ضبط غريزة القطيع يساعد على تجنب الأزمات بقلم سارة جوردون
الاقتصاد الآنمايو 11, 2013, 3:22 م 789 مشاهدات 0
في الآونة الأخيرة، وفي يومين منفصلين، تراجع سعر الذهب بنسبة هي الأعلى منذ 30 سنة. وفي كل مرة لم تكن هناك أسس قوية للهبوط. وخرج المعلقون بعدد من التفسيرات الغريبة تبين السبب في التراجع الحاد في سعر المعدن الثمين، لكن لا يوجد بينها تفسير مقنع فعلا. من الناحية التقليدية يعتبر الذهب ملاذا حين يختل كل شيء آخر، لكن أسعار الذهب تراجعت في الوقت نفسه الذي تراجع فيه مؤشر ستاندار آند بورز 500، أبرز مؤشرات الأسهم الأمريكية، وتراجعت العوائد على سندات الخزانة الأمريكية لأجل عشر سنوات.
ومن الصعب ألا نصل إلى استنتاج يقول: إن مستثمري الذهب تدافعوا للبيع لأن المستثمرين الآخرين كانوا يبيعون -بعبارة أخرى انطلقت غريزة القطيع. وإلى أن يتمكن علماء الاقتصاد والمنظمون من إدخال هذا العامل في نماذجهم وقوانينهم، فإن فهمنا للأزمة المالية- وقدرتنا على تجنب أزمة أخرى - سيظل محدودا.
ولحسن الحظ، كثير من السلطات، المدفوعة في أعقاب الأزمة المالية إلى تشديد الأنظمة الرقابية التي كانت غير مناسبة، تسعى الآن إلى إدراج مزيد من علم الاقتصاد السلوكي في عملياتها الإشرافية. وفي بريطانيا، الإدارة الحكومية المشكلة حديثا تحت اسم ''سلطة السلوك المالي'' ''هدفها الوحيد هو حماية وتعزيز الثقة في النظام المالي البريطاني'' ملتزمة بتحليل سلوك الناس من أجل أن تتدخل في الأسواق ''على نحو أكثر كفاءة، وبطرق جديدة''. ويعتقد مارتن ويتلي، الرئيس التنفيذي للسلطة، أن علم الاقتصاد السلوكي سيساعد سلطة السلوك المالي على تقييم المشكلات المحتملة على نحو أفضل واختيار سبل علاجية أنجع.
والمشكلات التي اختارت السلطة التركيز عليها ليست من مستوى المشكلات التي أطاحت ببنك ليمان براذرز، أو صندوق التحوط لونج تيرم كابيتال مانجمينت -على الأقل حتى الآن. فقد اختارت أن تبدأ بالنظر في عدد من مشكلات الخدمات المالية اليومية بطريقة مختلفة.
لماذا يتصرف المستهلكون بطرق ليس من الواضح أنها عقلانية -مفضلين، مثلا، بطاقات الائتمان التي تتقاضى أسعار فائدة رخيصة لفترة مبدئية، ثم تتقاضى أسعارا ورسوما مرتفعة للغاية بعد ذلك؟ هنا استفاد المنظمون فعليا من الأبحاث السلوكية لتقديم نصيحة معقولة بخصوص الكيفية التي يمكن بها للشركات كتابة الرسائل على نحو يجعل زبائنها يقرأون الرسائل فعلا ''مثلا وضع نقاط على رأس الرسالة واختصار اللغو''.
لكن هذا التغير يشير إلى منهج يختلف اختلافا جذريا من قبل جهاز تنظيمي في مرحلة ما بعد الأزمة، لفهم سلوك المستهلكين والشركات، وهو منهج يسعى لأن يدرج في تقييماته الحقيقة التي تقول: إن البشر لا يتخذون قراراتهم بصورة محسوبة.
لكن إدراج هذه النظرة الثاقبة سيكون مليئا بالصعوبات. وكما تعترف السلطة نفسها، فإن تصميم وتنفيذ ''العلاجات المستنيرة بنظرة سلوكية ثاقبة'' ليس فقط من الأمور الجديدة، وإنما يتطلب اختبارات وأبحاث مكثفة.
