كم معركة بانتظار سورية؟.. خليل حيدر متسائلاً
زاوية الكتابكتب مايو 1, 2013, 1:30 ص 1105 مشاهدات 0
الوطن
أفكار.. وأضواء / قضايا المصير السوري
خليل علي حيدر
على الرغم من أن مصير النظام السوري يشكل القضية الأولى في الصراع والحرب والمعركة الدائرة في عموم بلاد الشام، الا ان بعض القضايا، التي قد يعتبرها البعض فرعية وهامشية، لا تقل خطورة وقابلية انفجار.. عن سقوط النظام نفسه.
«راغدة درغام»، كتبت في «الحياة» يوم 2013/4/5، «الأمريكيون ابلغوا الاردن ان عليه أن يتوقع اقامة طويلة للاجئين في اراضيه، ذلك ان المعركة على سورية ستكون طويلة، وحتى لو كانت المعركة اقصر، فما تركته الحرب من تدمير للبيوت داخل سورية سيتطلب سنوات لاعادة بنائها، ولاعادة تأهيل اللاجئين فيها. هناك داخل سورية الآن 4 ملايين مشرد وهناك خارج سورية حالياً مليون لاجئ.. يوجد في سورية اليوم مليون ومائتا ألف بيت مدمر اما كلياً او جزئياً، تحتاج الى 22 مليار دولار لاعادة بنائها وما لا يقل عن خمس سنوات– في افضل الحالات- لاعادة البناء. في ما يتعلق بلبنان الذي يتدفق اليه اللاجئون السوريون، ومن المتوقع ان يتدفقوا اليه بأرقام هائلة اذا وقعت معركة دمشق، اذ انه المنفذ الوحيد منها، ان السؤال العلمي هو: هل في وسع لبنان ان يتحمل الاعتناء بما يفوق مليون لاجئ في اراضيه، يؤمن لهم المسكن والطعام والتعليم لمدة خمس او عشر سنوات؟».
مشكلة اللاجئين السوريين ليست محصورة بالايواء والغذاء، ففي بعض الدول، كلبنان مثلاً، يشتغل السوريون القادمون من المدن والمناطق المدمرة والمهددة، بالكثير من الاعمال والمهن مقابل اجور ادنى، او يعمدون الى تأسيس المطاعم والمحلات بعمالة سورية في الغالب، وبذلك تتفاقم مشكلة البطالة بين اللبنانيين من مهنيين ورجال اعمال.
ويثير وجود اللاجئين السوريين احياناً مشاكل طائفية في لبنان ومشاكل سياسية في الاردن كما ثارت في الآونة الاخيرة مشاكل اجتماعية وبخاصة ما برز في الاعلام والانترنت حول زواج الفتيات السوريات القاصرات او اجبارهن على الزواج، ولا شك في ان بعض هذه الظواهر والمشاكل عرضة للتضخيم الاعلامي والمبالغة بسبب الاستقطابات السياسية والمذهبية، ولكن لا احد ينفي وجود مشاكل حقيقية متوقعة، من لجوء مئات الآلاف من الرجال والنساء والاطفال الى أي دولة في العالم.
خلال السنة الأولى من الحرب، يقول الصحافي البارز «سليم نصار»: «قدرت اسرائيل ان الثوار سيهزمون قوات الأسد في مدة اقصاها سنة واحدة وبدلاً من وصول الفريقين- في سورية- الى حسم نهائي نشأ وضع من الشلل المتبادل والثوار حالياً يسيطرون على مساحة لا تقل عن %75 من اراضي الدولة، بينما قوات الاسد تسيطر على المواقع المهمة من دمشق، وحلب وحمص والمنطقة العلوية في شمال غربي البلاد» (الحياة 2013/4/6).
