الصين .. إصلاح الاقتصاد لإنقاذ الحزب وليس دفنه بقلم ديفيد بيلينج
الاقتصاد الآنإبريل 30, 2013, 12:34 م 789 مشاهدات 0
يأكل الرئيس الصيني زي جينبينج طعاماً بسيطاً، ولا يقبل بالعقيدة 'الشكلية' للحزب، ويأخذ زوجته معه في رحلات إلى الخارج. وإذا ما شك أحد في أن الرئيس الصيني الجديد من عامة الشعب، فها هي التقارير نقلت أنه أوقف سيارة أجرة ليصعد فيها. وفي الأسبوع الماضي أورد موقع على الإنترنت حاصلٌ على موافقة 'مكتب معلومات مجلس الدولة' حكاية جاءت على لسان سائق أجرة في بكين، يفترض أنه السائق الذي لوح له القائد الصيني المتخفي. وهي حكاية من الواضح أنها غير صحيحة؛ إذ سأل السائقُ الراكبَ الذي لا يعلم هويته: 'هل أخبرك أحد بأنك تشبه الأمين العام زي؟' وأغلب الظن أن السؤال جاء باللهجة العامية لمنطقة وسط بكين.
بعد ذلك أُعلِن رسمياً أن القصة غير صحيحة، وأنها غير معقولة حتى بالنسبة لزعيم يتسم أسلوبه بطابع إنساني ملموس على نحو يفوق ما كان لدى سلفه، هو جنتاو، الذي جعل شخصية آرتو ديتو في فيلم 'حرب النجوم' تبدو وكأنها شخص من لحم ودم. ربما يقْصُر زي نفسه على سيارات الليموزين الرسمية، لكن أسلوبه مختلف بصورة منعشة. فقد استفاد من الغضب الشعبي على أسلوب البذخ والفساد الذي كانت تعيش فيه شخصيات تافهة في الحزب، وحظر المآدب في حملة تلخصت في شعارها الذي يقول 'مَرَقْ واحد وأربعة صحون'. وبدلاً من التأوه على 'الممثلين الثلاثة'، أو 'النظرة العلمية حول التنمية' ـــ وهي الشعارات التي كان ينادي بها سلفه ولم تلفت انتباه أحد ـــ يتحدث تقريباً بطريقة أمريكية حول 'الحلم الصيني'.
وفي الوقت الذي يتباطأ فيه اقتصاد بلاده بعد ثلاثة عقود من النمو الذي يخطف الأنفاس، ليس هناك من يشك في أن الصين تقف على أعتاب تغير ضخم. ولأن زي هو الذي يشرف على هذا الانتقال، فمن المهم تماماً أن نعلم ما إذا كان تغيير أسلوبه هو نذير بتغير في الجوهر. باختصار، هل زي مصلح داخلي على نطاق صغير؟ وحتى لو كان كذلك، فهل سيكون قادراً في عصر يتسم بالقيادة الجماعية والمصالح المكتسبة المتجذرة، على التصرف وفق قناعاته؟
الدارسون الذين كانوا يدرسون الصين منذ عقود يحذرون من أنه يجدر بنا ألا نُحمِّل شخصيته العامة أكثر مما هي فعلاً. كان وين جياباو، الذي تنحى في الفترة الأخيرة عن منصب رئيس الوزراء، يحب أن يُرى مع عمال المناجم والفلاحين وضحايا الكوارث. ومع ذلك وين والرئيس السابق هو أشرفا على فترة من الرأسمالية شبيهة برأسمالية البارونات وتوسع فجوة الثروة، رغم أنهما حاولا بالفعل رعاية نظام للرعاية الاجتماعية وتحسين الظروف المعيشية في المناطق الريفية. ويقول ديفيد زفايج، أستاذ كرسي العلوم الاجتماعية في جامعة هونج كونج للعلوم والتكنولوجيا، إن معظم علامات الترحيب الدافئة من زي هي مجرد مظاهر في حملته السياسية. ويضيف أن الزعماء في الصين 'يُنتَخبون' أولاً، ثم يتعين عليهم الترشح للمنصب فيما بعد.
