المجددون يسبقون الزمن والمحافظون يجمدون المجتمع.. بنظر وليد المجني

زاوية الكتاب

كتب 564 مشاهدات 0


الكويتية

ومضات  /  المنفعة المتناقضة

وليد المجني

 

المجتمع الذي تسوده قوى المحافظين يتعفن كالماء الراكد. أما المجتمع الذي تسوده قوى المجددين، فيتمرد كالطوفان، حيث يجتاز الحدود والسدود، ويهلك الحرث والنسل. والمجتمع الصالح، ذلك الذي يتحرك بهدوء، فلا يتعفن ولا يطغى، إذ تتوازن فيه قوى المحافظة والتجديد، فلا تطغى إحداهما على الأخرى. 
بداية ساخنة لموضوع قد يثير حفيظة كلا الفريقين، المحافظ والمتحرك، وبلغة أخرى الأزرق والبرتقالي، حيث إن كل مجتمع يتحرك ونجد فيه جماعتين تتنازعان السيطرة فيه. فهناك جماعة المحافظين، الذين يريدون إبقاء كل قديم على قدمه، وهم يؤمنون بأنه ليس في الإمكان أبدع مما كان. ونجد إزاء هذه الجماعة جماعة أخرى معاكسة لها، هي تلك التي تدعو إلى التغيير والتجديد، وتؤمن بأنها تستطيع أن تأتي بما لم يأت به الأوائل، ولكن من الضروري وجود هاتين الجماعتين في كل مجتمع، فالمجددون يسبقون الزمن ويهيئون المجتمع له. وخلو المجتمع منهم قد يؤدي إلى انهياره تحت وطأة الظروف المستجدة. أما المحافظون، فدأبهم تجميد المجتمع، وهم بذلك يؤدون للمجتمع خدمة كبرى، من حيث لا يشعرون.. إنهم حماة الأمن والنظام العام، ولولاهم لانهار المجتمع تحت وطأة الضربات التي يكيلها له المجددون الثائرون. الخلاصة من هذا كله، أن هناك دائما قدما تثبت المجتمع وأخرى تدفعه، والسير لا يتم إلا إذا تفاعلت فيه قوى السكون والحركة معا.
ولو لاحظنا الثورات التي هزت التاريخ في مختلف العصور، نجدها جرت كلها على هذا المنوال.. فالناس لا يثورون من جراء ظلم واقع عليهم، إنما يثورون من جراء شعورهم بالظلم. فالشعور بالظلم أعظم أثرا في الناس من الظلم ذاته.
إن الناس لم يثوروا على الطغاة الذين سفكوا دماءهم وجوّعوهم وسلّطوا الجلاوزة عليهم يضربون ظهورهم بالسياط. ذلك لأن الناس اعتادوا على ذلك منذ زمن مضى وألفوه جيلا بعد جيل. فهم يحسبونه أمرا طبيعيا لا فائدة من الاعتراض عليه. لكنهم يثورون ثورة عارمة عندما تنتشر بينهم مبادئ اجتماعية جديدة، فتبعث فيهم الحماس، وتمنحهم ذلاقة البيان وقوة النقد، ومشكلة هذه الحياة أنك لا تستطيع أن تجد فيها شيئا ينفع من غير ضرر، أو يضر من غير نفع في كل حين، هذه المنفعة المتناقضة كانت خلاصة ما أشار له د.علي الوردي من كتاب مهزلة العقل البشري، الذي يوضح من خلاله تجربة واقعية للمجتمعات التي تتحرك بقدمين.

الكويتية

تعليقات

اكتب تعليقك