دور النفط السياسي والاقتصادي لن يتراجع بقلم د.فهد إبراهيم الشثري
الاقتصاد الآنمارس 16, 2013, 3:16 م 659 مشاهدات 0
تطرقت في مقال الأسبوع الماضي إلى بعض الجوانب المتعلقة ببدائل النفط التقليدي، التي يمكن أن تؤثر بدورها في السياسة والاقتصاد العالميين. أشرت في المقال إلى الدور المتزايد للغاز والنفط الصخري كمصدر للطاقة في الولايات المتحدة، وهو ما يمكن أن يؤثر في دورها السياسي في منطقة الشرق الأوسط. بمعنى آخر، فإن ازدياد الاعتماد الذاتي من الطاقة للولايات المتحدة قد يجعلها أقل اهتماماً به، ومن ثم فقد يكون لذلك تبعات سياسية كبيرة. الدول الأخرى التي ستستفيد من تقنيات الاستخراج الجديدة سيقل أيضاً اهتمامها بالمنطقة، وهذا سيكون له تأثير سياسي واقتصادي أيضاً. بالطبع هذا مجرد سيناريو واحد من عديد من السيناريوهات التي يرسمها المخططون الاستراتيجيون، لكن السؤال هو عن مدى إمكانية تحقق هذا السيناريو على أرض الواقع.
يرى كثير من المحللين أنه على المدى المنظور، سيظل النفط التقليدي يلعب دوراً رئيساً في السياسة والاقتصاد العالميين. أي أن الشرق الأوسط كمنطقة غنية بمصادر الطاقة ستظل تجذب أنظار القوى الكبرى في العالم. هذه النتيجة تدعمها مبررات من جانبين، الأول اقتصادي بحت، من حيث الجدوى والإمكانات الحقيقية للبدائل الجديدة كالغاز والنفط الصخري. والثاني يتعلق بالجوانب البيئية وتأثيرات النفط والغاز الصخري البيئية. ففيما يتعلق بالجانب الاقتصادي، فإن جميع جوانب الطلب تشير إلى أن هناك زيادة مطردة في الطلب على مصادر الطاقة بجميع أنواعها، التقليدية كالنفط، والمتجددة كطاقة الرياح والطاقة الشمسية والطاقة النووية. فتعداد سكان العالم اليوم يتجاوز سبعة مليارات نسمة، كما يتوقع أن يرتفع بشكل مطرد تبعاً لارتفاع مستوى الدخل، وتحسن ظروف المعيشة والظروف الصحية، في عدد من الدول بما في ذلك إفريقيا والصين والهند.
بعض التوقعات تشير إلى ازدياد الطلب على النفط في عام 2013 بما يقارب 1.64 مليون برميل، 77 في المائة من هذه الزيادة ستأتي من الصين والشرق الأوسط ودول الاتحاد السوفياتي سابقاً. يتوقع أيضاً أن يزداد معدل الاستهلاك العالمي من الطاقة خلال الـ 20 سنة القادمة بنسبة 30 في المائة. الشرق الأوسط وحده حالياً يستهلك 7.6 مليون برميل نفط يومياً، وهو ما يعادل 80 في المائة من استهلاك الصين، وستتبع النمو المتصاعد في هذه المنطقة زيادة في احتياجاتها لمختلف مصادر النفط. المؤشرات كذلك تشير إلى ارتفاع متزايد في طلب الصين على النفط، حيث ارتفعت نسبة استهلاك الصين من النفط العالمي من 10 في المائة في عام 2000 إلى 20.3 في المائة في عام 2010، وستستمر هذه النسبة في الارتفاع مع استمرار تحقيق الصين نموا يتجاوز 7 في المائة، وهو المعدل المستهدف في خطتها التنموية. الطلب الجديد لن يأتي من دول الاقتصادات المتقدمة، ولكنه في الدرجة الأولى سيأتي من الاقتصادات الصاعدة التي تستهلك اليوم ما نسبته 50 في المائة من الطاقة في العالم، مقارنة بـ 30 في المائة فقط قبل عشر سنوات.
على الجانب الآخر، هناك عدد من التحديات الاقتصادية التي تحد من إمكانية التوسع في إنتاج الغاز والنفط الصخري، تتمثل في ارتفاع التكلفة بشكل كبير، والحاجة المستمرة دائماً لحفر مزيد من الآبار للمحافظة على مستوى الإنتاج. فإنتاج البرميل الواحد من النفط الصخري في الولايات المتحدة يكلف ما يراوح بين 44 و68 دولارا أمريكيا. إضافة إلى ذلك، فإن تكلفة استخراج الغاز الصخري في الدول الأخرى كبيرة جداً وتتجاوز بشكل كبير تكلفة الاستخراج في الولايات المتحدة، كما أن التقنيات والخبرات الجيولوجية التي تحتاج إليها هذه العملية محدودة ومكلفة بالنسبة لهذه الدول. هذا الأمر يجعل إنتاج النفط الصخري حساسا جداً للتغيرات في أسعار النفط بشكل عام، إذ إن تراجع سعر النفط بشكل كبير سيؤدي إلى توقف الإنتاج بشكل شبه كامل من هذه المكامن.
وفي الجانب المتعلق بالتأثيرات البيئية للإنتاج من الغاز والنفط الصخري، فإن المعارضة لهذه المشاريع سواءً على المستوى الشعبي، أو على المستوى السياسي، تحد من القدرة على التوسع الكبير في هذه الصناعة. فضخ كثير من المياه المعالجة كيماوياً لاستخراج النفط الصخري قد يؤدي إلى تلويث المياه الجوفية، مما يزيد من الضغوط التي تواجهها الدول المنتجة لهذا النوع من النفط لمخاطرها البيئية الكبيرة. وتشير التوقعات إلى أنه سيتم حفر ما يقارب مليون بئر جديدة باستخدام تقنية التكسير الهيدروليكي من الآن وحتى عام 2035، ما سيسهم في نقص المياه الصالحة للشرب بشكل كبير، كما تشير التقديرات إلى الحاجة إلى ما بين 70 و140 مليار جالون من المياه لتكسير 35 ألف بئر جديدة في العام. هذا أدى إلى قيام بعض الدول بإصدار قوانين تحظر استخراج الغاز والنفط الصخري لآثاره البيئية.
كل هذه العوامل وعوامل أخرى لم يتم التطرق لها، تشير إلى استمرار النفط في لعب دوره على الساحة الاقتصادية والسياسية العالمية، كما أن القوى الكبرى بما فيها الولايات المتحدة، لديها مصالح رئيسة ومباشرة في منطقة الشرق الأوسط. وبالنسبة للولايات المتحدة، فإن ما يهمها في علاقتها مع الشرق الأوسط ليس فقط ما تستورده من المنطقة، ولكن ما يهمها هو استقرار إمدادات النفط العالمية، ومنطقة الشرق الأوسط، وبالتحديد المملكة، توفر هذا الاستقرار من خلال الطاقة الفائضة لديها.
تعليقات