مع ذلك، الطريقة التي يتصرف بها الزعماء أنفسهم يمكن أن تكون لها دلالتها. وما عليك إلا أن تتذكر ميخائيل جورباتشيف أو دينج زياوبينج ـــ الذي كان كذلك يعطي عن نفسه انطباعا بأنه شخص متواضع من عامة الناس ـــ حتى ترى أن الأسلوب يمكن أن يكون تعبيراً عن النية. ويقول أورفيل شيل، من جمعية آسيا، إن من الصعب قراءة زي. لكن ظنَّه هو أنه يتمتع بالعمق وقوة الرأي، وهي أمور تنبع إلى حد ما من تجاربه في العمل في الأرض أيام الثورة الثقافية. والفترات القصيرة التي أمضاها في إدارة إقليمي فويجان وجيجيانج، وهما من المقاطعات الديناميكية، يقال عنها إنها جعلته أكثر تعاطفاً مع القطاع الخاص. كذلك يرجو المتفائلون في أن يكون لوالده، وهو سياسي معتدل، بعض الأثر عليه.
وحتى لو كانت لديه غرائز 'إصلاحية'، فليس من الواضح إن كان سيتمكن من التصرف وفقاً لها. ويقول شيل، الذي يعتقد أن الزعيم الحالي للحزب ـــ لحسن الحظ ـــ لا يتمتع بحرية التصرف مثلما كان دينج وماو تسي تونج: 'أخشى أننا لم نعد في عصر الزعيم الكبير'. وزي مطوَّق بلجنة دائمة مؤلفة من سبعة رجال يبدون أبعد ما يكون عن الاستنارة، على اعتبار أن في عضويتها خبيرا متمرسا في الدعاية الحزبية، واقتصاديا تلقى العلم في كوريا الشمالية. وللمرة الأولى منذ 1949 يقف على رأس الزعيم الصيني ليس رئيساً واحداً سابقاً للحزب، وإنما اثنان من رؤساء الأحزاب السابقين، هما هو وجيانج زيمين.
مع ذلك، يتمتع زي بنوع من السلطة المستقلة. فقد أُعطي جميع المناصب الثلاثة العليا، وهي منصب أمين الحزب، ورئيس الجمهورية، ورئيس اللجنة العسكرية المركزية ـــ كما أنه أمير صغير من عائلة تتمتع بأعلى المؤهلات الثورية. ووفقاً لوكالة بلومبيرج، فقد قام أقرباؤه بتجميع ثروة هائلة، وهو أمر من شأنه ألا يجعل من المرجح أن يهاجم أصحاب المصالح المكتسبة كما يرجو المتفائلون.
وحتى لو افترضنا أن زي يستعد لإصلاحات جذرية، فإننا على الأرجح لا نعلم ذلك حتى الآن. فقد استغرق جيانج ثماني سنوات قبل أن يتمكن هو ورئيس وزرائه، جو رونجي، من إطلاق التغيرات الاقتصادية الكاسحة في 1997. وربما تمر سنوات قبل أن يتمكن زي من تبيث دعائم سلطته.
فهل هناك شيء يمكن أن نتعلمه من الأشهر الخمسة الأولى من وجوده في المنصب؟ إن تشديد قبضته على الفساد قطع شوطاً أبعد مما تخيل كثيرون، رغم أن الذين عوقبوا كانوا من الفاسدين الصغار ونجا كثير من الذئاب المفترسة. كذلك قام زي بتلميع مؤهلاته الوطنية. فالحلم الصيني ينطوي على استعادة الكبرياء الوطنية، لكن موقفه المتشدد من سلامة المناطق الإقليمية، مثلاً، يمكن كذلك أن يؤمن غطاء للإصلاحات المحلية.
ولعل أبعد التغيرات أثراً حتى الآن هو استراتيجية الإعمار الحضري التي يتولاها لي كيكيانج، رئيس الوزراء. وهذا من شأنه إعطاء أذون إقامة للعائلات في المناطق الحضرية، تشمل 220 مليونا من العمال المهاجرين والسماح للمزارعين ببيع الأراضي بأسعار السوق. إن تمكين طبقة جديدة بأكملها من المستهلكين يمكن أن تكون له آثار هائلة على الاقتصاد بأكمله، من المصارف إلى الشركات المملوكة للدولة.
وأحد الأسباب التي تدعونا إلى المراهنة على أن زي سيعتنق في النهاية الإصلاح الاقتصادي المتطرف، هو أنه يتعين عليه ذلك على الأرجح. وكان الرئيس هو يتمتع ببذخ قيادة الأنموذج الاقتصادي القائم إلى الأمام. لكن كل شخص الآن، داخل الصين وخارجها، يوافق على أن الاقتصاد بحاجة إلى تغييرات أساسية.
وحتى لو اعتنق زي إجراء إصلاحات اقتصادية شاملة، فعلينا ألا نتوقع أن يأتي الإصلاح السياسي بعد ذلك. إن الهدف الرئيس لإصلاح آلة الاقتصاد الصيني الضخمة هو إنقاذ الحزب الشيوعي وليس دفنه
تعليقات