الأجهزة الحكومية وغياب التدريب! بقلم فهد العيلي

الاقتصاد الآن

1785 مشاهدات 0



لو سألت موظفا حكوميا عن آخر برنامج تدريبيي التحق به لشعر بالحرج من الإجابة، وربما مر تاريخ طويل منذ التحاقه بوظيفته دون أن يحصل على دورة تدريبية واحدة، وهذا الواقع المرير يكاد يكون السائد وما عدا ذلك الاستثناء.

أتذكر أثناء التحاقي بإحدى الدورات في دبي قال لي مقيم عربي يعمل في ''شركة بريطانية'': ''لا يمكننا أن نعمل من دون تدريب مستمر، ولو مرت ثلاثة أشهر على موظف ولم يلتحق بدورة تدريبية لتمت مساءلته، وصنف كموظف غير جدير بالاستمرار لعدم حرصه على تطوير مهاراته، وكان حديثه مثار دهشتنا كمشاركين معظمنا من المملكة''.

غياب التدريب واحد من معضلات النمو المهني وتراجع الأداء في الأجهزة الحكومية التي هي أجهزة خدمية بالدرجة الأولى، معنية بتقديم الخدمات للمواطن وفق آليات سريعة وسهلة ومرنة.

وأكاد أجزم أن كل مؤسسة حكومية أو خاصة تقدم خدمات جيدة وراءها تدريب مستمر لكل فرد في منظومتها الإدارية والعكس صحيح أيضا.

في السابق كان بعض المسؤولين يرددون كم يكلفنا التدريب؟ لكننا اليوم نردد بأسى كم كلفنا غياب التدريب؟ وهذا ما يتطلب إعادة النظر في استراتيجيات التشغيل والأداء القائمة ليكون التدريب عنصرا رئيسا فاعلا في منظومتها.

ما نعرفه جميعا أن توجيهات الدولة واضحة في هذا الشأن وحريصة على أن يكون التدريب في كل أجهزتها مستمرا ومواكبا للمستجدات، وتوجت الدولة جهودها مبكرا بإنشاء ''معهد الإدارة العامة'' كواحد من أهم الجهات المرموقة التي تعنى بتدريب موظفي الدولة، كما تم تخصيص اعتمادات مستقلة ضمن مخصصات كل جهة للاستمرار في عملية التدريب، ولا يخلو هيكل وظيفي لوزارة أو هيئة حكومية من قسم معني ببرامج التدريب والتطوير المستمرة.

لكن المحير أن هذه المحفزات التشريعية والمالية لا يقابلها اهتمام على أرض الواقع، فمعظم الجهات حورت المخصصات المالية لبرامج التدريب على مشاريع وتجهيزات هامشية، وبعضها أعادت ميزانيات التدريب بالكامل لوزارة المالية، وهناك اعتمادات لم يصرف منها إلا القليل وعلى برامج ضعيفة وغير مدروسة لا تتناسب مع الاحتياج ولا تلبي الطموح، حيث تعاملت بعض القيادات الإدارية مع التدريب باعتباره ترفا لا حاجة إليه.

ولو أعطينا التدريب الاهتمام الكافي الذي يتناسب مع توجيهات الدولة، وفعلناه على أرض الواقع لكان ذلك كفيلا بتغيير الوجه البائس لكثير من الأجهزة الخدمية وتحسين أدائها، ولو كانت خطط التدريب والتأهيل مستمرة ومرتبطة بأداء الموظف وتقييمه السنوي، لما وصلنا إلى هذا المستوى من الضجر والتعطيل المستمر، ومن يشكك في ذلك تكفيه زيارة واحدة لمكاتب العمل أو البلديات، أو المحاكم، أو مصلحة الزكاة، أو مكاتب الضمان الاجتماعي، وغيرها ليدرك رتابة الأداء، وبطء الخدمة وتعطل مصالح الناس. يحتاج التدريب اليوم إلى من يعيد إليه دوره المفقود، وأتمنى أن تبادر وزارة ''الخدمة المدنية'' بالشراكة مع الوزارات الأخرى و''معهد الإدارة'' والجامعات ومؤسسات القطاع الخاص، إلى تبني آليات جديدة تجعل من التدريب أمرا رئيسا وإلزاميا في كل جهة يرتبط فيه مستقبل الموظف واستمراره وتقييم أدائه السنوي بمدى حرصه على تطوير نفسه ومهاراته، وربما يحتاج الأمر إلى ضخ مزيد من الحوافز للمثابرين والملتحقين ببرامج التأهيل فلا يستوي الذين يعملون والذين لا يعملون.

وكذلك الوزارات والجهات الحكومية نفسها ليست بمنأى عن المحاسبة، وإعادة النظر في مساءلتها عن مخصصات التدريب السنوية فيما صرفتها؟ وأين خططها السنوية لأقسام التدريب؟ وكم موظف استفاد من برامجها؟ وما انعكاس ذلك على الأداء بشكل عام؟

يكفي أننا خسرنا الكثير في الماضي بسبب غياب التدريب وتهميشه والصرف بتقتير لا يليق بدوره، ولا يحتمل الأمر مزيدا من الاستمرار في هذا التجاهل في ظل وفورات مالية وتنافسية خليجية وعربية وعالمية لا يليق بنا إلا أن نكون في مواقع المبادرة والإنجاز والتفوق ولا عذر لأحد.

الآن:الاقتصادية

تعليقات

اكتب تعليقك