تجارة التجزئة .. هل تفشل الحكومة؟ بقلم عبد الوهاب الفايز

الاقتصاد الآن

371 مشاهدات 0


ومصدر التشاؤم هذا له مبررات فنية، فثقافة المنظمة في الأجهزة الحكومية لدينا لا تشجع على الحلول الذكية المبدعة طويلة الأجل، فهذه تحتاج إلى صبر وجلد (رجل الدولة) القادر على تجميع الجهود وتهيئة الظروف لصناعة الإجماع الوطني، وهكذا أصبحنا نميل إلى اجتراح الحلول السريعة للمشاكل المعقدة.

وعموما دعونا نأمل، فلعلهم هذه المرة جادون، (فما أضيق العيش لولا فسحة الأمل)، منذ سنوات بعيدة وأنا أكتب في هذا الموضوع، أي متابعة (مشكلة) تجارة التجزئة، وأول مرة وقفت على خطورة الوضع في هذا القطاع كان في أواخر الثمانينيات الميلادية، ففي تلك الفترة وبحكم عملي الصحافي اطلعت على دراسة أعدها باحثون مستقلون ومسؤولون حكوميون حول أوضاع تجارة التجزئة في المملكة.

وفي تلك الدراسة تمت الإشارة إلى خطورة الوضع في هذا القطاع، بالذات أثره في (سوق العمل) وجاء فيها أن وجود السعوديين لا يتعدى 2 في المائة، وهؤلاء هم الملاك، أي أن القوى العاملة الوطنية مفقودة رغم أن العاملين من غير السعوديين قدر عددهم حينئذ بأكثر من ربع مليون، هذا قبل ربع قرن، فكيف هو الوضع الآن!

أيضا نبهت الدراسة إلى الأثر السلبي لتجارة التجزئة على تدوير الثروة الوطنية مع تنامي انتشار التستر التجاري في هذا القطاع، ومن بين التوصيات التي قدمها فريق العمل، ضرورة توجه الحكومة لدعم قيام الأسواق الكبيرة متعددة الفروع ومملوكة لشركات مساهمة، وقدمت هذه كآلية واقعية لاحتواء هذه الظاهرة نظرا لصعوبة القضاء على التستر الذي أخذ بعدا اجتماعيا واسعا ليكون (إشكالية اجتماعية)، كما هو معضلة اقتصادية وأمنية.

تلك الدراسة كانت حينئذ كافية للإحساس بالمشكلة، ولـ ''قرع الأجراس'' حول خطورة ترك تجارة التجزئة تتمدد وتتوسع حتى تصل المرحلة الخطيرة والمكلفة في حلها اجتماعيا وسياسيا. ومع الأسف هذا الذي نشاهده الآن، فالاستثمار الأجنبي أضاف متغيرا جديدا دوليا سيصعب الحلول، كما أن المشكلة الخطيرة بدأت منذ بضع سنوات تأخذ منحى سلبيا جديدا يتجاوز المنشآت الصغيرة إلى (المتوسطة)، والتجار السعوديون الذين صمدوا في هذه الشريحة خلال العقدين الماضيين بدأ يخرج الكثير منهم، وإذا استمرت الأوضاع بهذه الفوضى وغياب اهتمام الحكومة فاستعدوا: الزحف قادم للشركات الكبرى!

كما هي سنة الحياة .. فالصغير يكبر، والعاملون الآن في التجارة من إخواننا المقيمين فيهم عصاميون بنوا تجارتهم عبر السنين بجلدهم وبصبرهم، ومستفيدون مما توفره لهم الظروف الحكومية (ضعف التشريع والرقابة) والظروف الاجتماعية (مغريات العمل الحكومي وتراجع الحافز الاجتماعي للعمل التجاري)، وطبيعي أن تتوسع حصتهم السوقية وتكبر تجارتهم.

إننا نفرح بما حققوه من إنجازات في التجارة، وخير بلادنا ما زال يصل أثره الإيجابي إلى العديد من المجتمعات الفقيرة، والله يقسم الرزق لعباده، (وفي السماء رزقكم وما توعدون)، وربما هو أيضاً استجابة لأمر الله لعباده بالسعي والهجرة للبحث عن الحياة الكريمة، (ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها).