والآن، كيف تؤقلم اسرائيل سياساتها مع العرب وتركيا مع صعود الاسلام السياسي المناهض تقليديا لها، واستلامه الحكم بعد انتفاضات الربيع العربي؟ وهل ستذهب الأمور الى مزيد من الصدامات، ان ان قواعد لعبة جديدة قد بدأت تترسخ؟ هذه الاسئلة طرحها محللان في مجلة «لومند ديبلوماتيك»، فبراير 2013، ولا يسهل على اسرائيل التوصل الى خطوط واضحة في تفاصيل هذا الوضع فدولة قطر مثلا تعد «راعية للاخوان المسلمين»، وهي في الوقت نفسه من اقل الدول العربية مجاهرة بالعداء لاسرائيل، بل تلعب دوراً تعتبره اسرائيل ايجابياً على صعيد الموقف العربي منها وتبدو مصر غامضة بعد مبارك، يصعب التنبؤ بالمسارات التي ستسلكها، وقد تبددت آمال إسرائيل في ان تبقى مصر تحت الحكم العسكري، واثبتت الاستجابة المترددة للحكومة المصرية في سبتمبر 2011، عندما تمكن موظفو السفارة الاسرائيلية بصعوبة تجنب الاعدام الغوغائي، «ان القبضة الحديدية للاجهزة الامنية المصرية لم تعد بالصلابة ذاتها». اما الانتخابات البرلمانية والرئاسية والتي حملت الاخوان والسلف الى مواقع القرار او التأثير الشديد فيه، فانها انذرت اسرائيل، تقول المجلة الفرنسية، «بمستقبل أكثر سواداً مما كانت تتصور».
ولكن تخبط سياسات الربيع العربي والثورة السورية ازاء الطوائف الدينية والعرقية قد تخفف من مخاوف اسرائيل فقد اعلنت عن فتح مستشفى ميداني على الحدود السورية، شمالي هضبة الجولان، وكان ذلك نتيجة تسلل مقاتلين اصيبوا في المعارك لتلقي العلاج، وتحاول اسرائيل نشر حزام امني خشية حدوث خروقات يهدد الدروز بافتعالها، ووفقاً لصحيفة «معاريف»، يقول سليم نصار في الحياة، «فإن مئات من الجنود الدروز الذين يخدمون في الجيش الاسرائيلي طلبوا الدخول الى سورية من اجل الدفاع عن اشقائهم الدروز الذين تعرضوا لاعتداءات جبهة النصرة»، ولم تعد سورية تمثل خطراً مباشراً على اسرائيل «والسبب ان الجيش النظامي السوري تعرض لتحولات جذرية خلال السنتين الماضيتين، فقد قتل منه أكثر من 13 الف جندي وانشق عن الوحدات العسكرية اكثر من اربعين الف جندي»، ويقول العقيد «اوهيد تجعة»، ان العدو الأول بالنسبة الى جيش الدفاع، اصبح لبنانيا».
ولم تترك الجماعات الجهادية وبخاصة «جبهة النصرة» مجالاً للتخمين حول هويتها وارتباطاتها الحقيقية، فقد «اعلن ابو بكر الحسيني القرشي البغدادي، أمير ما يعرف بدولة العراق الاسلامية، عن اتحاد تنظيم القاعدة في العراق وجبهة النصرة في القتال ضد نظام الرئيس السوري بشار الاسد. وكشف البغدادي ان «جبهة النصرة» في سورية هي فرع القاعدة هناك، وان عناصرها كانوا ينشطون بتخطيط وتمويل ودعم من تنظيم دولة العراق الاسلامية، الذي يزود نظيره في سورية بالمال والمقاتلين، وقال البغدادي: ان اسمي التنظيمين في سورية والعراق سيحل محلهما اسم الدولة الاسلامية في العراق والشام، كما دعا اتباعه الى رفض الديموقراطية واقامة دولة اسلامية قائلاً: «لقد جربتم الدكتاتورية، فاياكم ان تعتاضوا عن سنوات الظلم تلك بظلم الديموقراطية، وقد سبقكم اليها اهل العراق، وعملوا بها في مصر وتونس وليبيا، فانظروا الى حالها وما آل إليه أمرهم» (القبس 2013/4/10).
ونفت «جبهة النصرة» السورية في تصريح غامض للمسؤول العام للجبهة الشيخ أبو محمد الجولاني، تبعيتها لـ«قاعدة العراق» ولكن الجولاني عرض البيعة وجددها، جبهة ومسؤولين، لشيخ الجهاد الشيخ ايمن الظواهري حفظه الله» (الجريدة 2013/4/11).
