تباطؤ نمو الاقتصاد العالمي يلقي بظلاله على أسواق النفط بقلم د. نعمت أبو الصوف
الاقتصاد الآنمايو 1, 2013, 3 م 844 مشاهدات 0
نمو الاقتصاد العالمي يتباطأ آخذا معه أسعار النفط إلى الأسفل. حيث إن الطريق إلى انتعاش اقتصاديات دول منظمة التعاون والتنمية الرئيسة لا يزال وعرا، حسب أحدث توقعات الاقتصاد العالمي لصندوق النقد الدولي. التنقيحات التنازلية الأخيرة لصندوق النقد الدولي تعكس جزئيا عدم التوافق السياسي في الولايات المتحدة بخصوص السياسة المعروفة باسم ''التنحية''، المتمثلة بخفض الإنفاق الاتحادي لعام 2013 بنحو 85 مليار دولار. حيث يتوقع الصندوق الآن أن ينمو اقتصاد الولايات المتحدة بنسبة 1.9 في المائة في هذا العام، في حين ستنكمش اقتصادات منطقة اليورو بنسبة 0.3 في المائة، ذلك أن الصندوق أصبح قلقا إزاء اقتصادات بعض البلدان الرئيسة للمنطقة.
يتوقع صندوق النقد الدولي الآن أن ينمو الناتج المحلي الإجمالي العالمي بنسبة 3.3 في المائة فقط في هذا العام، انخفاضا عن توقعاته السابقة المنشورة قبل ثلاثة أشهر التي أشارت إلى نمو بنسبة 3.5 في المائة.
إن التباطؤ الاقتصادي من المتوقع أن يكون أشد وأبلغ في الاقتصادات المتقدمة، حيث إن توقعات الصندوق قبل تسعة أشهر تشير إلى نمو اقتصادات منطقة اليورو بنسبة 0.7 في المائة في هذا العام، في حين أن التوقعات الآن تشير إلى انكماش المنطقة بنسبة 0.3 في المائة. لقد تأثر نمو الطلب على النفط بصورة كبيرة في دول منطقة اليورو التي تعاني مشاكل اقتصادية كبيرة. على سبيل المثال، تستهلك اليونان حاليا نصف كمية الديزل التي كانت تستهلكها قبل عام من الآن.
هذا الضعف في الاقتصاد والتراجع في الطلب لم ينعكس على البلدان غير الأعضاء في منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية. حيث يتوقع الصندوق أن ينمو الناتج المحلي الإجمالي الصيني بنسبة 8 في المائة في هذا العام. لكن الصندوق نشر توقعاته قبل أن تعلن الحكومة الصينية أرقام الناتج المحلي الإجمالي للربع الأول من العام الحالي، التي بينت أن الاقتصاد الصيني نما بنسبة 7.7 في المائة، مقارنة بـ 7.9 في المائة في الربع الرابع من العام الماضي. كما أن الطلب الصيني على النفط للفترة من شهر كانون الثاني (يناير) إلى آذار (مارس) كان أقل من الفترة نفسها من العام الماضي، هذا يمثل أول انخفاض فصلي في الطلب الصيني في 18 شهرا.
إن الدول المصدرة للنفط في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا ستشهد نموا في الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 3.25 في المائة في هذا العام، بانخفاض من 5.75 في المائة التي شهدتها في العام الماضي، في هذا الجانب يشير صندوق النقد الدولي إلى أن السبب في ذلك يعود إلى توقف النمو في إنتاج النفط فيها على خلفية الضعف النسبي للطلب العالمي على النفط وارتفاع الإمدادات من خارج دول منظمة أوبك. يشير الصندوق إلى أن ارتفاع إنتاج النفط من العراق وليبيا سيعوض أكثر من الانخفاض الحاصل في الصادرات الإيرانية، في حين يتوقع انخفاض طفيف في إنتاج بعض دول الخليج العربي لضعف الطلب العالمي على النفط.
في ضوء التقديرات الأخيرة للعرض والطلب على النفط، من غير المرجح أن يمتص نمو الطلب العالمي على النفط كل النمو المتوقع في إنتاج الدول غير الأعضاء في منظمة أوبك في هذا العام. لذلك يتعين على منظمة أوبك إما أن تتدخل قريبا لخفض الإنتاج أو القبول بانخفاض أسعار النفط كثمن للمحافظة على انتعاش الاقتصاد العالمي المتعثر.
إن توقعات الطلب العالمي على النفط مرتبطة بشكل كبير بالتوقعات الاقتصادية لصندوق النقد الدولي؛ لذلك من المرجح أن يتم تنقيحها تنازليا أيضا في الأشهر المقبلة. في الوقت الحاضر تتوقع وكالة الطاقة الدولية نمو الطلب العالمي أقل بقليل عن 800 ألف برميل في اليوم في هذا العام، بانخفاض يقدر بنحو 200 ألف برميل في اليوم من توقعاتها الأولية التي نشرت في شهر تموز (يوليو) من العام الماضي. في حين أن تقرير منظمة أوبك توقع منذ البداية ضعفا في نمو الطلب العالمي على النفط.
إن تباطؤ نمو الطلب العالمي على النفط انعكس بشكل واضح على أسواق النفط العالمية، حيث انخفض سعر خام نفط الشمال برنت في الأسواق الآنية إلى ما دون 100 دولار للبرميل للمرة الأولى في تسعة أشهر. في الوقت نفسه تحولت الأسواق المستقبلية لخام بحر الشمال برنت ومعظم أسواق المشتقات المتوسطة إلى حالة ''كونتانجو'' ـــ Contango، بمعنى أن الأسعار المستقبلية (الآجلة) أعلى من الأسعار الفورية؛ ما يشير إلى وجود فائض من النفط في الأسواق الفورية أو الآنية (Spot market)، ولا سيما في أسواق المشتقات التي تعكس بصورة مباشرة النشاط الاقتصادي، مثل وقود الديزل.
في ضوء أرقام صندوق النقد الدولي الأخيرة، من المرجح أن تقوم وكالة الطاقة الدولية ومنظمة أوبك وباقي المعاهد بإجراء مزيد من التنقيحات التنازلية لتوقعاتها للطلب العالمي على النفط في الشهر المقبل. لكن حتى النمو المتوقع حاليا في الطلب العالمي على النفط والمقدر بـ 800 ألف برميل في اليوم من غير المرجح أن يمتص كل النمو المتوقع في إنتاج الدول غير الأعضاء في منظمة أوبك في هذا العام. حيث إن ارتفاع الإنتاج من موارد الصخر الزيتي في الولايات المتحدة ومن الرمال النفطية في كندا سيعزز إمدادات أمريكا الشمالية بما يقرب من 900 ألف برميل في اليوم في هذا العام. كما أن المشاكل التي أثرت سلبا على إنتاج الدول من خارج أوبك وخارج أمريكا الشمالية في العام الماضي من غير المرجح أن تتكرر في هذا العام أيضا. حيث تمت تسوية الخلافات بين السودان وجنوب السودان بشأن رسوم عبور النفط، كما أن المشاكل المختلفة التي عانتها بعض حقول النفط في الصين، البرازيل وبحر الشمال قد تم معالجتها. في ضوء ذلك من المتوقع أن يرتفع إنتاج النفط من خارج دول منظمة أوبك بحدود مليون برميل في اليوم، إضافة إلى نحو 200 ألف برميل في اليوم من إنتاج دول منظمة أوبك من سوائل الغاز الطبيعي والمكثفات النفطية والسوائل النفطية غير التقليدية.
تعليقات