بدراسة شاملة خص بها ((الآن))

زاوية الكتاب

تركي سطام المطيري يكتب عن تأثير الدفع بعدم الدستورية بالدعاوى

كتب 5570 مشاهدات 0


خص استاذ القانون الدستوري والإداري الدكتور تركي سطام المطيري بدراسة شاملة عن تأثير الدفع بعدم الدستورية على الدعوى الموضوعية ، وجاء فيها ما يلي :

يتم تحريك الدعوى الدستورية بوسائل متعددة تلعب دوراً كبيراً في تمكين المحكمة الدستورية من القيام بدورها الهام ومسئوليتها الجسيمة المتمثلة في إجراء الرقابة الدستورية، ومن أهم هذه الوسائل الدفع الفرعي، ويقصد به ـحق أحد الخصوم في دعوى موضوعية معروضة على محكمة من المحاكم في أن يثير المسألة الدستورية في هذه الدعوى، وذلك بان يدفع بعدم دستورية تشريع يراد تطبيقه في هذه الدعوى، ويطلب أن تقوم جهة الرقابة الدستورية بالفصل في المسألة الدستورية المثارة قبل أن تقوم محكمة الموضوع بالبت في الدعوى الموضوعية المعروضة أمامها.

وتكتسب هذه الوسيلة من وسائل تحريك الدعوى الدستورية أهمية كبيرة  باعتبارها الوسيلة الوحيدة التي يملك بموجبها الأفراد تحريك الدعوى الدستورية في الكويت، كما تلعب السلطة القضائية دوراً هاما في تحريك الدعوى الدستورية عن طريق الدفع الفرعي، حيث إن وصول هذا الدفع إلى جهة الرقابة الدستورية متوقف على اقتناع المحكمة التي أثير أمامها بجديته.

وقد قرر المشرع في الكويت طريق الدفع الفرعي باعتباره وسيلة لتحريك الدعوى الدستورية ، حيث تنص المادة (4/ب) من قانون إنشاء المحكمة الدستورية الكويتية على أن ' ترفع المنازعات إلى المحكمة الدستورية بإحدى الطريقتين الآتيتين : (ب) إذا رأت إحدى المحاكم أثناء نظر قضية من القضايا، سواء من تلقاء نفسها أو بناء على دفع جدي تقدم به أحد أطراف الخصومة، أن الفصل في الدعوى يتوقف على الفصل في دستورية قانون أو مرسوم بقانون أو لائحة، توقف نظر القضية وتحيل الأمر إلى المحكمة الدستورية للفصل فيه. ويجوز لذوي الشأن الطعن في الحكم الصادر بعدم جدية الدفع، وذلك لدى لجنة فحص الطعون بالمحكمة الدستورية في خلال شهر من صدور الحكم المذكور، وتفصل اللجنة المذكورة في هذا الطعن على وجه الاستعجال'.

ويدخل الدفع بعدم الدستورية ضمن الدفوع الفرعية التي تستهدف تأجيل الخصومة أو وقفها لحين الفصل في مسألة أولية يتوقف عليها الفصل في موضوع الدعوى، كما يعد الدفع بعدم الدستورية دفعا قانونيا متعلقا بالنظام العام وبالتالي يجوز إبداؤه في أية حال تكون عليها الدعوى، بل ويجوز إبداؤه لأول مرة أمام محكمة التمييز (الطعن 30/97 دستوري).

ويشترط في الدفع الفرعي أن يكون جديا حتى تقبله محكمة الموضوع، والدفع الجدي هو الدفع الذي لم يقصد به اللدد في الخصومـة وأن من المحتمل قبوله فيما لو عرض على المحكمـة الدستورية (المذكرة الإيضاحية لقانون المحكمة الدستورية)، ويؤدي إلى استبعاد الدفوع التي تهدف إلى التسويف أو اللدد في الخصومة أو إضاعة الوقت أو تعطيل الفصل في الدعاوى أو إهدار العدالة (الطعن 3/2005 ل ف ط).

وبالنسبة لأثر حكم محكمة الموضوع بجدية الدفع ، فإن 'محكمة الموضوع – إذا ما أوقفت الدعوى وأحالت الأمر إلى المحكمة الدستورية ـ فإن الوقف يترتب عليه أن الخصومة الموضوعة – رغم قيامها – فإنها تعتبر راكدة، فلا يجوز القيام بأي عمل من أي شخص ، وإذا تم مثل هذا العمل فإنه يعتبر باطلا ، أما الوقف نفسه فإنه ينتهي بزوال سببه وهو صدور حكم المحكمة الدستورية ، غير أن الدعوى الموقوفة لا يستأنف سيرها بقوة القانون ، ذلك أنه إزاء سكوت قانون إنشاء المحكمة الدستورية ولائحتها في هذا الخصوص ، فإنه يتعين الرجوع إلى الأصل العام في قانون المرافعات ، والقاضي بأن القضية يعاد نظرها في جلسة تحدد بعد زوال سبب الوقف – بناء على طلب أي من الخصوم – وهو ما جرى به نص المادة (90) من قانون المرافعات الكويتي رقم (38/1980) ، حيث تنص على أن ' تأمر المحكمة بوقف الدعوى إذا رأت تعليق الحكم في موضوعها على الفصل في مسألة أخرى يتوقف عليها الحكم ، وبمجرد زوال سبب الوقف يكون لأي من الخصوم تعجيل الدعوى' (د. عثمان عبد الملك، الرقابة القضائية أمام المحكمة الدستورية، ص 88 وما بعدها).

