت اليورو منقسما بقلم جان بيساني فيري
الاقتصاد الآنمارس 10, 2013, 12:35 م 388 مشاهدات 0
إن أحدث التوقعات الاقتصادية الصادرة عن المفوضية الأوروبية ترسم صورة محبطة: فمعدلات البطالة تقترب من مستوى 5 في المائة أو تتجاوزه في النمسا، وألمانيا، وهولندا في عام 2014، ولكنها أعلى من 25 في المائة في اليونان وإسبانيا، ونحو 15 في المائة في آيرلندا والبرتغال. ومن المتوقع أن يكون نصيب الفرد في الناتج المحلي الإجمالي في العام نفسه أعلى من مستواه في ألمانيا قبل الأزمة بنسبة تقترب من 7 في المائة، ولكن أدنى من ذلك المستوى بنسبة 7 في المائة في آيرلندا، والبرتغال، وإسبانيا ــــ وبنسبة مرعبة تصل إلى 24 في المائة في اليونان. لذا فمن المتوقع أن يستمر الانقسام الاقتصادي والاجتماعي العميق الذي نشأ في منطقة اليورو.
ومثل هذه الفجوة داخل الاتحاد النقدي من غير الممكن أن تستمر لفترة طويلة. فكما قال أبراهام لينكولن: 'إن البيت المنقسم على نفسه لا يظل قائما'. والسياسة النقدية نفسها من غير الممكن أن تتناسب مع احتياجات دولة تمر بحالة كساد وأخرى تقترب من التشغيل الكامل للعمالة. والواقع أن السؤال الأكثر أهمية بالنسبة لمستقبل منطقة اليورو هو ما إذا كان من الممكن سد الفجوة بين الدول الأعضاء المزدهرة والمكافحة.
تتلخص القراءة المتفائلة في أنه على الرغم من اختفاء أي علامة تدل على التحسن في سوق العمل، فإن الأداء الاقتصادي بدأ يتحسن بالفعل، كما بدأت عملية التكيف والتعديل. والدليل على ذلك، كما يُقال غالبا، أن العجز الخارجي تقلص إلى حد كبير.
ولكن المشكلة هي أن جزءاً كبيراً من هذا التحسن يعكس انهيار الطلب المحلي، الذي انخفض بنحو الربع في اليونان وآيرلندا منذ عام 2007، وبنحو الثمن في إسبانيا والبرتغال. وكانت معاناة الاستثمار في المعدات ــــ المفتاح لتعزيز رأس المال الإنتاجي في قطاع السلع القابلة للتداول ــــ كبيرة بشكل عام.
من المؤكد أن انكماش الطلب كان حتمياً في هذه البلدان، لأنها كانت تعيش بما يتجاوز إمكاناتها كثيرا؛ ولا يستطيع أي اقتصاد أن يحافظ بشكل دائم على معدل نمو للطلب يتجاوز معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي. ولكن ما رأيناه منذ عام 2007 كان تجاوز هدف الانكماش في الطلب الاستهلاكي والاستثمار المحلي. ومن غير الممكن أن نعتبر هذا نجاحا.
والأنباء أفضل على جانب الصادرات. فعلى الرغم من البيئة القاسية ارتفعت نسب الصادرات إلى الناتج المحلي الإجمالي بشكل كبير في كل الاقتصادات الأربعة.
وكانت آيرلندا مشهورة باقتصاد تفاعلي متوجه نحو الخارج، ولكن آيرلندا ليست وحدها في هذا. ففي مواجهة الانهيار الاقتصادي الداخلي والبيئة الأوروبية الراكدة، تحولت الشركات في اليونان، وإسبانيا، والبرتغال باتجاه الأسواق الخارجية وعملت على زيادة حصص بلدانها بشكل كبير في صادرات منطقة اليورو إلى بقية العالم.
وكان أداء إسبانيا في الأسواق الخارجية مثيراً للإعجاب بشكل خاص. ففي عشية إنشاء اليورو، كانت صادراتها إلى خارج الاتحاد الأوروبي لا تتجاوز ربع الصادرات الفرنسية إلى خارج الاتحاد الأوروبي؛ والآن ارتفعت النسبة إلى نصف المستوى الفرنسي.
والسؤال الذي قد تكون الإجابة الواضحة عليه في حكم المستحيل، هو كم من هذه الصادرات يهدف إلى الربح وكم منها لمجرد البقاء ــــ وبالتالي ما إذا كان الأداء التجاري القوي قابلاً للدوام. وهذا يقودنا إلى مسألة تعديل الأسعار والتكاليف.
خلال العقد الأول من عمر اليورو، سجلت الدول المتعثرة الآن تضخماً مطرداً في الأجور والأسعار أعلى كثيراً من مثيله في شمال أوروبا. ومن أجل استعادة التوازن الداخلي والخارجي، يتعين على هذه الدول ليس فقط أن تسد فجوة التكاليف، بل تعكس اتجاهها أيضا، فتتمكن بالتالي من توليد الفائض التجاري المطلوب لسداد الديون الأجنبية المتراكمة عليها في الوقت نفسه.
وكان من المفترض أن يسفر التقشف والإصلاحات عن إعادة التوازن داخل منطقة اليورو. وهذا ما حدث بالفعل، على الأقل في ما يتصل بالتوازنات الخارجية. ولكن على الرغم من التقدم الواضح على جبهة التصدير والانخفاض الملحوظ في تكاليف العمل، فإن عملية إعادة التوازن هذه كانت في الأغلب ناتجة عن الانهيار نفسه في الطلب الداخلي الذي يدفع معدلات البطالة إلى الارتفاع.
لعل كل هذه الآلام تؤتي ثمارها في نهاية المطاف. ولكن المجتمعات قد تفقد صبرها قبل أن يحدث ذلك. وينبغي لهذا أن يكون سبباً كافياً للتعجيل بإعادة التقييم. فالقضية ليست ما إذا كان من الضروري ضبط الأوضاع المالية وإعادة التوازن الخارجي أو لا ــــ فهذا أمر ضروري بالفعل. بل إن القضية الحقيقية هي كيف نجعل هذه العملية مستدامة على الصعيدين السياسي والاجتماعي.
تعليقات