سعودة سوق العمل.. هدفٌ بلا «تخطيط» بقلم م. محمد عبد الله المنصور
الاقتصاد الآنمايو 2, 2013, 4:01 م 977 مشاهدات 0
الوضع الشائك والمعقد لسوق العمل لا تعالجه قرارات تقنين التأشيرات وترحيل العمالة المخالفة وفرض السعودة فقط، ذلك لأن ثمة عوامل أخرى تسببت في الحالة المزرية التي وصلنا لها. وقد تفاعل المجتمع بكل شرائحه وبقطاعيه الحكومي والخاص وطرحوا عشرات الأفكار والمبادرات لتنظيم سوق العمل لا أظنها تخفى عن أعين المسؤولين، ولكننا يجب أن نتجاوز التفكير الآني إلى التخطيط الذي سيمنع تكرار المشكلة ويقود سوق العمل للتوازن المطلوب.
هناك تحدٍ لتوفير وظائف لأبناء الوطن، ولكن يجب ألا يشمل ذلك الوظائف المتدنية التي لا تجذب المواطن، لأنها لا توفر له الحد الأدنى من الكفاف. وكذلك لا نريد رفع التكلفة على صاحب العمل الذي سيضيف ذلك إلى قيمة سلعته وخدماته ليدفعها المواطن في النهاية. الكل يعلم أننا نعيش سنوات ذهبية لن تتكرر، وإن لم نستثمر دخل الوطن في تنمية الاقتصاد وبنائه ليحتضن الأجيال القادمة فسنقود أنفسنا إلى الهاوية.
وزارة التخطيط التي شبعت سباتا عليها الإمساك بدفة القيادة لوضع خطة استراتيجية متكاملة مع كل الشركاء لبناء سوق عمل منظم ومتوازن بدلا من تقاريرها التي لم تقدم لنا سوى التطمينات الزائفة! وهذا يستلزم توفير وظائف نوعية مجزية للمواطن وتأهيله لها مع استخدام العمالة الوافدة في الوظائف المتدنية، فهذا سيقنن ويمنع ارتفاع الأسعار الجنوني، بسبب القرارات التي لا تفرق في الأعمال التي يشغلها الوافدون وتساوي الطبيب والمهندس بالنجار والحداد وعامل النظافة! هذا ليس أمرا صعبا، ولكنه دور مفقود يحتاج إلى مركز يقوم به وينسق بين كل الشركاء في سوق العمل ويتبع وزارة التخطيط ليقوم بالأدوار التالية:
- رغم أن لدينا شركات صناعية ضخمة مشاريعها بالمليارات إلا أنها تشتكي عدم وجود المؤهلات اللازمة لدى الشباب السعودي المتقدم لوظائفها وهذا بالطبع نتيجة لسوء تخطيطها! 'أرامكو' السعودية و'سابك' وشركة الكهرباء كمثال حين تخطط لبناء مرافق جديدة تقوم في الوقت ذاته باختيار وتدريب وابتعاث الشباب السعودي حتى يصبحوا جاهزين لممارسة العمل مع بدء تشغيل المرافق الجديدة. علينا بكل بساطة إلزام أي مشروع يحصل على قرض من صندوق التنمية الصناعي أو يستفيد من المدن الصناعية في الجبيل وينبع ورأس الخير وجازان وغيرها ويجد الدعم من الدولة أن يشغل السعوديون جميع الوظائف في المشروع عدا تلك التي تحتاج إلى خبرات خاصة في التشغيل أو الهندسة أو التسويق وهي في المجمل لا تتعدى 10 في المائة من حجم العمالة. هذا الإلزام سيحل مشكلة أخرى سمعنا عنها وهي أن العديد من هذه المشاريع أقيمت وفق دراسات جدوى اعتمدت على عمالة وافدة رخيصة وأن إلزامها بالسعودة ودفع رواتب أعلى سيرفع تكاليفها، ما يؤدي إلى الخسائر رغم تحفظ الاقتصاديين الذين أشاروا إلى أن تكلفة الموظفين غالبا لا تتجاوز 20 في المائة من الميزانية التشغيلية.
- ليس من المنطق أن تستمر الجامعات والكليات التقنية والإدارية في تخريج تخصصات دون معرفة حاجة سوق العمل الفعلية والفرص الوظيفية المتاحة. هذا المركز سيقوم بدور مهم في متابعة متغيرات سوق العمل من خلال سجلات التأمينات الاجتماعية وتأشيرات العمل والمشاريع الصناعية الجديدة وقوائم العاطلين ومتابعة الفترة التي ينتظر فيها الخريج حتى يجد الوظيفة المناسبة، وغير ذلك ما يساعد على تحديد احتياجات سوق العمل من حيث التخصصات والمناهج واللغة والتدريب وفرض معدلات الرواتب بناء على دراسات السوق. بذلك نعد الأجيال لتوائم سوق العمل بدلا من أن نترك الجامعات والكليات تضخ في سوق العمل مالا يناسبه والضحية هم أبناء الوطن الذين تتبخر أحلامهم ويتحطم مستقبلهم.
- دعمنا لتوظيف أبناء الوطن وإلزام الشركات بذلك مع دفع جزء من الراتب أحيانا لا يعني إغفال السلوكيات السلبية التي يسيء بها البعض للبقية. فهناك من لا يحترم العمل ولا يحافظ على الدوام، وربما يختلس أو يتلف وقد يترك العمل دون إشعار، ويسبب أضرارا لصاحب العمل. هذه الفئة يجب أن تعاقب ولا بد من سجل وظيفي يحمي صاحب العمل، فيعرف من خلاله أين عمل هذا المواطن وهل ترك عمله أم فصل؟ وكيف كان أداؤه، وهل ارتكب تصرفا مشينا؟ ولا بد من إلزام الموظف بعقد مع صاحب العمل يحمي كلا الطرفين مع التصدي لمن يحمّل الموظف المواطن مصاريف بغير حق كاشتراك التأمينات كاملا، أو تكاليف زي العمل أو العمل لوقت إضافي، أو في موقع بعيد دون تعويض أو مضايقته من قبل الوافدين. وأضم صوتي لمن طالب بسعودة منصب مسؤول الموارد البشرية والتوظيف في القطاع الخاص على أن يقوم المركز بتطويرهم ومساندتهم.
- أعمال الصيانة المنزلية وصيانة الأجهزة يجب أن تقتصر على السعوديين من خريجي الكليات التقنية، لأنهم أولى بهذا المجال ولنضمن الأمانة وعدم التلاعب. كما ننتظر أن يضع المركز خطة بالتنسيق مع البلديات والتجارة ومعاهد التدريب لننتشل أسواق الخضار والأسماك والتمور وغيرها من سيطرة العمالة الوافدة وهو أمر يستلزم وضع أنظمة ومراقبتها وتطويرها.
تعليقات