ولا شك ان مثل هذا الاعلان الاندماجي بين جبهة النصرة وقاعدة العراق ومبايعة «شيخ الجهاد» ايمن الظواهري، بمثابة كارثة حقيقية على الصعيد الاعلامي والدولي للثورة السورية، ودعم اكيد للاعلام السوري الرسمي الذي كان يؤكد ان سورية «تتعرض لهجوم ارهابي من القاعدة»! وها هي جبهة النصرة والقاعدة تؤكدان صحة التصريحات الرسمية!
بعد تسعة اشهر من المعارك، تقول التقارير المنشورة، «باتت المعارضة المسلحة تسيطر على أكثر من نصف مدينة حلب، وتتقاسم قوتان رئيسيتان ادارة هذه المنطقة «المحررة» الجهاديون الذي يتمتعون بالنفوذ الأكبر، ومسلحو المجالس العسكرية المدعومون من ائتلاف المعارضة والتشكيلات الثلاثة الابرز المسيطرة على هذه المناطق هي جبهة النصرة الاسلامية وحركة احرار الشام، وكلتاهما من الجهاديين، بالاضافة الى لواء التوحيد المعروف اجمالاً بقربه من جماعة الاخوان المسلمين» (القبس 2013/4/12).
وفي المناطق الخاضعة للمسلحين في المعارضة، تضيف الصحيفة، باتت كل المعاملات مثل الزواج والارث والعقود التجارية تخضع للسلطة القضائية المسماة بـ «المحكمة الاسلامية» التي يديرها قضاة ومحامون انتقلوا الى صفوف المعارضة، والتي باتت خاضعة للجبهة الاسلامية وعلى رأسها النصرة واحرار الشام السلفية ولواء التوحيد وقد اقام لواء التوحيد مدارس وهيئة للكهرباء ومع تزايد نقمة السكان المدنيين من اعمال النهب التي يرتكبها المسلحون، اقام لواء التوحيد شرطة عسكرية لفرض القانون، ولكن الكثيرين يفضلون اللجوء الى «جبهة النصرة» التي تبدو أكثر انضباطاً من سواها وقد طلب من الجبهة مراراً التدخل لفض اشتباكات بين فصائل مسلحة في حلب حول توزيع المؤن او الغنائم، الا ان ثمة شكوى عامة من تطرف الجبهة الديني ويقول زعيم فصيل مسلح من اصل كردي: «المشكلة مع اخواننا من النصرة هي انهم يريدون فرض الحجاب على النساء بين ليلة وضحاها كما في افغانستان لم تكن حياتنا هكذا ابداً، ولا يمكن ان تفرض علينا الشريعة دفعة واحدة بهذا الشكل»، ولا شك ان نفوذ قوى الاسلاميين المتطرفين والجهاديين وتنظيم القاعدة في بعض مناطق سورية يثير قلق دول الغرب والولايات المتحدة الى أقصى حد ويقول النائب الجمهوري مايك روجرز: «اشعر بقلق كبير من عدد عناصر تنظيم «القاعدة» و«حزب الله» وربما «حماس» الذين يشاركون في القتال فاذا انهارت حكومة بشار الاسد بسرعة، تسقط سورية في حالة من الفوضى لن تؤدي الى انتشار الاسلحة الكيماوية فحسب في ارجاء الهلال الخصيب المختلفة، بل ايضا الاسلحة المتطورة التي قدمتها روسيا للأسد» (الجريدة 2013/3/24).
ويشير «خالد غزال» في مقال بعنوان «آفاق مسدودة في وجه المعاناة السورية» الى اصرار النظام «على تدمير سورية بشراً وحجراً»، ويضيف: «لم يعرف التاريخ نظاماً سياسياً تصرف مع شعبه بالوحشية التي يقودها النظام السوري ضد هذا الشعب»، ولا تنحصر مشكلة الثورة بالتلاعب الدولي والاقليمي بالمسألة السورية فحسب، بل هناك واقع المعارضة السورية ومعضلتها الداخلية وصلتها بالخارج، فلاشك في ان هذه المعارضة «تعاني ارتباكاً منذ تأسيسها، وتحمل من التناقضات اكثر بكثير من نقاط الالتقاء.. وبات كل طرف اقليمي يمد يده الى قسم من هذه المعارضة»، ويقف غزال عند «الدور الخطر الذي يلعبه تنظيم الاخوان المسلمين في الهيمنة على المعارضة وقراراتها، وفي الكشف عن برنامجهم الحقيقي المقبل لسورية بعد اسقاط النظام» (الحياة 2013/4/7).
