الشركات الحكومية نجاح خرج من رحم البيروقراطية! بقلم د. عبد الله الحريري

الاقتصاد الآن

776 مشاهدات 0



بات من المعروف على نطاق واسع، الحجم الهائل من الدعم الكبير الذي تقدمه الدولة لجميع الوزارات والهيئات الحكومية دون استثناء، ونعلم جميعا أن هناك ميزانيات لبعض الوزارات تمت مضاعفتها خلال السنوات الماضية، بهدف تمكينها من التوسع في إنشاء المشاريع، خاصة المشاريع الخدمية والخدمات التي لها التصاق وتمس المواطنين مباشرة، كالصحة والتعليم والشؤون الاجتماعية وغيرها.

وفي الوقت نفسه نسمع بين وقت وآخر أن هناك مشاريع متعثرة، أو مشاريع حدث تأخر في تسلمها، أو أن الوقت سبق الجدول المعد للانتهاء من مشروع ما. وأيضا قصور في تقديم الخدمات للمواطنين، ونحن نشاهد يوميا مشاريع عملاقة وضخمة وتكلف مئات الملايين تنتهي في غضون عامين وثلاثة أعوام، بينما إنشاء مرفق حكومي لا يتجاوز 400 متر، مضت خمسة أعوام ولم ينته المقاول من التشطيبات. وغني عن القول أن هناك تأخرا كبيرا في تسليمه. هذا في مجال المنشآت العمرانية، أما إذا تحدثنا في مجال قطاع الطرق وإنشاء الجسور والأنفاق وإيصال الكهرباء والخدمات المختلفة، فحدث ولا حرج - مع التقدير لعدد من مشاريع الطرق في الرياض وجدة التي انتهت في وقتها المحدد - لكننا نتحدث عن بلاد - ولله الحمد - تحتل المرتبة الأولى في منطقة الشرق الأوسط، والمرتبة الـ 13 على مستوى العالم من حيث كبر المساحة، حيث تبلغ أكثر من مليونين و240 ألف كيلومتر مربع، وبالتالي فإن في كل مدينة ومحافظة مشاريع متنوعة وتستهدف كافة جوانب التنمية الإنسانية، وهذه المشاريع لا تقدر إلا بمئات الملايين من الريالات التي يتم صرفها سنويا على إنشائها، ومن ثم على تشغيلها وصيانتها.

اليوم هناك مشاريع وأعمال تقدمها الدولة ويتم التعامل معها بذهنية الإدارة الحكومية البيروقراطية، فتأخذ وقتا كبيرا، والهدر في هذا المجال هو في الحقيقية هدر مالي، حيث يترتب على التأخير والتسويف والتعطيل غرامات أو مسؤوليات وجزاءات لا تخفى على أحد، وفي الوقت نفسه هناك تجاوزات من مسؤولين، ويتم الإعفاء دون تبعات ومساءلات، من هنا أصبحت الشركات الحكومية مطلبا ملحا، وللمملكة تجربة ثرية في هذا المجال، وأعتقد أنها تجربة ناجحة بكل المقاييس رغم عمرها القصير، ولدينا أمثلة على تحويل قطاعات حكومية للعمل وفق العقلية المؤسساتية وعقلية القطاع الخاص، فحدثت ثورة من النجاح والتميز في هذه المجالات، لعل من أهم القطاعات الحكومية التي كانت تقدم خدماتها للجمهور دون تطوير وببطء، فتم تحويلها إلى شركة فلاقت نجاحا منقطع النظير كان مثار إعجاب وتقدير على مستوى العالم، كتحويل قطاع الاتصالات، وأيضا خدمات البريد، وهذه تجربة مضت عليها سنوات، حتى أن جيل اليوم لا يعرف ما كنا نعانيه قبل نحو 20 عاما من أجل أن نسمع رنة الهاتف في منزلنا، وهم لا يعلمون أنه كانت هناك سوق سوداء تباع فيها الأرقام للهواتف المنزلية بمبالغ خيالية وكبيرة، تحويل قطاع الاتصالات إلى شركة كانت خطوة ناجحة وماثلة أمامنا، وذلك القطاع تحول ذهنيا وسلوكيا بالكوادر البشرية نفسها التي كانت تعمل فيما كان يسمى وزارة البرق والبريد والهاتف. لعل من التجارب الحديثة في تحول خدمات حكومية إلى شركات حكومية، شركة المياه الوطنية، التي شهدت بعد تحويلها إلى شركة تطورا وتقدما، حيث تعمل على معالجة عدة مشكلات مثل التسربات وتوفير المياه، ولكنها نجحت في سرعة إنجاز مشاريعها، وفي أحيان قبل انتهاء العقد، مثل مشروع تعزيز مياه الرياض الذي كان مقررا أن ينتهي بعد 18 شهرا وأنجز خلال سبعة أشهر فقط، ورغم هذا فإنني أعتقد أن شركة المياه في مراحلها الأولى، ولكن بوادر النجاح بدأت، ونسأل الله لهم التوفيق والاستمرار في التطور حتى تكتمل منظومة العمل لديهم وتعم خدماتها كافة أرجاء المملكة.

من النماذج الجميلة الشركة السعودية للخطوط الحديدية 'سار'، التي أنجزت أطول خط حديدي في فترة وجيزة، يربط ست مدن، وكذلك الشركة السعودية للخدمات الأرضية، التي خرجت من الخطوط العربية الجوية السعودية، وما لاحظناه في فترة وجيزة من خدمات مميزة للمسافرين وسرعة تجاوب مسؤوليها.

والذي أريد أن أصل إليه من خلال سياق هذه الأمثلة هو نجاح التحول للعمل بعقلية القطاع الخاص، بعقلية إدارة الشركات وفق الربح والخسارة، وميزة هذا التحول الإنجاز ومرونة المحاسبة، وقوة الرقابة، وشمول المساءلة، بل والإنتاجية التي نشاهدها ونلمسها في الشركات الحكومية. في هذا السياق فإن قيام وزارة التربية والتعليم بإنشاء شركات تعليمية متخصصة خطوة رائدة. وقد سبق أن اقترحت إنشاء شركة حكومية لمشاريع وصيانة وتشغيل المنشآت الحكومية، فهذا مطلب ملح أمنيا واقتصاديا واجتماعيا، وفي ظني أن هذا مبتغى كل مسؤول كما أنها رغبة كل مواطن.

الآن:الاقتصادية

تعليقات

اكتب تعليقك