أما في حال تقدير محكمة الموضوع عدم جدية الدفع بعدم الدستورية ، فإنه يمكن لمقدم الدفع أن يطعن في هذا الحكم أمام لجنة فحص الطعون، لتعيد النظر في جدية الدفع، فإن رأت عدم جديته رفضت الطعن وأيدت محكمة الموضوع في ذلك، أما إذا رأت أن الدفع جدي فإنها تحيل الأمر إلى المحكمة الدستورية.

وإذا كان حكم محكمة الموضوع بجدية الدفع بعدم الدستورية يترتب عليه وقف الدعوى الموضوعية انتظارا لحكم المحكمة الدستورية استنادا للمادة الرابعة من قانون إنشاء المحكمة الدستورية المشار إليه، فإن التساؤلات تثور في حال رفض محكمة الموضوع الدفع بعدم الدستورية استنادا لعدم جديته وقيام مقدم الدفع بالطعن في هذا الحكم أمام لجنة فحص الطعون:

أولا: ما مصير الدعوى الموضوعية المنظورة أمامها؟ هل تستمر محكمة الموضوع في نظرها؟ أم توقفها انتظارا لحكم لجنة فحص الطعون في الأمر؟

ثانيا: إن التساؤلات تمتد لتشمل الدعاوى الموضوعية المنظورة والمشابهة تماما للدعوى الموضوعية التي أثير فيها الدفع بعدم الدستورية وتم رفضه والطعن في ذلك أمام لجنة فحص الطعون، ما تأثير الطعن الأخير على هذه الدعاوى؟ هل تستمر المحاكم في نظرها؟ أم توقفها انتظارا لحكم لجنة فحص الطعون؟ رغم أنه لم يدفع أمامها بعدم الدستورية.

ثالثا وأخيرا، ما الحل إذا قضت محكمة الموضوع بعدم جدية الدفع واستمرت في نظر الدعوى وأصدرت فيها حكما باتا لا يقبل الطعن فيه بأي طريق من طرق الطعن، في الوقت الذي طعن فيه ذوو الشأن بحكمها بعدم جدية الدفع أمام لجنة فحص الطعون التي قبلت الطعن وأحالت الأمر إلى المحكمة الدستورية، ثم صدر حكم من الأخيرة بعدم دستورية النص المطعون فيه ؟

والتساؤلات السابقة ليست نتاج التنظير المحض، بل أن الواقع العملي يفرضها بقوة، حيث أنها مثارة أمام الدوائر الجزائية بالمحكمة الكلية بمناسبة القضايا المتعلقة بالمادة (25) من القانون 31/1970 المتعلقة بالتطاول على مسند الإمارة والتي يحاكم فيها العديد من النواب السابقين والناشطين السياسيين.

الحقيقة أن قانون إنشاء المحكمة الدستورية ولائحتها الداخلية لم يتعرضا لهذه الفرضيات بنصوص صريحة مباشرة قاطعة، ولذلك سنجتهد محاولين الإجابة على التساؤلات الثلاثة السابقة استنادا إلى جماع النصوص القانونية والمبادئ العامة للقانون، والعلل من أحكامها، والحكمة من تقريرها.

أولا: نعتقد أن محكمة الموضوع تلتزم بوقف الدعوى أو تأجيلها على الأقل لحين فوات ميعاد الطعن في حكمها بعدم جدية الدفع بعدم الدستورية أو بصدور حكم من لجنة فحص الطعون برفض الطعن أو بصدور حكم في المحكمة الدستورية في حال إحالة الأمر إليها من اللجنة المذكورة بعد تقديرها جدية الدفع .

