صناعة النفط تكافح لاحتواء ارتفاع التكاليف بقلم د. نعمت أبو الصوف

الاقتصاد الآن

623 مشاهدات 0


 


التكاليف الرأسمالية لاستكشاف وتطوير الحقول النفطية تعود من جديد إلى مستويات قياسية وتضع ضغوطا على الشركات النفطية. إن ارتفاع أسعار النفط إلى مستويات قياسية كان أحد الدوافع لارتفاع تكاليف المشاريع الاستخراجية في منتصف عام 2008، لكن الطفرة الحالية في التكاليف مرتبطة بالأساس بتزايد نشاط استكشاف وتطوير الحقول وزيادة الاعتماد على المشاريع العملاقة. حيث إن عمليات إنتاج النفط خارج دول منظمة أوبك أصبح أكثر تكلفة وتعقيدا، مما دفع الشركات إلى زيادة مستويات الإنفاق في مشاريع الحفر والاستكشاف. في نواح كثيرة، تكون الصناعة هي الضحية لنجاحاتها.

إن الطفرة في تطوير مصادر النفط غير التقليدية في أمريكا الشمالية وظهور آفاق جديدة للنفط في شرق إفريقيا، القطب المتجمد الشمالي، البحر المتوسط وغيرها من المناطق وسع من الفرص المتاحة للشركات للقيام بأعمال الحفر والتطوير. في ضوء هذا التطور من المتوقع أن يصل الإنفاق العالمي على مشاريع الاستكشاف والتطوير مستويات قياسية جديدة في هذا العام وفي السنوات القليلة القادمة.

تشير الإحصائيات والتقارير الأخيرة إلى أن الإنفاق العالمي على تطوير مشاريع الاستكشاف والتطوير وتشغيل الحقول القائمة قد وصلت إلى أكثر من 1.2 تريليون دولار في عام 2012، ومن المتوقع أن تصل إلى نحو 1.65 تريليون دولار بحلول عام 2016. في عام 2012 وصل مستوى الإنفاق الرأسمالي لتطوير الحقول الجديدة مستوى قياسيا جديدا تجاوز 700 مليار دولار، في حين وصلت النفقات التشغيلية للمشاريع القائمة إلى 500 مليار دولار.

من المتوقع أن يرتفع الإنفاق على المشاريع الاستخراجية في جميع مناطق العالم، مما يعكس زيادة كبيرة في نشاط صناعة النفط والغاز العالمية، حيث إن أسعار النفط وأسعار الغاز خارج أمريكا الشمالية لا تزال أعلى بكثير من تكلفة المشاريع الهامشية marginal cost projects المقترحة للنفط والغاز. في نفس الوقت الشح في قطاع الخدمات الهندسية والعاملين والتكنولوجيا، يضع ضغوطا تصاعدية على تكلفة المشاريع في جميع أنحاء العالم مما يتطلب أيضا زيادة الإنفاق.

في السنوات القادمة من المتوقع أن تكون منطقة الشرق الأوسط واحدة من مناطق النمو الرئيسية من حيث إجمالي الإنفاق على المشاريع الاستخراجية، في هذا الجانب تشير الإحصائيات والتقارير الأخيرة إلى أن النفقات الرأسمالية للمشاريع الجديدة سوف ترتفع بنحو 80 في المائة بين عامي 2012 و2016 مدفوعة بزيادة أنشطة الحفر في المملكة العربية السعودية والعراق بصورة خاصة، مقارنة بزيادة النفقات الرأسمالية العالمية بنسبة 45 في المائة للفترة نفسها.

مع هذا الارتفاع الكبير في تكلفة المشاريع الاستخراجية لا تزال شركات النفط والغاز ملتزمة بتطوير مصادر جديدة أكثر تعقيدا وفي أماكن صعبة ونائية. إن التكاليف الرأسمالية للمشاريع الاستخراجية وصلت في الربع الثالث من عام 2012 إلى مستويات منتصف عام 2008 القياسية، وحسب آخر التقارير من المتوقع أن ترتفع هذه التكاليف أيضا بنسبة 4 إلى 5 في المائة في هذا العام. في العام الماضي ساهم ارتفاع أجرة الحفارات البحرية بصورة خاصة في ارتفاع التكاليف الرأسمالية للمشاريع الاستخراجية، لكن من المرجح أن تساهم عوامل أخرى في موجة ارتفاع التكاليف القادمة، على الأقل ارتفاع تكاليف شركات قطاع الخدمات النفطية سوف تلعب دورا في هذا الجانب، والتي تخلفت أسعارها عالميا خلال الفترة بين نهاية عام 2008 و2009 وذلك بسبب الخصومات الكبيرة التي عرضتها على خدماتها للمحافظة على حصتها في الأسواق العالمية. في الوقت الحاضر من المتوقع أن تحفز برامج تطوير الحقول الكبيرة في العراق، المملكة العربية السعودية وفي أماكن أخرى في العالم، شركات قطاع الخدمات النفطية على رفع أجور خدماتها.

