المطلوب سحب 'الإعلام الموحد' لا تجميده.. برأي النيباري

زاوية الكتاب

كتب 703 مشاهدات 0


القبس

المطلوب سحب قانون الإعلام الموحد... لا تجميده

عبد الله النيباري

 

«إذا كان موقفكم رافضاً للمشروع (قانون الإعلام الموحد) فإنه سيوضع في الأدارج».. هذا ما قاله سمو الشيخ جابر المبارك في لقائه مع رؤساء تحرير الصحف الكويتية، وأكد أنه لا توجد أي نوايا لتكميم أو تحجيم الإعلام.. «ولا نقبل بأن تكون صحافتنا أقل مستوى من أي صحافة حرة في العالم».

كلام يبعث شيئاً من الطمأنينة، وجدير بأن يثمَّن، ويبعث الأمل بأن يكون سيادته عند وعده قولا وفعلا. ومع ذلك من الأفضل أن يتّسق تصرف الحكومة مع كلام سمو الرئيس، فتعلن سحب المشروع نهائيا. أما فقط بإبقائه في الدرج فهو قابل لأن يُرفع عنه التجميد ويُبعث للحياة من جديد، ومن دون ذلك تبقى المخاوف كامنة من دون زوال، فقد يعود وزير الإعلام بطل صناعة قانون اغتيال الإعلام إلى طرحه من جديد إذا ما غاب رئيس الوزراء لأي سبب كالسفر في مهمة أو إجازة أو لأي أسباب أخرى.

قانون بائس

وزير الإعلام هو الذي تولى صناعة هذا القانون البائس، وهو الذي مارس تسويقه والترويج له.

والقانون المقترح يعبّر عن هوى وتوجهات وزير الإعلام، كما يعبر عن توجهات اللوبي المُعادي لحرية الرأي وحرية الصحافة، ولذلك فالمطلوب هو إعلان سحب هذا المشروع، وإعلان دفن الأفكار والتوجهات التي أنتجته.

قضية حرية الرأي وحرية الصحافة التي نص عليهما الدستور في المادة 36 والمادة 37 في باب حقوق وواجبات المواطنين يجب أن ينظر إليها على أنها حقوق أصلية لكل مواطن، وهي من أحجار الأساس للنظام الدستوري الديموقراطي، والقوانين تنظم ممارسة هذه الحقوق والحريات ولا تقيدها ولا تكبلها، ودع عنك أن تصادرها.

حرية الرأي

وهذا ما يؤدي إليه قانون وزير الإعلام، فهو يضيّق مجال إبداء الرأي وحرية التعبير بكل الوسائل، ويقيد حرية الصحافة ووسائل الإعلام الأخرى، لدرجة أنه يكاد يخنقها لكي تختفي الآراء الحرة والصادقة وتنتشر قصائد المدح والتطبيل والتبجيل وتسود أدوات النفاق.

تجربة الشعب الكويتي مع قوانين الصحافة والنشر الطويلة تشوبها السلبيات المثيرة للمخاوف دائما، فقد تعرّض قانون الصحافة، الذي أصبح قانون الإعلام للعديد من التعديلات، وكلها باتجاه التضييق، فقد عدل عام 1964 - 1965 ما أدى إلى استقالة المعارضة آنذاك، وعام 1976 بعد حل مجلس 1971، كما عدل عام 1986 بعد حل مجلس 1985، وجميع التعديلات التي أدخلت على قانون الصحافة والطباعة والنشر في اتجاه التقييد، لدرجة أنه أدخل تعديل عام 1965 يعطي مجلس الوزراء حق تعطيل الجريدة وسحب الترخيص.

وهذه الملاحظات تنطبق إلى حد كبير على قانون الصحافة لعام 2006، وقانون المرئي والمسموع لعام 2007.

خبراء

مشروع قانون الإعلام الموحد يشي بأن من صاغه هم خبراء الأنظمة الأستبدادية، فقد اتسعت مساحته ليشمل كل أنواع التعبير عن الرأي، فهو يضع سطوته على الصحافة بكل أنواعها والطباعة والنشر وقنوات البث المرئي والمسموع، وإعادة البث، ووسائل الاتصال عبر شبكة التواصل الاجتماعي والبث الإلكتروني والسينما والحفلات.

كل هذه الأنشطة تلزم بالحصول على ترخيص من وزارة الإعلام يقدم مستوفيا للشروط، والوزارة لها أن تقبل أو ترفض خلال 90 يوماً، ومن غرائب القانون أنه إذا انقضت مدة 90 يوما دون صدور قرار من الوزارة بالقبول أو الرفض، أعتبر الطلب مرفوضاً، ومن الغرائب أيضا أن إقامة الحفلات تتطلب الحصول على ترخيص يقدم قبل شهر، مرفقة به تفاصيل عن أسماء الفنانين والفرق المشاركة وجنسياتهم ونوع العروض والأنشطة الفنية المزمع تقديمها.

تجاوزات

وبعد كل ذلك يجوز للوزارة التدخل لإيقاف الحفل إذا ما أقيم في حالة وقوع تجاوزات مخالفة للقانون.

