التحرشات العراقية: محاولة للفهم
زاوية الكتابكتب مارس 11, 2013, 11:16 م 7186 مشاهدات 0
بعد عدة مشاريع مشتركة ضخت الكويت فيها ملايين الدولارات بالعراق، وبعدما تخلت الكويت عن بناء المرحلة الرابعة وحتى الثالثة بميناء مبارك، وبعد إعلانات رسمية كويتية بمساعدة العراق للخروج من البند السابع واستعدادها لاستثمار ديونها وتعويضاتها بمشاريع مشتركة لصالح شعبي البلدين، وبعد أيام من تنازل الكويت عن 730 مليون دولار لصالح الخطوط الجوية العراقية، وبعد أيام من تسيير الخطوط العراقية رحلات من ثلاث محطات عراقية إلى الكويت، وبعد أيام من زيارة وزير الخارجية العراقي هوشيار زيباري على متن أول رحلة عراقية للكويت منذ الاحتلال العراقي عام 90، وبعد الكلام الدبلوماسي الجميل الذي قاله السيد زيباري، وهو كلام على عكس مرافقه هادي العامري وزير النقل العراقي الذي تكلم بوقاحة سياسية نادرة، بعد كل هذا تقوم مجموعة عراقية اليوم بالتعدي على مراقبي الأمم المتحدة على الحدود بين البلدين، وعلى رجال الأمن الكويتيين وتبادل إطلاق نار والقيام بتعديات عراقية أزالت فيها 'مجاميع' من المحتجين العلامات الحدودية، وسط هوسات صدامية بحتة تتحدث عن ضم الكويت والعودة للغة الاحتلال والعدوان.
رابط : تبادل اطلاق النار بين الكويت والعراق
وسط هذا الذهول الرسمي الكويتي الذي أدلى بتصريح 'رسمي' مجهول المصدر يعبر عن الاستياء، تطرح التطورات تساؤلا كويتيا مشروعا: ما العمل؟
لفهم ما جرى، من المهم رصد المشهد العراقي من الداخل، فحكومة المالكي تعيش عزلة داخلية ومظاهرات عارمة تطالب برحيلها، واستقالات وزارية واتهامات بين أطرافها وصلت حد التخوين والاتهام بالإرهاب وأصدرت حكومته أحكاما عديدة بالإعدام على من كانوا حلفاءه بالأمس في حكومته، كما تعيش إخفاقا أمنيا وخدماتيا وحالة من الفساد المفضوح جعل العراق في ذيل قائمة دول العالم من حيث الفساد. وبالتالي فما جرى يمكن فهمه بمحاولة تشتيت الانتباه عن تطورات الداخل العراقي بافتعال أزمات مع الخارج، ومحاولة رص صفوف بعض الأطراف ضد 'عدو خارجي' يرى عراق المالكي أن أسهله هو الكويت، فالمالكي وأتباعه لم ينطقوا بكلمة حين تعدت إيران على حدودهم واحتلت حقلا نفطيا عام 2009، ولا هي بقادرة على التحرش بتركيا ولا السعودية، ولا الأردن، فتبقى الكويت 'الطوفة الهبيطة' التي كلما أرادت افتعال أزمة لتصدير أي من أزماتها افتعلت معها مشكلة على الحدود. حكومة المالكي ليست بريئة مما يجري، بل إنها لم تدن أعمال شبيهة بالماضي، ولم تعلن حتى إدانتها لهذه الخروقات.
كما أن إيران إن لم تكن ضالعة في تهييج هذه التحرشات، فهي بلا شك تخدم أهدافها، فمن أهم مرتكزات استراتيجيتها للهيمنة على الخليج العربي بقاء دوله على سفيح ساخن متوتر، ولعل في اشعال جبهات أخرى في المنطقة تخفيف الخناق على نظام الأسد الذي لا تزال إيران تؤمن باستمراره وبقائه حتى آخر إنسان سوري.