ارتفاع تكاليف أجور العاملين من الممكن أن تساهم أيضا في ارتفاع التكاليف الرأسمالية للمشاريع، الدول الأكثر تضررا من ارتفاع تكاليف العمالة هي التي توجد فيها مشاريع كبيرة معقدة قيد التنفيذ أو التخطيط، ذات تكاليف رأسمالية مرتفعة وتحتاج إلى كفاءات متخصصة، مثل محطات الغاز الطبيعي المسال في أستراليا، مشاريع الرمال النفطية في كندا، مشاريع المياه العميقة جدا تحت طبقات الملح في البرازيل. الطفرة الكبيرة في الولايات المتحدة في تطوير مصادر النفط غير التقليدية وخصوصا من الطبقات (المكامن النفطية) الواطئة النفاذية أو ما يعرف بـ Tight Oil، من المرجح أن تكون عاملا في ارتفاع التكاليف هناك، بينما في المملكة المتحدة، النقص في اليد العاملة الماهرة قد يؤدي إلى زيادة تكاليف العمالة.

تحاول شركات النفط العالمية المتكاملة الاستفادة من طبيعة هيكلها المؤسسي للمساعدة على السيطرة على ارتفاع التكاليف. في هذا الجانب تشير الشركات الأمريكية الكبرى مثل شيفرون وإكسون موبيل بوضوح إلى أن التكامل العمودي لهيكل الشركة يساعد على تخطيط وتطوير وتنفيذ المشاريع الاستخراجية الجديدة العملاقة مثل الغاز الطبيعي المسال والنفط الثقيل، التي غالبا ما ينطوي تعقيد هذه المشاريع على تصنيع وحدات تخص الصناعة التحويلية (مثل وحدات التحسين up-grader لإنتاج السوائل النفطية المصنعة) التي من الأفضل أن يتم التعامل معها من قبل شركات متخصصة لها خبرات تشغيلية ومعرفة بهذه الوحدات. في غضون ذلك تحاول الشركات النفطية إعادة تقييم الكيفية التي تنفذ بها مشاريعها المختلفة، خاصة في أمريكا الشمالية. حيث إن الصناعة هناك تتحول من التركيز على عمليات الحفر المكثف بغية المحافظة على عقود الامتياز إلى اتباع نهج تطويري أكثر شمولا. إن الشركات تقوم بتحسين كفاءة عمليات الحفر بصورة كبيرة وتعطي أيضا اهتماما أكبر لتعظيم معدلات الاسترداد، وكلاهما يحسن من اقتصاديات المشروع ويعزز من العوائد. إن الانخفاض الحاد في التنقيب عن الغاز قد ساهم أيضا في التخفيف من وطأة التكاليف، حتى مع عودة نشاط التنقيب عن الغاز إلى سابق عهده تعتبر قدرة الصناعة المتحققة على إنجاز الكثير بأقل التكاليف مستدامة.

إن الصناعة النفطية تحاول الاعتماد أيضا على التقدم التقني للتعويض عن الارتفاع في التكاليف في المجالات الخارجة عن سيطرتها أو التي لا تستطيع التحكم فيها بشكل كامل، مثل تكاليف أجور العاملين والمواد الخام الرئيسة، مثل الحديد والصلب. مشاريع الغاز الطبيعي المسال الأسترالية شهدت أخيرا ارتفاعا كبيرا في التكاليف، مما اضطر الشركات للبدء بتأجيل الأعمال الهندسية للتوسعات الجديدة التي لا تزال قيد الدراسة، أو في بعض الحالات إلغاء خطط التطوير بالكامل. من التقنيات التي تحاول الصناعة في أستراليا تطبيقها للسيطرة على ارتفاع تكاليف مشاريع الغاز الطبيعي المسال هي تقنية الغاز الطبيعي المسال العائمة، التي تسمح للشركات ببنائها في مناطق تكون فيها تكاليف العمالة منخفضة وفي نفس الوقت تختصر من تكاليف البنية التحتية المرتبطة بالمشاريع البرية (on-shore). هناك أيضا تقنيات جديدة في طور التطبيق في حقول المياه العميقة وخصوصا تلك التي هي تحت طبقات الملح في البرازيل وفي خليج المكسيك، الهدف منها زيادة معدل الاستخلاص وبالنتيجة تحسين اقتصاديات المشايع .

الآن:الاقتصادية

تعليقات

اكتب تعليقك