في الاشهر الأولى لاندلاع الانتفاضة، يضيف الكاتب، صدر عن «الاخوان المسلمين» في سورية ما يشبه المانفيست، يحددون من خلاله نظرتهم لمستقبل سورية، في وصفها دولة مدنية تعددية لا يرمي الاخوان الى احتكار السلطة فيها، بل تشدد على مشاركة كل مكونات الشعب السوري في تقرير مصير البلاد .. «وسرعان ما انكشف الموقف «الاخواني» على حقيقته على غرار ما بدا في مصر وتونس».
ويرى احد المحللين ان الاسابيع الماضية شهدت تطورات مهمة اولها البدء بتشكيل حكومة مؤقتة للمعارضة تعمل في الاراضي التي يسيطر عليها المسلحون.. ومثل هذه الحكومة ستنظم العمل العسكري «بحيث يتم تمييز الثوار الحقيقيين عن الاسلاميين الرديكاليين الذين لديهم اهداف تتجاوز الجغرافيا السورية».
ويتمثل التطور الثاني في قرار القمة العربية منح «الائتلاف السوري لقوى الثورة والمعارضة» مقعد سورية في الجامعة العربية، مما يعني ان النظام السوري لم يعد يمثل سورية في الجامعة العربية.
أما التطور المهم الثالث فهو مؤتمر المعارضة العلوية «كلنا سوريون معاً.. نحو وطن للجميع»، الذي جرى في القاهرة «وهو تطور في غاية الاهمية بالنظر الى الاصطفافات الداخلية في سورية، اذ انه اول اجتماع من نوعه للعلويين»، وخرج المؤتمر بعدة قرارات ابرزها «ان النظام يستعمل هذه الحرب في تخويف العلويين من التغيير» و«التطور الرابع ميداني، فبعد سيطرتها على الشمال تسعى المعارضة المسلحة الى تطويق قوات الجيش في الجنوب، عبر تأمين معبر على الحدود الاردنية» (الحياة 2013/4/3).
وتقول صحيفة الواشنطون بوست الأمريكية ان حكومة الاسد تفقد سيطرتها بسرعة على شمال شرقي سورية، ونتيجة لذلك «بدأ سوريون كثر يستعدون لما يخشون انه سيتحول الى حرب أخرى بين المقاتلين المعتدلين نسبياً، الذين كانوا اول من حمل السلاح ضد الحكومة، والاسلاميين المتطرفين الذين ظهروا اخيراً ليقودوا تقدم الثوار» (الجريدة 2013/4/13).
وتضيف الصحيفة الأمريكية ان الاصطدام واقع لا محالة بين الجيش السوري الحر وحركة جبهة النصرة، ويشير احد قادة الثوار ان لا عجب في أن تركز جبهة النصرة جهودها على هذه المنطقة، فقد سيطرت النصرة بذلك «على نحو %90 من آبار النفط السورية ومخازن الحبوب والقطن، وتعمل راهناً على بيعها لتجمع المال.. يضعون يدهم على الاقتصاد السوري، وهم اقوياء جداً، ترى راياتهم السوداء اينما ذهبت».
وتقول الصحيفة: «يبدو أن من كانوا سابقاً موالين للنظام ينضمون اليوم للمتطرفين»، ولكن مشاعر الناس منقسمة فالبعض يرى انهم مجرد اناس طيبين، والبعض يخشى بأسهم وآخرون يرتاحون الى دورهم في الامن والتموين، غير ان جهود النصرة في منطقة الرقة لحظر السجائر قد اخفقت، «شأنها في ذلك شأن جهودها لإرغام كل النساء على ارتداء الحجاب»، وتؤكد حنين مطر، 28 سنة، وهي مدرسة، انها شاركت في التظاهرات المناهضة للاسد، وتضيف: «لا يرغمنا احد على شيء، ولن يتمكنوا من ذلك، فقد ناضلنا في سبيل حريتنا»، يقال أن «معركة دمشق تقترب».. ولكن كم معركة بانتظار سورية؟.
تعليقات