وهناك عقبة أكبر، وهي أن المرء يشعر بصورة حدسية بأن المنهج السليم يفرض علينا أن نحلل سلوك الناس من أجل أن يساعدنا هذا التحليل في فهم السبب في سلوك الأسواق المالية على النحو الذي هي عليه. لكن ربما يكون لهذا علاقة أقل بالخيارات السلوكية وعلاقة أكبر بشخصية الفرد الذي يختار التصرف بناء على هذه الخيارات.
وهناك مجموعة من الأدلة القوية التي تشير إلى أن الناس الذين يرجح لهم الدخول في مناطق خطرة من الخدمات المالية هم أقل الناس مناسبة للحكم على المخاطر. وقبل فترة قصيرة نشرت سوزان كين كتابا بعنوان ''الهدوء'' واستشهدت فيه بسلسلة من الدراسات التي تشير إلى أن الأشخاص المنفتحين يغلب عليهم الانجذاب نحو البيئات ذات العوائد العالية من المصرفية الاستثمارية والصفقات والتداولات. والأمر المثير للقلق أن هؤلاء الناس المنفتحين يغلب عليهم كذلك أن يكونوا أقل كفاءة في الموازنة بين الفرص والمخاطر من نظرائهم الانطوائيين.
تخبرنا كين بحكاية فنسنت كامينسكي لتبين لنا ما يمكن أن يحدث لإحدى الشركات حين يتمتع أصحاب المخاطر بمكانة عالية فوق الحد قياسا إلى الانطوائيين الأكثر حذرا. عمل كامينكسي في منصب العضو المنتدب لقسم الأبحاث في إنرون، شركة الطاقة التي أشهرت إفلاسها في 2001. ومن خلال هذا الدور حاول مرارا أن يطلق جرس الإنذار ويقول: إن الشركة تدخل في صفقات تجارية كانت في رأيه تهدد وجودها وبقاءها. وحين رفض رؤساؤه الإصغاء إليه رفض التوقيع على تلك التعاملات الخطرة. وماذا كانت النتيجة؟ جُرِّد من صلاحياته في مراجعة الصفقات العامة في الشركة.
ومع اندلاع الأزمة المالية في 2007، أجرت ''واشنطن بوست'' مقابلة مع كامينسكي حذر فيها من أن ''شياطين إنرون'' لم يتم تطهيرها بعد. وعلى وجه الخصوص، اشتكى من أن كثيرين ممن يفهمون طبيعة المخاطر التي كانت تدخل فيها المصارف الأمريكية كان يتم تجاهلهم بسبب أسلوبهم الشخصي. وقال: ''المشكلة أن لديك، على جانب، شخصا يجني لك أموالا طائلة للشركة ويعامل وكأنه من ألمع النجوم، وعلى الجانب الآخر لديك شخص ذكي انطوائي. فمن في رأيك ستكون له اليد العليا؟''.
ووفقا لكين، تشير الأبحاث الأخيرة إلى من الممكن حتى أن يكون هناك ''جين انفتاحي'' -أي عامل وراثي ينظم إنتاج الهرمون دوبامين- المرتبط بنسخة من السعي للإثارة من الشخصية الانفتاحية وعنصر قوي في التنبؤ بالدخول في المخاطر المالية.
وقبل 15 سنة قال وارين بوفيت، في الاجتماع السنوي لشركة بيركشاير هاثاوي الاستثمارية، إن النجاح في الأعمال لا يعتمد على الذكاء. ''حين تتمتع بذكاء عادي، فإن ما تحتاجه هو المزاج والقدرة على السيطرة على الدوافع التي تُوقِع الناس الآخرين في المتاعب عند الاستثمار''.
وهناك اقتراحات كثيرة، منذ الأزمة المالية، تشير إلى أن ما تحتاجه الأسواق المالية هو قدر أقل من الهرمون الذكري. والواقع أنها تحتاج إلى قدر أقل من الدوبامين.
تعليقات