فوق ذلك يتطلب استيراد معدات وآلات لأي من الأنشطة الإعلامية الحصول على موافقة مسبقة من الوزارة وموافقة لاحقة لاستخراجها من الجمارك.

ليس صحيحا قول وزير الإعلام إن القانون قد استبعد بنود السجن، والصحيح أنه استبقاها في حالة المساس بالذات الإلهية والملائكة والرسل والقرآن الكريم والأنبياء والصحابة أو زوجات النبي (صلى الله عليه وسلم) وآل البيت المعاصرين للرسول، حيث تصل العقوبة بالحبس إلى عشر سنوات، وفي الوقت نفسه تم رفع قيمة الغرامات المالية في حالة التعرّض لشخص سمو الأمير وسمو ولي العهد بالنقد، بحيث لا تقل الغرامة عن خمسين ألف دينار، وقد تصل إلى 300 ألف دينار.

وهكذا جرى رفع الغرامات، أدناها عشرات الألوف، وأقصاها مئات الألوف.

وابتداء للحصول على تراخيص صحف أو مطابع أو دور النشر، اشترط القانون شروطا تعجيزية كاشتراط رأسمال لإصدار جريدة يومية 500 ألف دينار والأسبوعية 300 ألف دينار، والشهرية 250 ألف دينار، و100 ألف دينار لربع السنوية أو نصف السنوية.

وللقنوات المرئية والمسموعة، اشترط القانون رأسمال مليون دينار للقناة التلفزيونية الشاملة، و500 لقناة الإعلانات التجارية، و200 ألف دينار للقناة العلمية والتعليمية أو الاقتصادية أو الاجتماعية أو الفنية أو الرياضية أو القناة المسموعة (الإذاعة). يضاف إلى ذلك إلزام المرخص له بإيداع كفالات مالية في صندوق الوزارة، تتراوح بين 100 ألف دينار و200 ألف دينار.

الالتزامات المالية

وفوق كل ذلك، وإذا استطاع أحد أن يفي بكل هذه الالتزامات المالية الضخمة، فما يحصل عليه هو ترخيص مؤقت تتراوح مدته بين 5 و10 سنوات.

هذه الأعباء المالية ما هي إلا عوائق أمام ممارسة حق كفله الدستور، فهل يُعقل أن من يُصدر جريدة يومية، ويؤسس مطابع أو محطة تلفزيونية أو سينما، وبعد أن يستكمل مستلزمات الإنتاج التي تكلف الملايين يجب عليه أن يتقدّم لتجديد الرخصة بعد خمس أو عشر سنوات، قد يُقبل أو يُرفض؟ وتعتبر مرفوضة إذا لاذت الوزارة بالصمت، وهو أمر لم يرد في كل القوانين السابقة، بما فيها القوانين التي صدرت في الخمسينات والستينات.

والحصول على ترخيص لممارسة الصحافة أو الطباعة أو النشر أو البث التلفزيوني أو الإلكتروني هو أمر غير معمول به إلا في الدول الاستبدادية والدكتاتورية.

ففي النظم الديموقراطية المتقدمة لا يُشترط ممارسة نشاط إعلامي صحفي أو مرئي أو مسموع أو إلكتروني الحصول على ترخيص، فالقاعدة المعمول بها هي إرسال إشعار أو تبليغ للجهة الرسمية ببيان نوع النشاط واسمه وعنوان صاحبه المسؤول فقط لا غير، فالنشر قد يكون صحيفة يومية تكلف الملايين، وقد تكون نشرة محدودة متخصصة أسبوعية أو دورية شهرية أو ربع أو نصف سنوية، لا تكلف إلا بضعة ألوف من الدنانير أو الجنيهات، والبث التلفزيوني قد لا يحتاج إلا لشقة أو غرفة صغيرة كما هو حاصل في الكويت.

ولا يشترط كما نص القانون المقترح لممارسة النشاط الإعلامي أن يحمل صاحب المشروع شهادة جامعية أو ثانوية، فهذا أمر يخص صاحب المشروع، وهنالك أشخاص لا يحملون شهادات ثانوية أو جامعية، ولكن تحصيلهم الثقافي قد يساوي أو يبز حاملي الشهادات الجامعية، التي أصبحت متاحة للحصول عليها بمقابل مالي، يكفي أن يكون صاحب المشروع يتمتع بكامل الأهلية، وهذه هي القاعدة المتبَعة في الدول الديموقراطية، وهو معمول به في لبنان حاليا، وكان معمولا به في الدولة العثمانية.

رتوش

الخلاصة أن قانون الإعلام الموحد المقترح، والذي رحّب به العديد من أعضاء مجلس الأمة الحالي، مع الوعد بإجراء تعديلات قد تكون رتوشاً تجميلية تبقي على ما احتواه من قيود تخنق النشاط الإعلامي وتعرِّض من يمارسه للملاحقات القمعية.

المطلوب هو سحبه لا الإبقاء عليه مجمداً في الدرج، قابلاً للإحياء.

القبس

تعليقات

اكتب تعليقك