أيضاً هناك إشكالية أساسية تجب معالجتها لإصلاح قطاع تجارة التجزئة، وهي إشكالية (ساعات العمل الممتدة) من الفجر إلى منتصف الليل. إذا تجاهلنا هذه الإشكالية ولم نفكر في علاجها، فلا تتوقعوا نجاح جهود الحكومة لإصلاح تجارة التجزئة، فأصل المرض موجود، وفوضى ساعات العمل الممتدة أهم عنصر ساهم في إخراج السعوديين من تجارة التجزئة قبل ثلاثة عقود، والمؤسف أن هذه الإشكالية لم يدركها وعي الأجهزة الحكومية، ومرد ذلك انغماس هذه الأجهزة في الأمور التنفيذية اليومية، فلا وقت للتفكير والتحليل والتدبر، ومجلس القوى العاملة الذي كان يقوم بهذه المهمة تم حله!

إصلاح تجارة التجزئة مكاسبها الوطنية عديدة، فهي المجال المتاح الآن والسريع لإنقاذ سوق العمل، وجر الناس إلى ما ينفعها ويشغلها .. بالذات الشباب. الحكومات الذكية تهيئ للناس أسباب الترقي الاجتماعي والاقتصادي عبر مساعدتهم على اكتشاف قدراتهم واستثمار إمكانات بلادهم، وربما لن تمر علينا حقبة ثرية بكل ما يحقق أسباب الترقي لمقومات الحياة الكريمة مثلما نحن فيه الآن. إننا أمام (فرصة تاريخية) لإحداث نقلة كبيرة في قطاع العمل والتجارة عبر إصلاح قطاع تجارة التجزئة، فالشباب هم الثروة الوطنية التي هي ضمان الاستقرار لمجتمعنا إذا نحن عرفنا كيف نؤهلها ونفتح لها آفاق المستقبل، وتجارة التجزئة فرصتنا المتاحة وغير المكلفة الآن لاستثمار الشباب لينجحوا في هذه التجارة كما نجح أجدادهم، فهل نبادر أم نرحِّل مشاكلنا كما كنا نفعل؟!


التدخين.. هم يحتفلون ونحن نتوسل!

الأسبوع الماضي احتفلت مدينة نيويورك بمضي عشر سنوات على منع التدخين في المطاعم والأماكن المغلقة. هذه أمريكا بلد أكبر الشركات المصنعة للدخان منعت التدخين وفرضت الدولة إرادتها، ونحن قريبا فكرنا في الموضوع وما زلنا نترجى أصحاب المقاهي والمطاعم والفنادق لأن يوافقوا على قرار المنع، بل المؤسف أننا منحنا مستثمرين أجانب رخصة استثمار في مقاهٍ تبيع (المعسل) والدخان للمراهقين من أبنائنا وبناتنا! والمؤسف أيضا أن بعض قادة الرأي العظام الذين تخصصوا في تضليل الرأي العام أعربوا عن أسفهم الكبير لمنع التدخين لأن هذا ظلم للمستثمرين المتستر عليهم!

انظروا للمفارقة: الأشياء الإيجابية في الغرب سلبية عندنا وأخلاقياتهم وممارساتهم السلبية إيجابية عندنا، ورغم أن لدينا من تخصصوا في الكتابة عن كل أمور دبي (ودبي فيها أمور إيجابية عديدة نفرح بها)، إلا أن هؤلاء لم يكتبوا حرفا واحدا عن منع التدخين في جميع الأماكن المغلقة في دبي قبل أربع سنوات، وكان قرارا صائبا رغم أن دبي تستقطب السياح من كل مكان ويتوقع أن تدللهم وترضيهم، ولكنهم انتصروا للمبدأ، وهم محقون. لم يقل أحد شيئا عن هذا الأمر الإيجابي، إنه إعلامنا الذي أصبح ضدنا!

انظروا كيف تهاجم هيئة الاتصالات عندما طلبت من شركات الاتصالات معرفة المعلومات الأساسية للمتعاملين مع شبكات التواصل الاجتماعي، رغم أن هذا أمر سيادي ومن حق أية دولة أن تحمي أمنها الوطني. نحن على خطأ والدول التي سبقتنا ومارست هذا الحق هي الصح!

الآن:الاقتصادية

تعليقات

اكتب تعليقك