إخلاء سبيل البراك، فرصة لإخلاء سبيل العقل

زاوية الكتاب

كتب 5760 مشاهدات 0


  عاشت الكويت أياما عصيبة منذ صدور الحكم الأسبوع الماضي بحبس المعارض البارز مسلم البراك خمس سنوات بتهم التعدي على الذات الأميرية، وقد استأنف البراك الحكم واحتج ومحاموه على سير المحاكمة وعدم توفر الضمانات القانونية لإجرائها. بدورها انتفضت وزارة الداخلية وبتحريض من أعضاء مجلس الصوت الواحد وانقضت على مسكن شقيق البراك بالقوات الخاصة وكان ما كان من انتهاك للدستور والحرمات ونقض للأعراف والمواثيق. وانطلقت مسيرة تندد بإجراءات الداخلية تخللها خروقات فاضحة للقانون من بعض المحتجين وقد تصدت لها القوات الخاصة بعنف غير مبرر ونتج عن ذلك إصابات خطيرة واعتقالات.
كان البراك قد أبدى استعداده لتسليم نفسه إن تم ذلك وفق الإجراءات القانونية، وتوقفت الداخلية عن اقتحاماتها، وتعقلت عن استفزازاتها للمحتجين وللمعارضة. حتى جاء صباح اليوم، فحضر البراك جلسة استئنافه التي أمر فيها رئيسها المستشار أنور العنزي بإخلاء سراح البراك وتأجيل المحاكمة حتى الثالث عشر من الشهر القادم.
بخروج البراك، تنفس كثيرون الصعداء، فلا أحد يدري كيف كان يمكن أن تكون أشكال الاعتراض والاحتجاج على حبسه، ولا أحد يدري من يمكن أن يكون له نفس تأثير البراك في ضبط المحتجين والحد من التطرف لو أنه أودع وراء القضبان، كما أن خروجه عزز الثقة لدى البعض باستقلالية القضاء الكويتي وشموخه مهما سجل البعض من ملاحظات على بعض أحكامه.
لعل في إخلاء سبيل البراك فرصة لمراجعة الجميع للأزمات التي يتم افتعالها، ومناسبة لإخلاء سبيل العقل للتفكير الجماعي للخروج من المأزق الذي تعيشه البلاد منذ شهور طويلة، فالحكومة قررت بمحض إرادتها حبس العقل والتفكير، واتخذت منهجا واحدا هو الملاحقة والمطاردة السياسية ومحاولة إقحام القضاء الكويتي في نزاع سياسي أدى إلى تمزيق البلاد وتفريق الصفوف وكل ذلك في غير صالح البلاد، وراحت تلفق التهم والقضايا ضد معارضيها بحجة التعدي على الذات الأميرية، وهي ذات مصونة في قلوب كل الكويتيين وليست بحاجة لقانون يفرضها أو زنزانات سجن لتقدرها، فالمقام السامي لحضرة صاحب السمو الأمير- حفظه الله ورعاه- مصان من الجميع، ولن يزيده تلفيق التهم ضد الخصوم صونا، ولا حبس المعارضين رفعة وسموا.
لعل اليوم مناسبة حكومية –وبتوجيهات من سمو الأمير حفظه الله ورعاه- لإسقاط كافة التهم عن المعارضين والمغردين والمحتجين من الشباب الذين لا يشكك أحد في حبهم وإخلاصهم لبلادهم وولائهم لقيادتها ودستورها. إن من شأن إسقاط التهم وفتح صفحة جديدة بين الحكومة والمعارضة السياسية أن يخفف الاحتقان، وأن يعيد التوازن لكافة القوى بالمجتمع، وأن يعطي فرصة للتفكير بالقادم من الأيام، انتظارا لحكم المحكمة الدستورية التي ستنظر بعد شهرين في الطعون المقدمة ضد مرسوم الصوت الواحد وعدم شرعية المجلس الحالي.
وأنا على يقين، بأن مثل هذه الخطوة –لوتمت- فإنها ستعزز معسكر العقل بين صفوف المعارضة، وستسحب البساط من تحت المتشددين الذين لا يرون سبيلا سوى الاستمرار في الاحتجاج والمصادمات، وستدفع الجميع بالتوافق على قبول حكم المحكمة الدستورية أيا كان ذلك الحكم.
إن الاستمرار بنهج الملاحقات والصدامات، هو استمرار بالسير نحو المجهول، ويشكل خطرا على مستقبل الكويت التي تعيش في بحر هائج من التغيرات الإقليمية الدامية، ومن الملح تعزيز معسكرات التعقل، والصد عن قوى تحريض الحكومة على المعارضة، فهذه القوى ستتضرر حتما من أجواء التصالح والتعقل، ولا تعيش سوى في أجواء التوتر والصدامات، ويهمها استمرار هذا الانقسام السياسي الحاد والغير مسبوق في تاريخ الكويت السياسي.
افتحوا صفحة جديدة، وأوقوفوا منهج الملاحقة، فإن في ذلك خير للجميع، وسلامة للكويت وأمنها واستقرارها...

سعد بن طفلة

كتب سعد بن طفلة

تعليقات

اكتب تعليقك