وهذه النتيجة يمكن الوصول إليها ضمنا من خلال النصوص التي تنظم لجنة فحص الطعون بل ومن العلة من وجود هذه اللجنة ، فالقول بغير ذلك يجعل من النصوص القانونية المنظمة للجنة فحص الطعون لغوا تشريعيا ينزه عنه المشرع ، فما فائدة الطعن في حكم محكمة الموضوع بعدم جدية الدفع بعدم الدستورية أمام لجنة فحص الطعون إذا ما كانت محكمة الموضوع تملك الفصل في هذه الدعوى الموضوعية دون احترام المواعيد التي حددها المشرع للطعن في حكمها المتعلق بجدية الدفع ؟ بل وما الفائدة من وجود لجنة فحص الطعون برمتها إذا لم يتح للخصوم في الدعوى الموضوعية من الوصول إليها للفصل في الخلاف القائم بين مقدم الدفع بعدم الدستورية ومحكمة الموضوع حول جدية هذا الدفع ؟

ثانيا: إذا كان النص محل الدفع بعدم الدستورية هو نفسه مدار البحث في الدعاوى الموضوعية الأخرى، حتى ولو لم يدفع بعدم الدستورية أمامها، فإنه من مقتضيات العدالة أن تقوم المحكمة بوقفها انتظارا لحكم لجنة فحص الطعون في جدية الدفع، فإذا قضت اللجنة برفض الطعن أكملت محاكم الموضوع نظر الدعاوى المنظورة أمامها، أما إن قضت اللجنة بجدية الدفع وأحالت الموضوع للمحكمة الدستورية، حينها تقوم محكمة الموضوع باستعمال سلطتها في إثارة المسألة الدستورية عن طريق وسيلة الإحالة، حيث تحيل الموضوع للمحكمة الدستورية للفصل فيه مع المسائل المشابهة، نزولا على مقتضيات المنطق القانوني المجرد، ومتطلبات العدالة البحتة والمساواة أمام القانون.

والقول بغير ذلك يوصلنا إلى تناقض ظاهر ومجافاة بالغة للعدالة والمساواة أمام القانون، لاسيما إذا ما قضت محكمة الموضوع في الدعوى المنظورة بناء على نص قانوني قضت المحكمة الدستورية بعدم دستوريته فيما بعد، بينما يستبعد تطبيق ذات النص من الدعوى الموضوعية التي أثير الدفع بعدم دستوريته فيها.

ثالثا: لا شك أن معالجة الحكم الصادر - على خلاف حكم لاحق صادر من المحكمة الدستورية- يتم عن طريق الطعن فيه أمام المحاكم الأعلى، أما إن كان الحكم الأول باتا لا يقبل الطعن فيه بأية وسيلة، فإنه يعد حكما منعدما باعتبار أن التشريع المقضي بعدم دستوريته يعد منعدم القيمة من يوم صدوره وكأن لم يكن ، وذلك وفقا للمادة (173) من الدستور التي تنص على أنه 'وفي حالة تقرير تلك الجهة عدم دستورية قانون أو لا ئحة يعتبر كأن لم يكن'، وبالتالي يضحي حكم محكمة الموضوع منعدما لانعدام المفترض القانوني اللازم لوجوده وهو التشريع المقضي بعدم دستوريته ، فالمبني على معدوم معدوم مثله، أما عن الوسائل التي يمكن استخدامها من أجل الوصول لهذه النتيجة فمن أهمها دعوى بطلان أصلية ترفع أمام المحكمة التي أصدرت الحكم أيا كان نوعها أو درجتها يطلب فيها تقرير بطلان هذا الحكم (راجع: د. عثمان عبد الملك، السابق، ص89 وما بعدها).

ومن جانبنا فإننا نؤيد الرأي السابق أيضا في اعتبار حكم الموضوع منعدم بالنظر إلى تعارضه مع حكم المحكمة الدستورية، إلا أنه في ظل عدم وجود تنظيم لهذه المسألة في قانون إنشاء المحكمة فإن الوسيلة التي يمكن من خلالها معالجة هذا التعارض تتمثل في أن يتم تجاهل وجود حكم محكمة الموضوع، فإذا ما أريد تنفيذه على أطراف الدعوى واتخذت ضده إجراءات تنفيذية ، يمكن حينئذ إثارة مسألة انعدامه عن طريق منازعة تنفيذ موضوعية مضمونها انعدام الحكم الموضوعي المراد تنفيذه لمخالفته حكم المحكمة الدستورية، كما يمكن رفع دعوى بطلان أصلية كما ذهب الرأي السابق ، بالنظر إلى أن حكم محكمة الموضوع يعد حكما منعدما لمخالفته حكم المحكمة الدستورية.  

ختاما، إن ما سبق من تساؤلات يكشف عن وجود بعض القصور في التشريع ينبغي على المشرع معالجته بالشكل الأمثل، كما نظن أن اجتهادنا في الإجابة على التساؤلات السابقة هو الأكثر توافقا مع العدالة والمنطق والمساواة، كما أنه أكثر مراعاة ومحافظة على تمكين الأفراد من حقهم في التقاضي، إضافة إلى أنه الأقرب إلى تحقيق الاستقرار بالنسبة للمسائل الدستورية باعتبار أنه أكثر تمكينا للمحكمة الدستورية من أداء دورها المنوط بها في الفصل في دستورية القوانين.

سبحان ربك عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين

الآن - رأي الدكتور / تركي سطام المطيري

تعليقات

اكتب تعليقك