ما العمل؟
لدى الكويت الخيارات التالية للتعامل مع الابتزاز العراقي الذي لن يتوقف:
1. إبقاء الأمور على ما هي عليه ومحاولة شراء رضا الطرف العراقي والخضوع للابتزاز المستمر كقدر لا مناص من التعامل معه إلى أن تتغير الظروف لصالح الكويت، وهذا أمر صعب التحقيق في الأفق القريب. فالرهان على تطورات الحالة العراقية لصالح الكويت غير منطقي لغياب الكويت عن الساحة العراقية وبناء علاقات مع قوى مؤثرة، فمن بنت الكويت العلاقات معها في الماضي هم عمليا من يقلبون لها ظهر المجن هذه الأيام.
2. سحب السفير الكويتي وإغلاق الحدود ووقف التنازلات حتى ينهي العراق مسلسل الابتزاز وينهي ترسيم العلامات الحدودية، وهو خيار محفوف بتطورات الابتزاز وتصاعده حتى عسكريا ولو من قبل أطراف ميليشيا حزب الله العراقي أو أطراف شبه رسمية عراقية ترشق الكويت بين حين وآخر، وقد يعلن العراق الرسمي تنصله من المسئولية عنها.
3. الدخول في مفاوضات ثنائية مباشرة مع العراق حول العلامات الحدودية خارج إطار أو إشراف الأم المتحدة وقرارات الشرعية الدولية، وهذا سيكون أكبر خطأ استراتيجي ترتكبه الكويت لأنه يعني عمليا العودة للمربع الأول، فكلنا يستذكر مفاوضات جدة وما قادت إليه، وبالتالي فعلى الكويت تجنب هذا الخيار تحت أي ظرف من الظروف لأنها الدولة الوحيدة بالعالم التي رسمت حدودها بقرار من مجلس الأمن، والمفاوضات الثنائية المباشرة تعني عمليا تنازل الكويت عن قرار شرعي وتاريخي دولي ومن ثم فعليها تحمل تبعات ذلك التنازل، وتسليم أمنها وحدودها لرحمة جار أكبر منها وغير مهتم بإنهاء الخلاف معها وطي كافة ملفات الماضي.
استراتيجيا وليس مؤقتا:
من المؤكد أن التحرشات العراقية اليوم لن تتوقف في الغد المنظور، وأن الخضوع للابتزاز لن يؤدي إلا إلى مزيد من الابتزاز، وعلى الكويت إعادة بناء استراتيجيتها الأمنية بعقلية مختلفة فيها بعض من القديم، لكن عمادها الجبهة الداخلية قبل أي شيء آخر. فمن المعروف أن حالة انقسام سياسي تعيشها البلاد هي الأخطر على أمنها الوطني، وأن تلافي وعلاج هذه الحالة هو مسألة حيوية لأمن البلاد الاستراتيجي، وهي حالة تتطلب وقف الملاحقات السياسية وسجن المعارضين وإقصاء المخالفين، وإعادة الحياة البرلمانية واحترام دستور البلاد.
لقد كانت الديمقراطية الكويتية هي الميزة الاستراتيجية الأمنية التي بررت بناء التحالف الدولي لتحرير الكويت وحمايتها، وما يجري بالكويت اليوم من انتهاك للدستور وتراجع للحريات لن يخدم قضية الكويت الأمنية استراتيجيا، وسيجعل من الصعب على دول العالم الحر حماية بلد يعيش حالة ممأسسة من الفساد المالي والسياسي ويصادر الحريات ويسجن أصحاب الرأي والمغردين.
كما أن البعد الخليجي للأمن الوطني الكويتي بحالة إلى ترميم بعدما شرخته قوى التباعد بين دول مجلس التعاون الخليجي، وضرورة المبادرة الكويتية لتدعيم الكونفديرالية الخليجية وبناء جيش خليجي موحد مهمته الدفاع عن دول الخليج جميعا.
إن التحرشات العراقية اليوم مؤشر على ما يمكن أن تتطور إليه الأوضاع بالمنطقة، وهي تطورات لا يمكن استيعابها والتعامل معها بعقلية إقصاء المعارضين وسجن المغردين وملاحقة المختلفين، وهي العقلية التي تهيمن على حكومة اليوم، فكيف لحكومة بهذه العقلية أن تتعامل مع تطورات قد تكون مصيرية للبلاد وأمنها؟
تعليقات