أبعاد العنف الديني ..برأي د. علي الطراح

زاوية الكتاب

كتب 861 مشاهدات 0

ارشيفية

د. علي الطراح

للكاتب الأميركي دانيال بايمان من جامعة جورج تاون مقالة يحلل فيها المخاوف من وصول جماعات الإسلام السياسي إلى السلطة، مثيراً دواعي القلق من الحكم الديني وإلى أي درجة يمثل نافذة عبور نحو مواجهة مدارس العنف أو الحركات «الجهادية» الأخرى كما يطلق عليها، وخصوصاً أن شبكات العنف الديني ما زالت خطيرة، واستطاعت أن تمدد نفوذها على رغم مقتل بن لادن، فهي ما زالت تعيش في العراق، وتلعب دوراً في سوريا، وتنتشر في أفريقيا، ولها قواعدها، وربما هذا التمدد يثير الكثير من التساؤلات حول نجاعة سياسة الغرب في مواجهة مثل هذه الحركات الدينية المتطرفة. ويساوم الكاتب على «الإخوان»، ولكن هناك مخاوف موضوعية أيضاً منهم، حيث إنهم في نهاية الأمر مدرسة دينية تؤمن بأفكار وتحمل أهدافاً، وليس من الضروري أن يستطيع الغرب الاعتماد عليهم في مواجهة مدارس العنف الديني المنتشرة في الشرق الأوسط.

و«الإخوان» يتولون الآن الحكم في بلاد عربية، وهم اليوم في مصر وتونس، وقد يكون الحكم على نجاحهم ما زال في عالم المجهول، إلا أن المراهنة الغربية يبدو أنها تصطدم بحوائط كبيرة حيث إن الغرب ما زال يرى أن المواجهات المسلحة تنهي مدارس العنف، بينما الحقيقة غير المدركة تتجسد في فهم عقل المسلم البسيط بعد أن وجدت بعض مدارس التطرف تربة خصبة لنشر تأويلاتها المنحرفة في أوساط الشباب المحبط، الذي يريد الخلاص من الحياة لكونه شكل قناعات راسخة بأن الدنيا ليست الحياة، وأن حياة المسلم هي في الآخرة، ومن ثم فإن مثل هذه الوعود قد تمنح الشاب المحبط فرصة للخلاص من حياته الدنيوية.

إننا أمام جدلية بحاجة إلى فهم أعمق لابتعاث الفكر المنحرف المتطرف العنيف، فهؤلاء المتطرفون خليط من الشباب المتعلم وغير المتعلم، وما يجمعهم هو الإحباط والخوف الذي قيد حياتهم الدنيوية، وقد خضعوا لعمليات منظمة من غسيل الدماغ إلى أن تشكلت لديهم قناعات راسخة بأن حياتهم مصدر ألم، وأن الشفاء والسعادة يكمنان في الآخرة، وبالتالي تكونت لديهم صور جديدة لحياة كلها سعادة وراحة، وكأن الطريق إليها لا يأتي إلا من خلال تبني العنف ومواجهة الآخر «المارق» و«الخارج عن الدين وثوابته». وهؤلاء نتاج لبيئة محبطة يتعرضون فيها لتيارات متناقضة ولا يجدون في المؤسسة الدينية الرسمية ما يشفي مطالبهم النفسية، فهم ضحايا لتسييس الدين، وضحايا لمجتمعات لا تعرف طريقها نحو التكوين النفسي لفكرة المواطن الصالح.

إن العنف الديني مخزون متجدد، وهو يعيش على عثرات النظم السياسية وإخفاقاتها، وهو اليوم يتبع سياسة سيكولوجية يوظفها لأجل استقطاب قطاعات الشباب عبر توظيف سياسات تعتمد على علم النفس والعلوم الاجتماعية، وبالتالي فنحن نواجه تنظيمات تستغل التخبط العام الذي تعيشه النظم السياسية في بعض البلدان العربية. وهذه الجماعات استطاعت أن تهمش المدارس الدينية الوسطية مثل الأزهر، واستطاعت أن تخرج أجيالاً من المفتين أو الباحثين الشرعيين الذين يقدمون فتاوى تستند على إغراءات مدروسة تجد طريقها إلى نفوس ضعيفة قلقة ومثقلة بالذنوب المصطنعة.

ولعل نظرة سريعة لتطور الأحداث في ليبيا وتونس والعراق وسوريا تجعلنا ندرك مدى خطر هذه الجماعات المتطرفة وقدرتها على الانتشار والاستقطاب، مما يجعلنا في موضع تساؤل حول السياسات العامة التي تنتهجها النظم العربية والغرب في تعاملهما مع قضية شائكة كهذه تحتاج إلى أدوات عقلانية تلامس الخلل الكبير الذي يدفع هؤلاء اليافعين نحو تبني الفكر المدمر.

الآن : الاتحاد

تعليقات

اكتب تعليقك